نجعه المرتاد

اشارة

نام كتاب: نجعة المرتاد موضوع: فقه استدلالى نويسنده: اصفهانى، محمد رضا، آقا نجفى تاريخ وفات مؤلف: 1362 ه ق زبان: عربى قطع: وزيرى تعداد جلد: 1 ناشر: مؤسسه فرهنگى، مطالعاتى الزهراء سلام الله عليها تاريخ نشر: 1416 ه ق نوبت چاپ: اول مكان چاپ: اصفهان- ايران شابك: 9- 9- 92974- 964 محقق/ مصحح: مركز تحقيقات رايانه اى حوزه علميه اصفهان ملاحظات: اين كتاب در" ميراث حوزه اصفهان" دفتر اول چاپ شده است.

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

ص: 30

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

ص: 40

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

ص: 51

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

ص: 71

ص: 72

ص: 73

ص: 74

ص: 75

ص: 76

ص: 77

ص: 78

ص: 79

ص: 80

ص: 81

ص: 82

ص: 83

ص: 84

ص: 85

ص: 86

ص: 87

ص: 88

ص: 89

ص: 90

ص: 91

ص: 92

ص: 93

ص: 94

ص: 95

ص: 96

ص: 97

ص: 98

ص: 99

ص: 100

ص: 101

ص: 102

ص: 103

ص: 104

ص: 105

ص: 106

ص: 107

ص: 108

ص: 109

ص: 110

ص: 111

ص: 112

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

ص: 117

ص: 118

ص: 119

ص: 120

ص: 121

ص: 122

ص: 123

ص: 124

ص: 125

ص: 126

ص: 127

ص: 128

ص: 129

ص: 130

ص: 131

ص: 132

ص: 133

ص: 134

ص: 135

ص: 136

ص: 137

ص: 138

ص: 139

ص: 140

ص: 141

ص: 142

ص: 143

ص: 144

ص: 145

ص: 146

ص: 147

ص: 148

ص: 149

ص: 150

ص: 151

ص: 152

ص: 153

ص: 154

ص: 155

ص: 156

ص: 157

ص: 158

ص: 159

ص: 160

ص: 161

ص: 162

ص: 163

ص: 164

ص: 165

ص: 166

ص: 167

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

ص: 172

ص: 173

ص: 174

ص: 175

ص: 176

ص: 177

ص: 178

ص: 179

ص: 180

ص: 181

ص: 182

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

ص: 187

ص: 188

ص: 189

ص: 190

ص: 191

ص: 192

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

ص: 199

ص: 200

ص: 201

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

ص: 206

ص: 207

ص: 208

ص: 209

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

ص: 215

ص: 216

ص: 217

ص: 218

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

ص: 231

ص: 232

ص: 233

ص: 234

ص: 235

ص: 236

ص: 237

ص: 238

ص: 239

ص: 240

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

ص: 245

ص: 246

ص: 247

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

ص: 252

ص: 253

ص: 254

ص: 255

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ص: 259

ص: 260

ص: 261

ص: 262

ص: 263

ص: 264

ص: 265

ص: 266

ص: 267

ص: 268

ص: 269

ص: 270

ص: 271

ص: 272

ص: 273

ص: 274

ص: 275

ص: 276

ص: 277

ص: 278

ص: 279

ص: 280

ص: 281

ص: 282

ص: 283

ص: 284

ص: 285

ص: 286

ص: 287

ص: 288

ص: 289

ص: 290

ص: 291

ص: 292

ص: 293

ص: 294

ص: 295

ص: 296

ص: 297

ص: 298

ص: 299

ص: 300

ص: 301

ص: 302

ص: 303

ص: 304

ص: 305

ص: 306

ص: 307

ص: 308

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

ص: 313

ص: 314

ص: 315

ص: 316

ص: 317

ص: 318

ص: 319

ص: 320

ص: 321

ص: 322

ص: 323

[مقدمۀ محقق]

نجعة المرتاد علّامه ابو المجد شيخ محمّد رضا نجفى (1362 ه. ق) تحقيق: رحيم قاسمى

علّامۀ محقق آية اللّه العظمى شيخ ابو المجد محمّد رضا نجفى اصفهانى فرزند عالم عارف ربّانى آية اللّه العظمى شيخ محمّد حسين نجفى فرزند فقيه بزرگ آية اللّه العظمى شيخ محمّد باقر نجفى فرزند فقيه اصولى محقّق نامدار، عالم عارف ربانى آية اللّه العظمى شيخ محمّد تقى رازى (صاحب حاشيۀ معالم «هداية المسترشدين») از مفاخر علمى شيعه در قرن اخير است كه در مراتب علمى، كمتر نظيرى براى او مى توان سراغ گرفت.

وى در علوم فقه، اصول، كلام، تفسير، حديث، فلسفه، رياضيات، هيئت و نجوم تبحّرى بسزا داشته، تبحّر او در علوم ادبى به حدّى بوده كه استاد جلال همايى مى نويسد: نگارنده تا كنون كسى را در إنشاء و حفظ اشعار عربى و تبحّر و احاطه در احوال و آثار شعراى عرب بدان پايه و مايه نديده و محتمل است كه بعد از اين هم در رجال اصفهان مانند او نبيند. (1) به نوشتۀ مرحوم سيّد مصلح الدين مهدوى وى در معاشرت و حسن خلق بر بسيارى از معاصرين خود امتياز داشت. (2) وجود مبارك اين عالم بزرگوار در دوران نكبت بار حكومت پهلوى يكى از عوامل بقا و پويايى حوزۀ علميۀ كهن سال


1- تاريخ اصفهان: 117.
2- دانشمندان و بزرگان اصفهان: 329.

ص: 324

اصفهان بوده، و پرورش دهها عالم فاضل كه اسامى بيش از يك صد نفر از آنان را مرحوم مهدوى در تاريخ علمى و اجتماعى اصفهان ياد كرده از آثار تلاش طاقت فرساى ايشان است.

متأسّفانه بسيارى از آثار ارزشمند و كم نظير اين عالم فرهيخته به سرنوشت كتابخانۀ مهمّ و كم نظير او دچار شده و جز اندكى از آنها به چاپ نرسيده است.

معروف ترين آثار منتشر شدۀ او عبارتند از: 1- وقاية الاذهان، در اصول فقه 2- نقد فلسفۀ داروين، در دو جلد 3- رسالۀ روضة الغنّاء 4- رسالۀ امجديّه (1). اثر مهمّ فقهى علّامۀ نجفى «ذخائر المجتهدين» نام داشته كه با كمال تأسّف اثرى از آن تا كنون يافت نشده است.

كتاب «نجعة المرتاد» يا «كبوات الجياد فى حواشى ميدان نجاة العباد» شرح و به عبارت بهتر جرحى عالمانه بر رسالۀ فقهى علّامه شيخ محمد حسن اصفهانى نجفى صاحب «جواهر الكلام» است كه در آن آراء برخى از اعاظم فقهاى شيعه كه بر نجاة العباد حاشيه اى نگاشته اند نيز مورد نقد و بررسى قرار گرفته، و چنانچه علّامه سيّد حسن صدر كاظمى فرموده: كتابى است مانند مؤلّف آن بى نظير.

تنها نسخۀ ناقص موجود اين كتاب توسّط استاد معظّم حجّة الاسلام و المسلمين حاج شيخ هادى نجفى- حفظه اللّه تعالى- جهت تصحيح در اختيار مصحّح قرار گرفت كه با وجود اغلاط موجود در آن با كوشش فراوان، تحت ارشاد استاد معظّم، تصحيح و تحقيق گشته و به چاپ مى رسد. گفتنى است كه تعليقه اى از فقيه حكيم نامدار مرحوم آية اللّه العظمى علّامه حاج آقا رحيم ارباب- رضوان اللّه عليه- در نسخۀ خطى موجود بود كه در جاى خود نقل شد.

و الحمد للّه ربّ العالمين


1- جهت آشنايى بيشتر با احوال و آثار صاحب عنوان رجوع شود به تاريخ علمى و اجتماعى اصفهان جلد 2 و قبيلۀ عالمان دين نوشتۀ استاد معظّم آقاى شيخ هادى نجفى.

ص: 325

ص: 326

ص: 327

تقريظ العلّامة آية اللّه السيّد حسن الصدر الكاظمي قدّس سرّه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الّذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، و فضّل مدادهم على دماء الشهداء، و الصلاة على خير الرواة عن ربّ السموات محمّد و آله الهداة.

و بعد، فقد نظرت في هذا الشرح الجليل للفاضل النبيل، نابغة العصر، و وحيد الدهر، الفقيه على التحقيق، و المحقّق لكلّ غامض دقيق، الشيخ أبي المجد محمّد الرضا الأصفهاني، فوجدته كصاحبه بلا ثاني، فهو بين الكتب كالسبع المثاني، محكم المباني، دقيق المعاني، مضطلع بعلم الحديث و الرجال، و واحد رجاله عند المجال.

و قد سألني- سلّمه اللّه- تحمّل ما صحّ لي روايته عن مشايخي- رضي اللّه تعالى عنهم- تأسّيا بالسلف، و هو نعم الخلف، فأجزت له- سلّمه اللّه- أن يروي جميع كتب الأخبار الساطعة الأنوار، سيّما «الكافي» و «الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار»، المشتهرة في هذه الأعصار اشتهار الشمس في رابعة النهار، للمحمّدين الثلاث الأوائل، و الكتب الثلاثة للمحمّدين الثلاثة الأواخر، «الوافي» و «الوسائل» و «البحار»، و سائر الخطب و المواعظ و القصص و الآثار، و جميع ما ألّف في الإسلام علماء الخاصّ و العامّ في فنون العلوم الشرعيّة،

ص: 328

و الرسوم المرعيّة، من العقليّة و النقليّة، و الأصوليّة و الفرعيّة، و التفسيريّة و الأدبيّة، عنّي عن عدّة من مشايخي الكرام، و الفضلاء العظام.

منهم: و هو أجلّهم شأنا، و أعظمهم مكانة و مكانا، و هو أوّل من أجازني، العالم العلم، و الفقيه الأقوم، قدوة الأنام، و علم الأعلام، زاهد العصر، فريد الدهر، جمال السالكين و المجاهدين، المؤيّد من اللّه بلطفه الخفيّ و الجليّ، الشيخ حاج مولى علي بن الحاج ميرزا خليل الرازي النجفي- تغمّده اللّه برحمته و رضوانه، و أسكنه بحبوحة جنانه- عن مشايخه الستّة:

أوّلهم: العلم العلّامة، الفقيه الفهامة الشيخ الولي، الشيخ عبد العلي الرشتي النجفي، صاحب الشرح على «الشرائع»، و عندي منه المجلّد الأوّل، و هو شرح تمام كتاب الطهارة بخطّه الشريف، و على ظهره إجازة شيخ الطائفة صاحب «كشف الغطاء» بخطّه الشريف، و إجازة السيّد العلّامة صاحب «الرياض» بخطّه الشريف له قدّس سرّه، و يروي عنهما و عن السيّد بحر العلوم الطباطبائى، جميعا عن الآقا المحقّق الوحيد الأصفهاني الشهير بالبهبهاني، عن أبيه الأفضل، المولى محمّد أكمل، عن العلّامة المجلسي بطرقه المثبتة في أوّل أربعينه و آخر بحاره.

و عن هؤلاء الأعلام الثلاثة، عن الشيخ الفقيه المحدّث صاحب «الحدائق»، عن المولى رفيع الدين الجيلاني الساكن بالمشهد الرضويّ، عن العلّامة المجلسي، و سائر طرقه المثبتة في لؤلؤته.

و ثانيهم: الشيخ صاحب الجواهر، عن السيّد الجواد، الرفيع العماد، الرأس الأوتاد، صاحب «مفتاح الكرامة»، عن السيّد بحر العلوم، عن مشايخه المذكورين في خاتمة «مستدرك الوسائل»، بطرقهم المذكورة هناك.

و ثالثهم: الشيخ الأعظم، و الركن الأقوم، كشّاف حقائق الفقه و الاصول بطريق من البيان لم يطمثهنّ انس قبله و جان، خلاصة العلماء العاملين، شيخ الإسلام و المسلمين، العالم الربّاني الشيخ مرتضى الأنصاري، عن شيخيه: الفاضل المتبحّر، المولى أحمد النراقى، و السيّد الإمام، العلّامة السيّد صدر الدين العاملي- قدّس اللّه روحيهما- و هما جميعا عن السيّد بحر العلوم، و السيّد الميرزا مهدي الشهرستاني، و الشيخ كاشف الغطاء النجفي، و الميرزا

ص: 329

أبو القاسم المحقّق القمي، جميعا عن الفاضل الشيخ محمّد مهدي الفتوني، و الشيخ يوسف البحراني بطرقهم المعروفة.

و رابعهم: الشيخ الفقيه الفاضل العماد، الشيخ جواد مولى كتاب النجفي، صاحب الشرح المبسوط على «اللمعة» إلى النكاح في عشر مجلّدات، عن السيّد جواد العاملي صاحب «مفتاح الكرامة»، عن السيّد بحر العلوم بطرقه المتقدّم إليها الإشارة.

و خامسهم: الشيخ الفاضل الفقيه، شارح «الشرائع»، الشيخ رضا بن الشيخ زين العابدين العاملي النجفي- صهر السيّد جواد العاملي- عن السيّد العلّامة المتبحّر السيّد عبد اللّه بن السيّد العلّامة السيّد محمّد رضا الشبّر الكاظمي، المصنّف المكثّر، صاحب «جامع الأحكام» و هو نحو «البحار»، و غيره، عن شيخ الطائفة الشيخ جعفر كاشف الغطاء، و السيّد العلّامة صاحب «الرياض»، و الشيخ العلّامة المتبحّر الأوّاه الشيخ أسد اللّه صاحب «المقابيس» بطرقه المذكورة في أوّل مقابيسه.

و سادسهم: السيّد الفاضل السيّد محمّد بن السيّد العلّامة السيّد جواد العاملي، عن أبيه السيّد جواد صاحب «مفتاح الكرامة»، عن السيّد بحر العلوم بطرقه السبعة المعروفة المتقدّم إليها الإشارة.

و منهم: و هو ثاني من أجازني العالم العامل و الفاضل الكامل خرّيت علم الحديث و الآثار، المشتهر بالفضل و التقوى كعلم على نار، المولى العلّامة النوري الحسين بن العلّامة التقيّ الطبرسي، صاحب «مستدرك الوسائل»، عن عدّة من الشيوخ الّذين ذكرهم في خاتمة «المستدرك» بطرقهم المذكورة هناك.

و منهم: و هو ثالث من أجازني العالم المتبحّر، خرّيت طريق التحقيق، و مالك أزمّة الفضل بالنظر الدقيق، ذو الفكر الصائب و الحدس الثاقب، السيّد الفقيه المحدّث العالم الميرزا محمّد هاشم بن الميرزا زين العابدين الخوانساري الأصفهاني صاحب «اصول آل الرسول» و «فوائد الفرائد»، عن جماعة من الأعلام: أجلّهم السيّد العلم الإمام العلّامة السيّد صدر الدين العاملي، بكلّ طرقه الّتي أجلّها ما يرويه عن أبيه السيّد العلّامة السيّد صالح، عن

ص: 330

أبيه السيّد الإمام العلّامة السيّد محمّد بن السيّد العلّامة السيّد ابراهيم ابن السيّد العلّامة السيّد زين العابدين بن السيّد العلّامة السيّد نور الدين- أخي السيّد محمّد صاحب «المدارك»- عن الشيخ الفاضل المتبحّر المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن صاحب «الوسائل» بطرقه المذكورة في آخر «الوسائل».

ح: و عن الميرزا محمّد هاشم المذكور، عن السيّد المحقّق المير سيّد حسن المدرّس، عن الميرزا زين العابدين الخوانساري، عن السيّد حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر الرشتي الأصفهاني، عن السيّد علي صاحب «الرياض»، عن الآقا البهبهاني.

ح: و عن الميرزا محمّد هاشم المذكور، عن الشيخ الفقيه الشيخ مهدى ابن الشيخ المحقّق الشيخ علي بن شيخ الطائفة الشيخ جعفر كاشف الغطاء، عن عمّه الشيخ الفقيه العلم العلّامة الشيخ حسن صاحب «أنوار الفقاهة»، عن أبيه، عن السيّد بحر العلوم، و الشيخ مهدي الفتوني، و الشيخ يوسف البحراني، و الآقا محمّد باقر البهبهاني بطرقهم المعروفة.

و منهم: و هو رابع من أجازني السيّد العالم العلم العلّامة، المصنّف المكثّر الفهامة، صاحب الكرامة السيّد مهدي بن السيّد حسن القزويني الحلّي النجفي، عن عمّه العالم الربّاني السيّد باقر القزويني صاحب الصندوق و الشباك و القبّة في محلّة العمارة في الغري، عن السيّد بحر العلوم.

ح: و يروي السيّد مهدي القزويني المذكور عن السيّد الفاضل العالم الجليل السيّد محمّد تقي القزويني، عن أستاذه السيّد الجليل السيّد محمّد صاحب «المفاتيح» بن السيّد صاحب «الرياض»، عن أبيه السيّد المير سيّد علي بطرقه المتقدّم إليها الإشارة.

و منهم: و هو خامس من أجازني فقيه عصره، الحاج ميرزا حسين بن الميرزا خليل النجفي طاب ثراه، عن الشيخ العلّامة المتبحّر الآخوند محمّد تقي الگلپايگاني، عن جدّكم العلّامة الشيخ محمّد تقي صاحب «الهداية»، عن جدّكم كاشف الغطاء.

ح: و يروى الحاج ميرزا حسين ابن الميرزا خليل المذكور عن خال أمّكم، السيّد العلم العلّامة الأوّاه، السيّد أسد اللّه، عن أبيه السيّد حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر، عن جماعة من

ص: 331

مشايخه المذكورين في إجازاته المتقدّم إلى بعضهم الإشارة.

و بيان جميع الطرق و الأسانيد لا تسعه هذه الورقة، و قد ذكرنا شيئا و نحيل الباقي إلى إجازاتنا المبسوطة.

فليرو- أدام اللّه تأييده- عنّي، عن مشايخي المذكورين، بالطرق المذكور في «لؤلؤة البحرين»، و أوّل «الأربعين» للعلّامة المجلسي، و في آخر «البحار»، عن العلّامة صاحب «البحار»، عن أبيه، عن الشيخ البهائي، عن أبيه، عن الشهيد الثاني بطرقه المثبتة في إجازته الكبيرة.

ح: و عن الشهيد الثاني، عن علي بن الشيخ عبد العالي الميسي، عن المحقّق ابن المؤذّن الجزينى، عن الشيخ ضياء الدين علي، عن أبيه الشيخ شمس الدين الشهيد الأوّل بطرقه المثبتة في إجازته الكبيرة لابن الخازن الّتي منها: عنه، عن ضياء الدين عبد اللّه بن محمّد بن علي بن محمّد الأعرج الحسيني، عن خاله العلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر بطرقه المذكورة في إجازته لبني زهرة الكبيرة الّتي منها: عنه، عن السيّدين رضي الدين و جمال الدين ابني طاوس، عن الشيخ نجيب الدين السوراوي، عن الشيخ الحسين بن هبة اللّه بن رطبه السوراوي عن الشيخ أبي علي، عن أبيه شيخ الطائفة قدّس سرّه بطرقه المثبتة في «فهرست كتب الشيعة»، و في آخر «التهذيب».

ح: و بالأسانيد، عن الشيخ الطوسي جميع مصنّفات و مرويّات السيّد المرتضى، و الشيخ المفيد.

ح: و بالإسناد، عن الشيخ المفيد جميع مصنّفات و مرويّات الشيخ الصدوق ابن بابويه و طرقه المذكورة في آخر «الفقيه».

ح: و جميع مرويّات ابن قولويه.

ح: و عن المفيد، عن ابن قولويه جميع مرويّات ثقة الإسلام الكليني.

ح: و بالإسناد عن الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن قولويه، عن محمّد بن يعقوب الكليني بكلّ طرقه و عدده و أسانيده في جامعه المهذّب الصافي المعروف بالكافي.

ص: 332

فليرو- دام بقاه- بكلّ هذه الطرق، و أسأله الدعاء عند مظانّة الإجابة، و أسأله الأخذ بما هو أنجى و أحوط في كلّ شي ء و في كلّ حال.

فأسأل اللّه تعالى أن يحيي به الدين كما أحيا بآبائه الأكرمين.

حرّره العبد الراجي فضل ربّه ذوي المنن، ابن الهادي حسن، المعروف بالسيّد حسن صدر الدين في ليلة السبت رابعة عشر ذي القعدة سنة 1333.

ص: 333

[متن كتاب نجاة العباد]

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

كتاب الصلاة

اشارة

الّتي تنهى عن الفحشاء و المنكر، و عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، و إن ردّت ردّ ما سواها.

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في المقدّمات، و هي ستّ:

المقدّمة الأولى: في أعداد الفرائض، و مواقيت اليوميّة منها، و نوافلها، و جملة من أحكامها.
اشارة

و فيها مباحث:

المبحث الأوّل: الصلاة واجبة و مندوبة، و الواجبة الآن خمسة

اليوميّة، و تدخل فيها الجمعة، و الآيات، و الطواف الواجب، و ما التزم بنذر أو إجارة أو غيرهما، و صلاة الأموات.

و اليوميّة خمس فرائض: صبح ركعتان، و مغرب ثلاثة، و ظهر و عصر و عشاء، كلّ منها

ص: 334

أربع ركعات للحاضر الآمن، و للمسافر و الخائف ركعتان، كما أنّ من صلّى الجمعة ركعتين أجزأته عن الظهر.

و الوسطى منها- الّتي أمرنا بالمحافظة- عليها الظّهر على الأصحّ.

و أمّا المندوبة فهي أكثر من أن تحصى، منها: الرواتب اليوميّة الّتي هي في غير يوم الجمعة أربع و ثلاثون ركعة: ثمان قبل الظهر، و ثمان قبل العصر، و أربع بعد المغرب، و ركعتان من جلوس (1) بعد العشاء، يعدّان بركعة، تسمّى بالوتيرة، و ركعتا الفجر.

و إحدى عشر صلاة الليل: ثمان ركعات، ثم ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر، و هي مع الشفع أفضل صلاة الليل، و لكن ركعتا الفجر أفضل منهما.

و يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر منها، بل على الوتر خاصّة، و لها آداب كثيرة مذكورة في محالّها.

و على كلّ حال فقد ظهر لك أنّ النوافل مع الفرائض للحاضر إحدى و خمسون ركعة.

و تسقط عمّن فرضه القصر ثمانية الظهر، و ثمانية العصر، و الوتيرة على الأقوى (2).

و أمّا يوم الجمعة فيزاد على الستّة عشر أربع ركعات، و يأتي التعرّض لغيرها ان شاء اللّه تعالى.

و الأقوى ثبوت الغفيلة (3)، و هي ركعتان بين العشاءين، و يستحبّ قراءة وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بعد الحمد في أوليهما، و وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا


1- و يجوز فيهما القيام، بل هو الأفضل، و إن كان الجلوس أحوط. (السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي)
2- في أقوائيّته إشكال، و الأولى الإتيان بها رجاء. (الشيخ محمّد كاظم الخراساني)
3- فيه إشكال إلّا أن يجعلهما من نافلة المغرب. (الشيخ الأنصاري) أو يأتي بها رجاء، و كذا الحال في صلاة الوصيّة. (الخراساني) و الأولى أن يأتي بالركعتين من نافلة المغرب بهذه الصورة، و بركعتين منها بالصورة الّتي تأتي في صلاة الوصيّة، من غير تعرّض لكونها غفيلة و وصيّة، بل يقصد بها نافلة المغرب، و يحتمل أن يكون مراده رحمه اللّه ذلك أيضا و إن لم يساعده ظاهر العبارة. (الميرزا الشيرازي)

ص: 335

يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ بعده أيضا في ثانيتهما.

و الوصيّة (1)، و هي ركعتان بينهما أيضا، يقرأ في أوليهما إِذٰا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزٰالَهٰا ثلاثة عشر مرّة بعد الحمد، و في الثانية التوحيد، خمس عشر مرّة، بعدها أيضا.

لكن مع أنّ الاحتياط يقتضي عدم فعلهما (2) ليستا من الرواتب الّتي هي عند الأولياء كالواجب.

المبحث الثاني: في مواقيتها

يدخل وقت الظهر بزوال الشمس، فإذا مضى منه مقدار أدائها اشترك معها العصر، إلى أن يبقى من المغرب مقدار أدائه، فيختصّ حينئذ هو به أيضا.

ثمّ يدخل وقت المغرب، فإذا مضى منه مقدار أدائه اشترك معه العشاء، إلى أن يبقى من انتصاف الليل مقدار أربع ركعات، فيختصّ هو به أيضا و يخرج حينئذ وقت المختار.

و أمّا المضطرّ لنوم، أو نسيان، أو حيض، أو غيرها من أحوال الاضطرار (3) فالأظهر (4) بقاء الوقت له إلى طلوع الفجر، و أنّه يختصّ العشاء من آخره بالأربع أيضا، بخلاف المغرب من أوّله على الأقوى.

و الأولى عدم التعرّض في النيّة للأداء و القضاء، بل الأولى ذلك حتى في العامد.


1- حكمها حكم مطلق النافلة الغير الراتبة في وقت الفريضة، و ستعرف الإشكال فيها، إلّا أن يجعلها من نافلة المغرب، كما عرفت في الغفيلة. (الشيخ الأنصاري).
2- بل فعلهما رجاء. (الخراساني)
3- بل و كذا في العامد، و إن كان آثما في التأخير. (السيّد اليزدي)
4- الأظهريّة في غير المضطرّ لإحدى الأحوال الثلاث محلّ تأمّل، فالأحوط له عدم التعرّض في النيّة للأداء و القضاء. (الخراساني)

ص: 336

ثمّ يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق الّذي كلّما زدته نظرا أصدقك بزيادة حسنه المستطير في الأفق أي المعترض المنتشر فيه كالقبطيّة البيضاء، و كنهر سورى، لا الكاذب المستطيل في السماء المتصاعد فيها الّذي يشابه ذنب السرحان على سواد يتراءى من خلاله و أسفله، و لا يزال يضعف حتى ينمحي أثره، و يمتدّ وقته إلى طلوع الشمس في أفق ذلك المصلّي.

و المراد بالاختصاص عدم صحّة خصوص الشريكة فيه، مع عدم أداء صاحبة الوقت مطلقا، من غير فرق بين السهو (1) و عدمه، و القضاء و عدمه.

أمّا صلاة غير الشريكة فيه قضاء (2) مثلا، أو صلاة الشريكة فيه أداء بعد فرض أداء صاحبته بوجه صحيح فالظاهر الصحّة (3)، كما يصحّ مزاحمة الشريكة للأخرى، إذا فرض بقاء ركعة من الوقت، فتصلّي حينئذ و إن وقع جملة منها في وقت الاختصاص، فلو بقي من الغروب خمس ركعات، أو من نصف الليل صلّى الظهرين و العشاءين، و لا يصلّي المغرب لو لم يبق إلّا مقدار أربع ركعات.

و يعلم الزوال بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب معتدلا في الأرض المعتدلة بعد نقصانه، أو حدوثه بعد انعدامه.

و المغرب بذهاب الحمرة المشرقيّة على الأصحّ، بل يقوى اعتبار ذهابها إلى أن تتجاوز سمت الرأس، بل الأحوط مراعات ذهابها من تمام المشرق الّذي هو ربع الفلك.

و ليس لنصف الليل حدّ في الشرع معلوم، و لكن يعرف بالنجوم و غيرها، نعم منتهاه طلوع الفجر الصادق، لا الشمس (4)،


1- الأقوى صحّة الشريكة مع السهو. (السيّد اليزدي)
2- فيه إشكال. (الشيخ الأنصاري) أقواه ما في المتن. (الخراساني)
3- و إن كان الأحوط عدم التعرّض فيها للقضاء و الأداء. (الشيخ الأنصاري- السيّد اليزدي)
4- محلّ تأمّل. (السيّد اليزدي)

ص: 337

نعم لو أوجب التطوّع عليه بسبب من الأسباب كالنذر و نحوه خلص (1) من الإشكال عن أصله، و لكن ينبغي الإطلاق في النذر و إن كان وقع منه في وقت الفريضة، أمّا لو قيّده في وقتها فإشكال، أقواه عدم الجواز بناء على الحرمة.

المبحث الثالث: في الأحكام.

إذا حصل للمكلّف أحد الأعذار المانعة من التكليف بالصلاة كالجنون، و الحيض، و الإغماء و قد مضى من الوقت مقدار فعل تمام صلاة المختار له (2) بحسب حاله في ذلك الوقت- من الحضر و السفر و غيرهما- وجب عليه القضاء، و إلّا لم يجب عليه على الأصحّ، من غير فرق بين التمكّن من الأكثر و عدمه، و بين التمكّن من الطهارة خاصّة دون باقي الشرائط و عدمه (3).

و لو ارتفع العذر و قد أدرك مقدار ركعة كذلك وجب، و يكون مؤدّيا لا قاضيا و لا ملفّقا، و إلّا لم يجب على الأقوى، من غير فرق بين الفرائض، و لا بين الطهارة و غيرها من الشرائط (4).


1- لا يخلص بذلك من الأشكال و إن أطلق النذر. (الخراساني)
2- يعني ما وجب عليه بحسب تكليفه الفعلي من حيث المرض و الصحّة، و التيمّم و الوضوء و الغسل، و نحو ذلك.
3- الأحوط* القضاء مع كونه متطهّرا جامعا للشرائط عند الزوال، و طروّ العذر بعد مضيّ مقدار فعله الواجب في حقّه، سواء كان صلاة المختار أو غيرها. (الشيخ الأنصاري- السيّد اليزدي)
4- لو أدرك الطهارة دون سائر الشرائط، بل الطهارة الترابيّة فلا ينبغي ترك الاحتياط. (الشيخ الأنصاري- السيّد اليزدي)

ص: 338

و المراد بالركعة في كلّ مقام علّق الحكم عليها القيام المشتمل على القراءة و الركوع و السجود كمّلا، فتنتهي حينئذ برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصحّ (1)

و يعتبر العلم لغير ذوي الأعذار بالوقت في الدخول بالصلاة، و الأقوى الاكتفاء بالبيّنة، بل و خبر العدل (2)، لكنّ الأحوط خلافها (3)

و لا يكفي الأذان و إن كان من عدل عارف، و لا غيره من الأمارات، نعم يكفي الظنّ من أين ما حصل لذوي العذر بعمى أو حبس أو نحوهما، و في الغيم و نحوه، مع أنّ الأفضل، و الأحوط (4) التأخير حتّى يعلم.

و لو انكشف الخطأ حتّى بأن له سبق الصلاة تماما على الوقت استأنف.

و إن كان قد انكشف له الخطأ، و قد دخل عليه الوقت الّذي تصحّ فيه الصلاة المتلبّس بها و هو في اثنائها و لو التسليم لم يعد على الأقوى.

و الشكّ في الدخول، بل و الظنّ به كالعلم بالعدم في وجوب الاستيناف.

و متعمّد التقديم و لو لجهل بالحكم يستأنف على كلّ حال، و كذلك الناسي و الظانّ بدخول الوقت مع عدم اعتبار ظنّه، أمّا لو كان قاطعا فكالمعذور بظنّه في التفصيل السابق.

و لو دخل في الصلاة غافلا عن المراعات، و لم يتفطّن إلى الفراغ، و قد صادف تمام فعله الوقت صحّت صلاته على الأقوى، و الأحوط الإعادة و كذلك الجاهل بالحكم إذا كان بحيث تقع منه نيّة القربة.

و لو تفطّن الغافل المزبور في الأثناء، و لم يتبيّن له الوقت استأنف، و الأحوط له إتمام ما في يده، ثمّ الإعادة.


1- الاكتفاء هنا بإتمام الذكر في السجدة الأخيرة لا يخلو عن قوّة. (الشيخ الأنصاري- السيّد اليزدي) بل لا يخلو الاكتفاء بمجرّد السجود بها عن وجه، و إن كان الأحوط عدم التعرّض للأداء و لا للقضاء إذا لم يدرك الذكر، بل و لو أدرك. (الخراساني)
2- في خبر العدل إشكال، نعم الاكتفاء بأذان العدل العارف لا يخلو عن قوّة. (السيّد اليزدي)
3- بل الأقوى عدم الاكتفاء بالعدل الواحد. (الشيخ الأنصاري)
4- هذا الاحتياط لا يترك. (السيّد اليزدي)

ص: 339

و يجب الترتيب بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء، فمن تركه عمدا و لو جهلا بالحكم أعاد ما قدّمه.

أمّا الساهي فلا يعيد إذا كان قد وقع في الوقت (1) المشترك، و لو ذكر في الأثناء عدل بنيّته و إن كان ما وقع منه في وقت الاختصاص في وجه، إلّا أنّ الأحوط إن لم يكن أقوى الإعادة بعد الاتمام، و إنّما يصحّ له العدول إذا لم يتجاوز محلّه، بأن يكون قد ركع في رابعة العشاء مثلا، و المنسيّ المغرب.

و لا عدول بعد الفراغ في متساوي (2) العدد، فضلا عن غيره، و كذلك الحكم في ما يجب فيه الترتيب من الفوائت.

أمّا العدول من الحاضرة إلى الفائتة فغير واجب (3)، نعم هو جائز، بل مستحبّ.

و الأفضل له صلاة كلّ فريضة في أوّل وقت فضيلتها، إلّا عصري الجمعة و عرفة، فيعجّلهما فيهما بعد الظهر، و عشائي من أفاض من عرفات، فيؤخّرهما إلى المزدلفة، و لو إلى ربع الليل، بل و لو إلى ثلثه.

و من خشي الحرّ يؤخّر الظهر إلى المثل ليتبرّد بها.

و من لم يكن له إقبال يؤخّر الفرض إلى حصوله، لكن لا ينبغي أن يتّخذ ذلك عادة.

و من كان منتظرا للجماعة يؤخّرها إلى حصولها، إذا لم يقتض ذلك الإفراط في التأخير بحيث يكون مضيّعا للصلاة.

و الصائم الّذي تتوق نفسه إلى الافطار يؤخّرها إلى ما بعده، و كذا من كان له أحد ينتظره.


1- الأقوى أنّه لا فرق في الصحّة بين الإتيان في الوقت المشترك و المختص، و حينئذ فإن تذكّر في الأثناء عدل، و إن تذكّر بعد الفراغ ففي الظهرين يعدل أيضا على الأقوى، و إن كان الأحوط أن ينوي ما في الذمّة في الصلاة الثانية، و في العشاءين صحّ ما أتى به فيأتي بالمغرب بعد ذلك. (السيّد اليزدي)
2- الأقوى جوازه في المتساوي كما أشرنا إليه، و إن كان الأحوط ما ذكرناه من قصد ما في الذمّة في الصورة الثانية. (السيّد اليزدي)
3- في نفي الوجوب تأمّل، فلا ينبغي ترك الاحتياط. (الشيخ الأنصاري)

ص: 340

و المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر و المغرب إذا أرادت جمعها مع العصر و العشاء بغسل واحد.

و المربّية للصبيّ تؤخّر الظهرين إلى آخر الوقت، لتجمعها مع العشاءين بغسل واحد للثوب.

و يؤخّر أيضا ذوو الأعذار، و لو لغيم و نحوه، مع رجاء زوال العذر في آخر الوقت.

و مدافع الأخبثين، بل كلّ ممنوع بنحو ذلك.

و المتنفّل يؤخّر الفرض للنافلة، و المسافر المستوفر، و من كان عليه قضاء يؤخّر إلى حصول الضيق.

و لا يجب التأخير في شي ء من ذلك على الأصحّ (1).

و يكره الشروع (2) في النّوافل المبتدأة عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و عند قيامها، و بعد صلاة الصبح، و بعد صلاة العصر، دون ذوات الأسباب كالزيارة، و الطواف، و الحاجة، و نحوها، و دون إتمام المبتدأة لو كان متلبّسا بها، و دخل وقت الكراهيّة. و اللّه أعلم.


1- وجوب التأخير على ذوي الأعذار مع رجاء زوال العذر لا يخلو عن قوّة. (الشيخ الأنصاري) وجوب التأخير في ذوي الأعذار، مع عدم اليأس من الزوال لا يخلو عن قوّة، نعم يجوز البدار في التيمم و لو مع الرجاء. (السيّد اليزدي)
2- في الحكم بالكراهة في المواضع المذكورة إشكال، بل الأقوى عدمها. (السيّد اليزدي)

ص: 341

[شرح كتاب نجاة العباد (نجعة المرتاد)]

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه و الصلاة على محمّد و آله

كتاب الصلاة

اشارة

(الّتي تنهى) من أتى بها بجميع حدودها (عن) جميع أقسام (الفحشاء و المنكر) (1) فما يشاهد من ارتكاب كثير من المصلّين لهما فإنّما هو لعدم إقامتها بحدودها الّتي ورد في بعض النصوص أنّها أربعة آلاف (2).

أو أنّ في الصلاة اقتضاء المنع عنهما، فيترتّب الأثر عليها إذا لم تزاحمها الأفعال الّتي خاصيّتها البعث عليهما من غير قسمي الفحشاء و المنكر، أو المتقدّم منهما وجودا على الصلاة، لئلّا يلزم المحال.

أو يلتزم بعدم منعها لجميع أقسامهما، و يمنع الوجدان عن ارتكاب بعض المصلّين جميع أقسام الفحشاء و المنكر.

و الوجه الأوّل أحسن، و في النصوص ما يدلّ عليه تلويحا، بل تصريحا.

و ما يقال من أنّ المراد أنّ المصلّي لا يتمكّن حال اشتغاله بالصلاة الصحيحة من فعلهما، فيه- مع البعد- من السماجة و الفساد ما لا يخفى، فإنّ الآية الشريفة واردة في مدح الصلاة و بيان فضلها قطعا، و على هذا لا يبقى لها مزيّة على فعل من الأفعال حتّى الكبائر، فإنّ من اشتغل بأحدها لم يتمكّن من سائر أضدادها المحرّمة.

و أيضا إن قنع هذا المجيب بمنعها و لو عن بعض أقسام الفحشاء و المنكر فالإشكال مندفع


1- إشارة إلى الآية 45 من سورة العنكبوت.
2- تهذيب الأحكام 2: 258 ح 956 و الفقيه 1: 195 ح 599.

ص: 342

بنفسه من غير احتياج إلى هذا الجواب، لما عرفت من عدم قيام الوجدان على ارتكاب المصلّين جميع أقسامهما.

و إن أراد عدم تمكّن المصلّي من جميع أقسامهما فظاهر الفساد، فإنّ المصلّي يتمكّن حال الصلاة من النظر إلى الأجنبيّة، و لطم اليتيم، و سرقة ما يقرب منه من الأموال، و نحو ذلك.

(و) هي (عمود الدين) بمعنى أنّها (إن قبلت قبل ما سواها) من الأعمال الصالحة الواجدة لشرائط الصحّة، و إن كانت فاقدة لشرائط القبول (و إن ردّت) لعدم اجتماع شرائط الصحّة و القبول معا فيها (ردّ ما سواها) و إن كانت واجدة لشرائطهما.

و هذا هو الوجه في تشبيهها بالعمود، فكأنّ الأعمال الصالحة خباء، رفعها قبولها، و تقويضها ردّها، و هما منوطان بها إناطة بناء البيت و تقويضه بالعمود.

ثمّ إنّ قبول صلاة واحدة سبب لقبول جميع الأعمال، لا لأنّ المراد بها الطبيعة و هي صادقة بصدق فرد منها، لعدم إرادة مثل ذلك في الجملة الثانية المتّحدة في السياق معها، للزوم التهافت بين الجملتين في ما لو قبلت صلاة و ردّت اخرى، مع منافاته لفضل اللّه الّذي تجري معاملة العباد عليه، بل لأنّ قبول صلاة واحدة يوجب قبول بقيّة الصلوات كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام المروي في الكافي (1)، و قبول جميعها يوجب قبول بقيّة الأعمال.

فظهر أنّ ردّ جميع الصلوات موجب لردّ جميع الأعمال، لا فرد منها، و اندفع استبعاد كون ردّ صلاة واحدة في جميع العمر موجبا لعدم قبول جميع أعمال الحسنة في جميع العمر أيضا، من غير احتياج إلى تخصيص الأعمال بالنوافل، أو التقييد بأعمال اليوم الّذي ردّت صلاته، و نحو ذلك.

ثمّ إنّه ورد في عدّة من النصوص ما يستفاد منه أنّ قبول كثير من الصلوات موقوف على النوافل، و ردّ بما يخصّص الأعمال بغير النوافل حذرا من لزوم الدور؛ و لا وجه لهذا التخصيص، و الدور يمكن دفعه بأن تكون النوافل في مرتبة صحّتها موجبة لقبول الفريضة،


1- الكافي 3: 269.

ص: 343

و قبول الفريضة موجبا لقبول النافلة، فلا دور.

ثمّ إنّ الجملة الأولى وردت بلفظها في رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام المرويّة في الكتابين (1) و لكنّها خالية عن الجملة الثانية، و لكن مع كون ذلك لازم التشبيه المتقدّم، يستفاد مضمونها من بعض الروايات، كقوله عليه السّلام: « [مثل] الصلاة مثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب و الأوتاد و [الغشاء و] إذا انكسر [العمود] لم ينفع طنب و لا وتد و لا غشاء» (2).

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في المقدّمات، و هي ستّ

المقدمة الأولى: في أعداد الفرائض و مواقيت اليوميّة منها
اشارة

و قوله: (و نوافلها) صالح للعطف على كلّ من الجملتين السابقتين، و قوله: (و جملة من أحكامها) يعنى أحكام المواقيت، أو أحكام الصلاة من حيث المواقيت، و الأوّل أظهر، و الثاني أنسب بسوق الكلام.

و فيها مباحث:

المبحث الأوّل: (الصلاة) تنقسم ابتداء إلى (واجبة و مندوبة)

و ذلك مع قطع النظر عن الخصوصيّات العارضة لها، و إلّا فقد تعرض لها الحرمة و الكراهة بمعناهما المصطلح، أو بمعنى آخر كما مرّت الإشارة إليه في كتاب الطهارة.

(و الواجبة) منها (الآن) أي في زمان الغيبة (خمسة) كذا في النسخ، و الصواب: خمس


1- الكافي 3: 268، تهذيب الأحكام 2: 255 ح 946.
2- وسائل الشيعة 4: 33 الباب (8) من أبواب أعداد الفرائض ح 6.

ص: 344

صلوات: (اليوميّة، و تدخل فيها الجمعة) لكونها بدلا عن الظهر، بناء على وجوبها و لو تخييرا (و الآيات، و الطواف الواجب، و ما التزم به) المكلّف (بنذر أو إجارة أو غيرهما) كالعهد و اليمين، و ما أمر به الوالد، بناء على أنّه يجب بذلك، و (صلاة الأموات) بناء على كونها من الصلاة بالمعنى المصطلح.

و هذا التقسيم غير حسن و لا مستقيم، و المختار عنده في كتابه الكبير عدّها أربعة (1) و لا فائدة في إطالة الكلام في ما يرد على مختاره في الكتابين طردا و عكسا بعد وضوح المراد، و لكن لا بدّ من إدراج صلاة الاحتياط الواجبة في الاولى- بتقريب لا يخفى على المتأمّل- إن أمكن، أو عدّها مستقلا و جعل الأقسام ستّة.

و اختار الماتن في كتابه الكبير إدراجها في الرابعة، و قال: «لأنّ الشكّ أيضا من الملزمات». (2) فتأمّل فيه، فإنّه من غريب الكلام.

(و اليوميّة) الواجبة منحصرة عندنا في (خمس فرائض) و لا واجب سوى الفرائض عندنا، خلافا لأبي حنيفة فإنّه يرى الفريضة خمسا و يقول بوجوب الوتر.

و لا يرد عليه ما قال له حمّاد بن زيد: كم الفرائض؟ قال: خمس، و عدّها. فقال حمّاد: و الوتر؟ قال: واجب. قال حمّاد: لا أدري الخطأ في الإجمال أو التفصيل؟

قال الفاضل في المنتهى: و الإنصاف أنّ هذا الاستهزاء غير لائق بأبي حنيفة (3).

و صدق في ذلك، فإنّ أبا حنيفة يرى الفريضة ما ثبت بالدليل القطعي، و لم تثبت به سوى هذه الخمس، و الوتر واجب عنده بالدليل الاجتهادي، فلا منافاة بين عدّه الفريضة خمسا و قوله بوجوب الوتر، فإنّه مبنيّ على الاصطلاح الّذي لا مشاحة فيه.


1- قال في الجواهر: بل قد يقال: ينبغي عدّها حينئذ خمسة بإدراج الجمعة في اليوميّة، بل أربعة اقتصارا على الفرائض الأصليّة. جواهر الكلام 7: 11.
2- جواهر الكلام 7: 11.
3- قال محقّق كتاب مفتاح الكرامة: ليست هذه العبارة موجودة في المنتهى المطبوع جديدا، و لا في المطبوع قديما، إلّا أن في المطبوع قديما ما يدلّ على سقوطها عن الطبع أو عن قلم الناسخ، فإنّه بعد أن حكى عنه العبارة «قال حمّاد بن زيد- إلى قوله:- أو في التفضيل» قال: «و هذه»، ثمّ شرع في مسألة أخرى. و هذه قرينة على سقوط عبارة: «و هذه السخرية غير لائقة بأبي حنيفة». مفتاح الكرامة 5: 15.

ص: 345

و بعض شرّاح هذا الكتاب ردّ على الفاضل في ذلك، و صوّب إشكال حمّاد، غفلة عن حقيقة الحال.

(صبح ركعتان، و مغرب ثلاثة) لكلّ المكلّفين، و العبارة سمجة كما لا يخفى.

(و ظهر و عصر و عشاء، كلّ منها أربع ركعات للحاظر الآمن، و للمسافر و الخائف ركعتان).

و قوله: (كما أنّ من صلّى الجمعة ركعتين أجزأته عن الظهر) واضح، و إن كان ارتباطه بالمقام لا يخلو عن خفاء، و لو بنى على التكلّف فبيانه سهل.

(و) الصلاة (الوسطى منها الّتي امرنا بالمحافظة عليها) زيادة على غيرها في قوله تعالى: حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ (1) هي (الظهر على الأصحّ) المشهور بين الأصحاب، و الروايات الدالّة عليه مستفيضة، و لا إشكال فيه، و إن نقل عن السيّد أنّها العصر (2) و لكن مستنده في غاية الضعف.

و الوجه في تسميتها بذلك، كونها وسطى بين صلاتي النهار، و كون وقتها وسط النهار، و صرّح بذلك في عدّة من الروايات، فلا حاجة مع ذلك إلى ما تكلّفه في كتابه الكبير من كونها بين نافلتين متساويتين (3).

ثمّ إنّه نقل فيه أيضا في عداد أقوال العامّة عن بعض الزيديّة أنّها الجمعة في يومها، و الظهر في سائر الأيّام، و حكم على الجميع بكونه اعتبارا و استحسانا و تهجّسا لا يجوز أن يكون مستندا لحكم شرعي (4).

و هو خطأ، بل القول بذلك متعيّن، للتصريح بذلك في غير واحد من الروايات، مضافا إلى أنّ لازم كونها الظهر مطلقا أن لا يكون حيث يتعيّن صلاة الجمعة صلاة وسطى فيها، و هو بعيد جدّا.


1- البقرة: 238.
2- جواهر الكلام 7: 13.
3- جواهر الكلام 7: 13.
4- جواهر الكلام 7: 14.

ص: 346

و بالجملة، فالّذي يستفاد من تلك الروايات مع ما ورد في وجه الاهتمام بها أنّ الوسطى اسم لكلّ فريضة تصلّى وسط النهار، ظهرا كانت أو جمعة، و يساعده الاعتبار.

(و أمّا) الصلوات (المندوبة فهي) كثيرة، و قوله: (أكثر من أن تحصى) فيه مبالغة مردودة.

(منها: الرواتب اليوميّة الّتي هي) أهمّها و أفضلها، و هي في مجموع اليوم و الليلة (في غير يوم الجمعة) ضعف الفرائض، أي (أربع و ثلاثون ركعة) موزّعة على الأوقات:

(ثمان) بعد الزوال و (قبل) صلاة (الظهر، و ثمان قبل) صلاة (العصر) و بعد الظهر إلى دون الذراعين، على مختار الماتن، و يأتي تحقيقه قريبا، إن شاء اللّه (و أربع بعد) صلاة (المغرب) إلّا ليلة المزدلفة لمن كان فيها، فإنّها تؤخّر إلى بعد العشاء (و ركعتان) تصلّيان (من جلوس) متورّكا، أو متربّعا (بعد العشاء) و هما (تعدّان بركعة) في الفضل، أو عند عدّ ركعات النوافل، و هذه الصلاة (تسمّى بالوتيرة) لكونها بدلا عن الوتر لمن لم يفعلها، مع نقصانها عنه في الفضل، بل و في المقدار، بناء على كون الوتر اسما للركعات الثلاث كما ستعرف، إن شاء اللّه.

(و ركعتا الفجر) المسمّيتان بالدساستين و المشهورتين (و إحدى عشر) ركعة، مجموعها (صلاة الليل) أو خصوص (ثمان ركعات) منها هي صلاة الليل (ثمّ ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر) بل الثلاثة وتر، و الأخيرة تعرف بمفردة الوتر، على الاصطلاح الشائع في الأخبار، و في مفتاح الكرامة: إنّه تفوق أربعين خبرا. (1)

و الماتن في كتابه الكبير اعترف بكونه هو الشائع، و ذكر أنّ جملة الأخبار الدالّة على ذلك خمسون خبرا أو أكثر (2)، فكان عليه أن يعبّر به هنا.

و ما ذكره من عدد النوافل هو المشهور، بل المسلّم عند الأصحاب، و الروايات الدالّة على ذلك مستفيضة، و لا إشكال في ذلك، و ورد في بعض الروايات أقلّ من ذلك، و لكنّه


1- مفتاح الكرامة 5: 29.
2- جواهر الكلام 7: 61.

ص: 347

محمول على تأكّد الاستحباب، كما يشهد له التعبير في بعضها بأنّه الّذي يستحبّ أن لا يقصر عنه (1)، و يظهر من بعضها الرخصة في ترك الزائد لذوي الأعذار، كالرواية الّتي موردها التاجر الّذي يختلف و يتّجر (2).

نعم، ورد في غير واحد منها عدم صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله الوتيرة، و ورد الوجه في ذلك، و هو أنّ تشريعها لمّا كان لأجل أن يكون بدلا عن الوتر لو مات قبل أن يصلّيها، و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث كان يأتيه الوحي يعلم أنّه يموت أم لا، و غيره لا يعلم، و لأجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما (3).

هذا، و الوجه في ما ذكره من الجلوس في الوتيرة ظاهر، لوقوع التصريح به في أكثر النصوص.

و للسيّد الاستاذ- دام ظلّه- (4) حاشية في المقام، و هي قوله: «و يجوز فيهما القيام، بل هو الأفضل على الأقوى».

و الوجه في الجواز ما في رواية الحارث بن المغيرة من قول الصادق عليه السّلام: «و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان يصلّيهما أبي و هو قاعد، و أنا أصلّيهما و أنا قائم» (5).

و ما في رواية سليمان بن خالد من قوله عليه السّلام: «و ركعتان بعد العشاء الآخرة، يقرأ فيهما مائة آية قاعدا أو قائما، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين» (6).

و من الثانية يظهر وجه الأفضليّة المذكورة، بل و من الاولى أيضا، إذ لا ينافي ذلك مواظبة أبيه عليه السّلام على الجلوس فيهما، إذ الظاهر أنّه كان لمشقّة القيام عليه كما في خبر سدير


1- وسائل الشيعة 4: 59 الباب (14) من أبواب أعداد الفرائض ح 2.
2- وسائل الشيعة 4: 59 الباب (14) من أبواب أعداد الفرائض ح 1.
3- وسائل الشيعة 4: 97 الباب (30) من أبواب أعداد الفرائض ح 8.
4- هو العلّامة الفقيه السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدّس سرّه.
5- وسائل الشيعة 4: 48 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض ح 9.
6- وسائل الشيعة 4: 51 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض ح 16.

ص: 348

مذ قال لأبي جعفر عليه السّلام: «أ تصلّي النوافل و أنت قاعد؟ قال: «ما اصلّيها إلّا و أنا قاعد منذ حملت هذا اللحم، و بلغت هذا السنّ» (1)جواهر الكلام 7: 23.

(2).

و مع ذلك كلّه فلا ريب أنّ الجلوس فيهما أحوط، و إن كان القيام أفضل، كما ذكره- دام ظلّه- للاقتصار عليه في أكثر النصوص مع كونها في مقام البيان، و عدم خصوصيّة للوتيرة حينئذ، إذ جواز الجلوس في جميع النوافل ثابت لا ينازع فيه أحد سوى الحلّي (3)، فلا يبقى وجه صالح لتخصيص الوتيرة بهذا التقييد، على أنّ الرواية الثانية غير صريحة في كون الركعتين فيها هما الوتيرة، إذ من المحتمل استحباب غيرها بعد العشاء.

و قد ورد في صحيح آخر أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام كان يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية، و لا يحتسبهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بالتوحيد و الجحد. و لكن في آخره ما يشعر بكون الأولى هي الوتيرة، فليراجع (4).

ثمّ إنّ البحث عن أفضليّة بعض هذه النوافل على بعض ممّا لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة، إذ أكثرها ممّا لا يقع التزاحم بينها غالبا، مع صعوبة الجزم بالتفضيل فيها، لقصور الأدلّة، و اختلاف كلمات الأصحاب.

و قد قال الماتن في كتابه الكبير: «و الأولى ترك البحث عن ذلك، إذ النصوص في فضل كلّ منها وافية، و لكلّ خصوصيّة لا تدرك بغيرها» (5).

و يا حبّذا ما ذكره لو جرى على ذلك في هذا الكتاب، و لم يقل في الرسالة الموضوعة لأن يذكر فيها خصوص ما يحتاج إليه المقلّد في مقام العمل: (هي مع الشفع أفضل صلاة الليل).

و لعلّه خصّ ذلك بين النوافل بالذكر لوقوع المزاحمة بينها و بين صلاة الليل عند ضيق


1- وسائل الشيعة 5: 491 الباب
2- من أبواب القيام ح 1.
3- كتاب السرائر 1: 309 قال: و الأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية، لأنّها مخالفة لاصول المذهب، لأنّ الصلاة لا تجوز مع الاختيار جالسا إلّا ما خرج بالدليل و الإجماع، سواء كانت نافلة أو فريضة إلّا الوتيرة.
4- وسائل الشيعة 4: 253 الباب (44) من أبواب المواقيت ح 15.
5- جواهر الكلام 7: 23.

ص: 349

الوقت. و لكنّ النصّ قد دلّ على تقديم الوتر على صلاة الليل كذلك، و تقديم مفرداها على شفعها، و هو كاف في المقام، للأفضليّة كانت أو غيرها.

و هذا الاعتذار لا يجري في قوله: (و لكن ركعتا الفجر أفضل منهما) إلّا بتكلّف، على أنّه مخالف لما استجوده في كتابه الكبير من أفضليّة صلاة الليل من غيرها (1)، إلّا أن يكون مبنيّا على دخولهما في صلاة الليل.

و (يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر منها) بل إذا صلّاها مع ركعتي الفجر تكتب له صلاة الليل؛ كما في خبر معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام (2).

(بل على) مفردة (الوتر خاصّة) لقوله عليه السّلام: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة، إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ الوتر، لأنّه واحد».

و لكنّ الرواية عامية، رواها في العلل عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)، إلّا أن يجرى دليل التسامح، و فيه تسامح، و يظهر من صدرها كون الرواية مسوقة لبيان حكم آخر غير المقام، على أنّها مختصّة بخوف ضيق الوقت، فلا تدلّ على الإطلاق الّذي ذكره.

و لا يحضرني رواية سواها تدلّ على ما ادّعاه، فهو مشكل، إلّا أن يدّعى أنّ كلّا من الشفع و الوتر نافلة مستقلّة، و لكلّ منهما عنوان مستقلّ، و ليس لمجموعهما عنوان ثالث، أو أنّ المجموع أيضا عبادة اخرى، إذ لا مانع من تركّب عبادة من عبادتين، و هذا و إن كان ممكنا و لكن إثبات ذلك لا يخلو عن صعوبة.

و شيخنا الفقيه قدّس سرّه (4) حاول ذلك بما في رواية الأعمش، حيث قال فيها عند تعداد الركعات المسنونة: «و ثمان ركعات في السحر، و هي صلاة الليل، و الشفع ركعتان، و الوتر


1- جواهر الكلام 7: 24.
2- وسائل الشيعة 4: 258 الباب (46) من أبواب المواقيت ح 3.
3- وسائل الشيعة 4: 260 الباب (46) من أبواب المواقيت ح 11.
4- هو الفقيه المحقّق الحاج آقا رضا الهمدانى صاحب مصباح الفقيه.

ص: 350

ركعة» (1)، و بما في رواية الفضل بن شاذان، قال: فإنّ سوقهما يشهد بأنّ الأعداد المفصّلة كلّها نوافل مستقلّة. (2)

و الظاهر أنّه يريد بها المرويّة في العلل عن الفضل، عن الرضا عليه السّلام و فيها: «و ثمان ركعات في السحر، و الشفع و الوتر ثلاث ركعات، تسلّم بعد الركعتين و ركعتا الفجر» (3).

و في استفادة المقصود من هاتين الروايتين و ما ضارعهما نظر واضح، إذ لا وجه لها إلّا عدّ كلّ منها مستقلّا، و هذا لا يدلّ على الاستقلال، بل هكذا تعدّ أجزاء العبادة الواحدة.

ثمّ أيّد ذلك بما تقدّم من قيام الوتيرة مقام الوتر، مدّعيا أنّ الوتر الّذي تقوم الركعتان مقامه ليس إلّا الركعة الأخيرة، لا الثلاث ركعات، لأنّ الركعتين من جلوس لا تقومان مقام ثلاث ركعات [من قيام] (4)، انتهى.

و حكمه بعدم قيام الركعتين مقام الثلاث لم يظهر لي وجهه، و غاية ما ثبت من النصوص الدالّة على جواز الجلوس في النوافل و غيرها قيام الركعتين من جلوس مقام الواحدة، لا عدم قيامهما مقام الثلاثة كما في المقام.

على أنّ البدليّة في المقام قيام عبادة مقام عبادة اخرى في الفضل و نحوه، بخلاف غيره.

على أنّه لو سلّم جميع ذلك، فلا يلزم من كون الوتيرة بدلا عن مفرد الوتر كونها مستقلّة في الطلب، إذ من الممكن كون عمدة الفضل لها و الركعتان قبلها بمنزلة الشرط لصحّتها، لاعتبار وقوعها بعدهما.

و الماتن في كتابه الكبير زاد على ما ذكره هنا جواز الاقتصار على ما شاء من أبعاض صلاة الليل تبعا لصاحب المصابيح. و استدلّ على ذلك بالأصل، و تحقّق الفصل المقتضي للتعدّد، و عدم وجوب إكمال النافلة بالشروع، و أنّها شرّعت لتكميل الفرائض، فيكون


1- وسائل الشيعة 4: 57 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض ح 25.
2- مصباح الفقيه 9: 34.
3- وسائل الشيعة 4: 55 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض ح 23.
4- مصباح الفقيه 9: 34.

ص: 351

لكلّ بعض قسط منه، فيصحّ الإتيان به وحده، كما يجوز الإتيان بنافلة النهار دون الليل، و أنّ المنساق إلى الذهن عدم اشتراط الهيئة الاجتماعيّة في الصحّة (1).

و هذه الوجوه لا يخفى ضعفها للمتأمّل، فلا فائدة في إطالة الكلام بذكر ما يرد عليها.

و لقد أحسن شيخنا الفقيه قدّس سرّه البحث معه في ذلك، فليرجع إلى كتابه من شاء، و لكنّه منع الأصل حتّى البراءة، و لو قيل بجريانه حتّى في المستحبّات، و ذكر أنّه لا معنى لأصالة البراءة بعد إذ علم تعلّق الطلب بمجموع الثمان و شكّ في أنّ المجموع هل هو مطلوب واحد، فيكون المكلّف به ارتباطيّا؟ أو أنّه غير ارتباطي، فيكون الطلب المتعلّق به قائما مقام طلبات متعدّدة؟ بل الأصل في مثل المقام عدم تعلّق طلب نفسيّ بالأبعاض كي يصحّ إتيان كلّ بعض منها مستقلّا بقصد امتثال أمره. و لا يقاس ما نحن فيه بمسألة الشك في الجزئيّة، فإنّ التكليف بالجزء المشكوك في تلك المسألة غير محرز، فينفيه أصل البراءة، و أصالة عدم وجوب الجزء المشكوك، و أصالة عدم وجوب الأكثر، و لا يجري في جانب الأقلّ شي ء من هذه الأصول حتّى تتحقّق المعارضة، لأنّ وجوبه المردّد بين النفسي و الغيري محرز، فلا يجري فيه شي ء من الاصول سوى [عدم كونه واجبا نفسيّا، أي عدم كونه من حيث هو متعلّقا للطلب، و هو معارض ب] أصالة عدم كون الأكثر أيضا كذلك، فيتساقطان، و يرجع إلى الاصول المتقدّمة النافية لوجوب الأكثر السالمة عن المعارض. و أمّا في ما نحن فيه فلا يجري شي ء من الاصول المتقدّمة، لا في الأقلّ، و لا في الأكثر، لأنّ مطلوبيّة الجميع معلومة، إلّا أنّ كون الأقلّ مطلوبا نفسيّا غير معلوم، فينفيه الأصل، و لا يعارضه في المقام أصالة [عدم] كون الأكثر كذلك، لأنّ الطلب المعلوم تعلّقه بالأكثر نفسيّ بلا شبهة، و إنّما الشك في أنّ متعلّقه عبادة واحدة أو عبادات متعدّدة حتّى تكون أبعاضه أيضا واجبات نفسيّة (2)، انتهى مع اختصار، بحذف ما لا يضرّ إسقاطه.

لكن ما ذكره قدّس سرّه إنّما يتم في ما لو علم تعلّق أمر واحد نفسيّ بمجموع الثمان بحيث يكون المجموع عنوانا واحدا، و كلّ ركعتين منه أجزاء له، فإنّ تعلّق الأمر الواحد النفسي بالمجموع


1- جواهر الكلام 7: 29.
2- مصباح الفقيه 9: 38- 37.

ص: 352

حينئذ معلوم، و تعلّق أمر آخر نفسيّ بأجزائه غير معلوم، فينفى بالأصل كما ذكره.

و الفرق بين المقام و مسألة الأقلّ و الأكثر ظاهر بما أفاده.

و أمّا إذا لم يعلم ذلك، بل علم إجمالا بتعلّق أمر بالثمان، و شكّ في كونه على نحو العامّ المجموعي أو الأفرادي، و فرض عدم إمكان تعيين ذلك بالقواعد اللفظيّة، فالظاهر كونه من موارد مسألة الأقلّ و الأكثر، و جريان البراءة فيه، لأنّ الأمر المردّد بين النفسيّ و الغيري ثابت لكلّ ركعتين منه، و اشتراط امتثاله بضمّ بقيّة الركعات إليه مشكوك، فيدفع بالأصل.

و بمثل هذا التقريب تقرّر بقيّة الاصول الّتي يتمسّك بها هناك، و يجاب عن الإشكالات الّتي تورد عليها بعين ما يجاب عنها هناك.

و لا يضرّ بما نحن فيه معلوميّة الأمر بباقي الركعات كما يظهر من كلامه، لأنّ المناط مشكوكيّة كونه مأمورا به بعين الأمر المتعلّق بالجزء، و هو حاصل في المقام، و كونه معلوما و لو بامر آخر لا يضرّ بالمقصود، كما في كثير من الموارد المسلّمة لتلك القاعدة، كما لو شك في اشتراط الصلاة بالسورة، و الحجّ بالاختتان، مع أنّ استحباب السورة و وجوب الاختتان نفسا معلومان، و كون الأمر المتعلّق بالمجموع واحدا في اللفظ لا ينافي تعدّد الأوامر بعد انحلاله إلى أوامر عديدة لو كان على نحو الأفرادي.

فتأمّل في ما ذكرناه و ذكره قدّس سرّه فإنّه دقيق نافع في كثير من المقامات.

و لعلّه يجعل المقام من الصورة الاولى، و يرى مفروغيّة كون المجموع مأمورا به بأمر واحد شخصي، و الشك في تعلّق أمر آخر بالأبعاض، و حينئذ فلا إشكال في ما ذكره كما عرفت، و لكن هذا الحمل بعيد من كلامه، بل أوّل كلامه يكاد أن يكون صريحا في خلافه، مضافا إلى أنّ المقام من قبيل الصورة الثانية كما لا يخفى.

ثمّ إنّه جعل العمدة في إثبات الجواز، النصوص الدالّة على جواز الاقتصار على البعض في نافلة العصر، و هي لا إطلاق لها، فيختصّ بموردها؛ و بمغروسيّة محبوبية طبيعة الصلاة في النفس، و كون كلّ فرد منها عبادة مستقلّة، و كون الحكمة المقتضية لتشريعها مناسبة لتعلّق الطلب بذواتها، و نحو ذلك ممّا هو مشارك في الضعف لما أورده الماتن، و لا يمكن الاستناد إليها في الأحكام الشرعيّة.

ص: 353

فالأحوط- إن لم يكن أقوى- الاقتصار على ما دلّ النصّ على جواز الاقتصار عليه.

نعم، لا إشكال في استقلال مجموع كلّ نافلة، و عدم توقّف صحّة نافلة العصر مثلا على ضمّ نافلة الظهر أو المغرب إليها.

(و لها آداب كثيرة) و أدعية مأثورة (مذكورة في محالّها) من كتب العبادات.

(و على كلّ حال فقد ظهر لك أنّ النوافل مع الفرائض للحاضر) في غير يوم الجمعة (إحدى و خمسون ركعة) ثلثها فرائض، و ثلثاها نوافل.

(و تسقط عمّن فرضه القصر) نوافل الفرائض المقصورة، فتسقط (ثمانية الظهر و ثمانية العصر) بلا إشكال و لا خلاف، و النصوص الكثيرة دالّة عليه، و في بعضها التعليل بأنّه «لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة»، و لكن يظهر من غير واحد من الأخبار تخصيص ذلك بمن سافر قبل الوقت، و ثبوتها لمن سافر بعده، و لا بأس بالعمل بها، و يظهر من بعضها استحباب قضائها في الليل، و يظهر من بعضها عدم استحباب ذلك، و الشيخ في التهذيب حملها على محلّ بعيد. (1)

و الظاهر أنّ هذا الاختلاف نشأ من اختلاف السائلين عنهم، و إرادتهم عليهم السّلام الإرفاق ببعضهم.

قال معاوية بن عمّار: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال:

«نعم»، فقال له إسماعيل بن جابر: أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال: «لا»، فقال:

إنّك قلت: نعم، فقال: «إنّ ذلك يطيق و أنت لا تطيق» (2).

(و) كذا (الوتيرة على) المشهور، و هو (الأقوى) عند الماتن، و الوجه في ذلك إطلاق عدّة من الأخبار، و التعليل المستفاد من قوله عليه السّلام: «لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» و كونها نافلة لصلاة مقصورة فتسقط، و الإجماع المنقول.


1- تهذيب الأحكام 2: 17.
2- وسائل الشيعة 4: 84 الباب (22) من أبواب أعداد الفرائض ح 1.

ص: 354

و ذهب الشيخ رحمه اللّه و جماعة منهم الشهيد في الذكرى إلى عدم السقوط (1) لما رواه الشيخ رحمه اللّه و الصدوق عن الفضل بن شاذان- مع اختلاف يسير في اللفظ- عن الرضا عليه السّلام قال: «إنّما صارت العشاء مقصورة ليس نترك ركعتيها، لأنّهما زيادة في الخمسين تطوعا ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع» (2).

و التوقّف في سندها لاشتماله على ابن عبدوس (3) و القتيبي (4) غفلة عمّا ثبت في فنّ الحديث من عدم احتياج المشايخ إلى التوثيق، مضافا إلى أنّ لهذين الشيخين مدائح جليلة لا تقصر عن التوثيق، مذكورة في محلّها، و قد صحّح العلماء كالعلّامة و غيره أخبارا كثيرة مشتملة أسانيدها عليهما (5).

و قد رواها الصدوق في العيون بسند آخر، و هو: عن الحاكم جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبي عبد اللّه محمّد بن شاذان، عن الفضل (6).

و أمّا دلالتها: فهي صريحة، فبها تقيّد تلك الإطلاقات- لو سلّمت دلالتها- و التعليل المتقدّم أيضا، على أنّ هذا التعليل مختصّ بنافلة الفريضة المقصورة، و مثبت للملازمة بين قصر الفريضة و سقوط نافلتها، و الروايات الكثيرة و منها رواية الفضل هذه دلّت على عدم كون الوتيرة نافلة للعشاء، فهذه الرواية حاكمة عليه، بل التعليل المتقدّم أجنبيّ عن المقام، لا سيّما لو كان لفظ الرواية كما نقله الماتن في كتابه هكذا: «لو صلحت النافلة بالنهار تمّت الفريضة» (7). و لكنّ الظاهر أنّه سهو من الماتن، بل لفظ النهار موجود في السؤال، فأدرجه في الجواب، فليراجع.


1- ذكرى الشيعة 2: 298.
2- وسائل الشيعة 4: 95 الباب (29) من أبواب أعداد الفرائض ح 3.
3- و هو عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس.
4- هو على بن محمّد بن قتيبة.
5- راجع: منتهى المقال 5: 69 و 4: 275.
6- عيون اخبار الرضا عليه السّلام 2: 199 باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان.
7- جواهر الكلام 7: 44.

ص: 355

و أمّا الاستدلال بكونها نافلة مقصورة فتسقط، فهو ممنوع صغرى و كبرى:

أمّا الصغرى: فلما عرفت من عدم كونها نافلة للعشاء، بل هي صلاة مشروعة لإكمال عدد الضعف للنوافل، و كونها بدلا عن الوتر إن لم يتمكّن المكلّف منه.

و لا يحضرني إلّا رواية تدلّ صريحا على كونها نافلة للعشاء، و إضافتها إلى العشاء لكون وقتها بعد العشاء و نحوه، لا لكونها نافلة لها، كما يشهد له رواية الفضل هذه و أخبار كثيرة.

و أمّا منع الكبرى: فلأنّ الظاهر من الروايات أنّ سقوط النوافل في السفر لأحد أمرين:

إمّا لعدم صلاحيّة نهار السفر للنافلة، و لهذا استحبّ قضاؤها كما عرفت.

أو كونها نهاريّة، و نافلة لصلاة مقصورة.

و على الأوّل يكون عدم سقوط نافلة الصبح إمّا للدليل، أو لكونها من صلاة الليل، كما يستفاد من غير واحد من الأخبار. و على الثاني يكون خروجها على الأصل.

و على التقديرين تخرج نافلة العشاء، لأنّ المسلّم سقوط نافلة النهار على الأوّل، و نافلة المقصورة النهاريّة على الثاني، و الوتيرة خارجة منهما.

و لعلّ الثاني هو الظاهر من رواية الفضل عن الرضا عليه السّلام قال: «و إنّما ترك تطوّع النهار، و لم يترك تطوّع الليل، لأنّ كلّ صلاة لا يقصر فيها، لا يقصر في ما بعدها من التطوّع» (1). فإنّ الجمع بين أوّل الرواية و آخرها يقتضي ما ذكرناه، فليتأمّل.

على أنّه لو فرض قيام دليل معتبر على كون الوتيرة نافلة للعشاء فلا إشكال في لزوم تقييده بهذه الرواية.

و أمّا الإجماع المنقول فحاله معلوم، خصوصا مع معارضته بما نقله في الخلاف من الإجماع على عدم السقوط (2)، و بما عن الأمالي من أنّ من دين الإماميّة أنّه لا يسقط شي ء من نوافل الليل (3).


1- وسائل الشيعة 4: 87 الباب (24) من أبواب أعداد الفرائض ح 5.
2- الخلاف 1: 586.
3- أمالي الصدوق: المجلس 93.

ص: 356

فالقول بعدم السقوط متعيّن، لا سيّما مع ملاحظة الأخبار الواردة في الحثّ على الوتيرة، فإنّه لا يخفى على الفقيه المتأمّل فيها أنّ سياقها يأبى التخصيص.

و لذا قد أحسن الشيخ الأستاذ (1)- دام ظلّه- في حاشية المقام حيث قال: «في أقوائيّته إشكال، و الأولى الإتيان بها رجاء».

هذا، و قد استدلّ على عدم سقوط الوتيرة برواية رجاء بن أبي الضحّاك المرويّة في العيون، فإنّ فيها أنّ الرضا عليه السّلام كان يصلّي الوتيرة في السفر.

و لكنّ النسخ الّتي اطّلعنا عليها من العيون، خالية من ذلك، و لعلّ المستدل اطّلع على نسخة تشتمل على ذلك.

و قد وقع هنا غلط لبعض أهل العصر لا بدّ من التنبيه عليه، لكي لا يتبعه أحد على خطأه، و هو أنّه سمع نقل التوقّف عن صاحب المدارك و غيره في سند خبر الفضل لاشتماله على ابن عبدوس و القتيبي (2)، و رأى استدلالهم بخبر ابن أبي الضحّاك، فنسب إلى صاحب المدارك ضعف خبر ابن أبي الضحّاك، لاشتمال سنده على ابن عبدوس و القتيبي.

و هذا غلط ظاهر، إذا الخبر المشتمل سنده عليهما خبر الفضل، و خبر ابن أبي الضحّاك لم ينقله صاحب المدارك أصلا، و لا يشتمل سنده عليهما، بل نقله الصدوق عن تميم بن عبد اللّه، عن أبيه، عن أحمد بن عبد اللّه الأنصاري، عنه (3).

هذا، و لازم عبارة المتن عدم سقوط النافلة عن المخيّر بين القصر و التمام و إن اختار القصر، و كذلك عن المسافر الّذي فرضه التمام، و هذا أحد الأقوال، و المسألة غير خالية عن الإشكال.

و الماتن في كتابه الكبير بعد ما ذكر أنّ ظاهر المحقّق كغيره سقوط النوافل المزبورة حتّى في الأماكن الأربعة قال: «و فيه نظر إذا اختار المكلّف إيقاع فرائضه على وجه التمام الّذي هو


1- هو العلّامة المولى محمد كاظم الخراسانى صاحب الكفاية.
2- مدارك الأحكام 3: 27.
3- وسائل الشيعة 4: 55 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض ح 24.

ص: 357

مستلزم لصلاحيّة الإتيان بالنافلة». و لم يذكر وجها، لهذا الاستلزام. ثمّ تجاوز عن ذلك، و قال: «بل لعلّ من التمام صحّة فعلها». و لم يذكر لهذه الدعوى وجها.

و بعد ما نقل تصريح جماعة بعدم السقوط، و نقل تصريح الحلّي بعدم الفرق بين أن يتمّ الفريضة أم لا، و لا بين أن يصلّي الفريضة خارجا عنها و النافلة فيها، أو يصلّيهما معا فيها قال: «و لعلّه لما أشرنا إليه من تبعيّتها لصلاحيّة الإتمام في الفريضة لا لوقوعه منه، كما يؤمي إليه خبر الحنّاط» (1)، انتهى.

و قوله عليه السّلام في خبر الحنّاط: «لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» (2) أجنبيّ عن المقام، إذ الملازمة المستفادة منه لو تمّت فإنّما هي بين صلاحيّة النافلة و التمام، و المطلوب في المقام إثبات عكس ذلك، و هو الملازمة بين التمام و صلاحيّة النافلة.

و كان الأولى له التمسّك بخبر الفضل الآتي قريبا، و لعلّه ترك الاستدلال به لطعنه قريبا في سنده، و ان استدلّ به في مواضع اخر.

ثمّ أقول: «ما هكذا تورد يا سعد الإبل» (3)، بل المتعيّن في المقام ملاحظة الأدلّة الدالّة على سقوط النوافل في السفر، و هي على قسمين:

منها: ما كان من قبيل قوله عليه السّلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء» (4) و نحو ذلك، ممّا ذكر فيه سقوطها قبل الصلاة المقصورة و بعدها بالخصوص.

و منها: غير ذلك، كرواية صفوان بن يحيى، قال: سألت الرضا عليه السّلام عن التطوّع بالنهار و أنا في السفر، فقال: «لا» (5) و نحوها.

و القسم الثاني يشتمل صورتي إتمام الفريضة و قصرها، و عمومات وجوب القصر


1- جواهر الكلام 7: 50.
2- وسائل الشيعة 4: 82 الباب (21) من أبواب أعداد الفرائض ح 4.
3- أي ما هكذا يكون القيام بالأمور، و المثل لمالك بن زياد مناة ابن تميم، رأى أخاه سعدا أورد الإبل و لم يحسن القيام عليها، فقال ذلك. المنجد في اللغة و الأعلام (فرائد الأدب): 1012.
4- وسائل الشيعة 4: 81 الباب (21) من أبواب أعداد الفرائض ح 2.
5- وسائل الشيعة 4: 82 الباب (21) من أبواب أعداد الفرائض ح 5.

ص: 358

للمسافر إذا تخصّصت في مورد لا يستلزم تخصيص أدلّة سقوط النافلة في ذلك المورد.

و منع شمول هذا القسم لمثل المقام لدعوى الانصراف لا يصغى إلى مدّعيه.

و أمّا القسم الأوّل: فيمكن منع شمولها للمقام، لأنّه لم يذكر فيه سقوط النافلة مطلقا، بل نفى النافلة قبل الركعتين و بعدها، فتبقى القضيّة مهملة بالنسبة إلى الصلاة الّتي تصلّى أربعا.

و بعبارة اخرى: أخبار هذا القسم دلّت على سقوط النوافل في السفر الّذي يقصر فيه، لا مطلقا، فتبقى أدلّة ثبوتها سالمة عن المقيّد، إلّا أن يقال: إنّ تلك الأخبار اشتملت على حكمين مستقلّين، و القيد وارد مورد الغالب؛ و فيه تأمّل، بل منع.

فعلى هذا فأخبار هذا القسم- و هي الأكثر- لا يشمل المقام إلّا على وجه عرفت منعه.

نعم، لشموله خصوص ما إذا اختار القصر وجه ليس بالبعيد، و لكنّ القسم الثاني يشمل المقام، و مقتضاه سقوط النافلة مطلقا، و فيه الكفاية.

فالأظهر سقوطها خصوصا إذا اختار القصر، فإنّ أخبار القسم الأوّل يشمله على وجه عرفته.

نعم، يمكن الاستدلال على عدم السقوط في خصوص ما إذا اختار التمام- بل مطلقا- بما في العلل الّتي رواها الفضل عن الرضا عليه السّلام من قوله: «و إنّما ترك تطوّع النهار و لم يترك تطوّع الليل، لأنّ كلّ صلاة لا يقصر فيها لا يقصر في ما بعدها من التطوّع» (1).

و ذلك لأنّ المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر في ما بعدها من التطوّع، و كذلك الغداة لا تقصر فيها فلا تقصر في ما قبلها؛ و لكن في دلالتها على ما نحن فيه تأمّل.

و أمّا ثبوت النافلة في السفر الّذي يتعيّن فيه التمام فقد جزم الماتن في كتابه أيضا بعدم السقوط (2)، لتلك الملازمة الّتي عرفت حالها.

و الأولى فيه التفصيل بين ما يظهر من الدليل عدم كونه سفرا في نظر الشارع، كما في


1- وسائل الشيعة 4: 87 الباب (24) من أبواب أعداد الفرائض ح 5.
2- جواهر الكلام 7: 50- 51.

ص: 359

الملّاح و الأعراب، حيث ورد فيهم: «إنّ بيوتهم معهم» (1) فيقال بعدم السقوط، و بين ما ليس كذلك كالمسافر اللّاهي بصيده، فيقال بالسقوط، لأنّ غاية ما ورد تعليل الإتمام فيه بعدم كونه مسير حقّ، فيظهر منه أنّ موضوع الإتمام ليس مطلق السفر، بل السفر بحقّ، و ذلك لا يستلزم تخصيص موضوع سقوط النافلة بذلك.

و أمّا لو وجب عليه القصر للخوف فقدم جزم الماتن أيضا في كتابه بسقوط النافلة (2) لما تقدّم، و لا يخفى أنّ خبر الحنّاط المتقدّم لو دلّ على مرام الماتن من تبعيّة النافلة لصلاحيّة الإتمام فإنّما يدل على ما كان القصر للسفر لا لسبب آخر كما هو ظاهر.

و قد سبق الماتن في ذلك الشهيد رحمه اللّه في الروض و قال بعد نقل الخبر المتقدّم: «و فيه إيماء إلى سقوطها بالخوف الموجب للقصر أيضا» (3) و لا يحضرني الآن وجه لذلك، و لا لترديد الشهيد رحمه اللّه في الدروس فيه (4)، و لا لجزم الفاضل في الإرشاد به (5).

نعم لو فرض بقاء الخوف حال النفل فللسقوط وجه، و لكن لا لخبر الحنّاط و نحوه، فليتأمّل.

هذا، و من الظريف جدّا الفرض الّذي زاده بعض المحشّين على الفروض المذكورة في المقام (6)، و هو فرض وقوع الفرض و النافلة معا خارج المواطن الأربعة، فلينظر ما ذا ربطه بالمقام؟

(و أمّا يوم الجمعة فيزاد على الستّة عشر) نوافل الظهرين على المشهور، خلافا للمنقول عن الصدوقين، فلم يفرّقا بينها و بين سائر الأيّام (7)، و اختلف الأوّلون في مقدار


1- وسائل الشيعة 8: 486 الباب (11) من أبواب صلاة المسافر ح 5.
2- جواهر الكلام 7: 51.
3- روض الجنان 2: 477.
4- الدروس الشرعية 1: 137 و في السفر و الخوف تتنصّف الرباعيّات، و تسقط نوافلها سفرا، و في الخوف نظر.
5- قال في الإرشاد: و تسقط نوافل الظهرين و الوتيرة في السفر. و زاد الشهيد الثاني في حاشية الإرشاد بعد قوله في السفر: و الخوف.- غاية المراد و حاشية الإرشاد 1: 95.
6- في المقام سقط، يراجع و يصحّح، إن شاء اللّه، مصنّفه كان اللّه له.
7- مختلف الشيعة 2: 261.

ص: 360

الزيادة، و المشهور أنّها (أربع ركعات) خلافا للإسكافي فجعلها ستّا، و يأتي الكلام في ذلك في محلّه، إن شاء اللّه.

(و يأتي التعرّض لغيرها) أي غير الرواتب إن شاء اللّه، و الظاهر أنّه تعالى لم يشأ ذلك، إذ لم نجد لها ذكرا في جميع النسخ الّتي بأيدينا. نعم، ذكر هنا صلاتي الغفيلة و الوصيّة بقوله:

(و الأقوى ثبوت الغفيلة، و هي ركعتان) وقتهما (بين العشاءين، يستحبّ قراءة) قوله تعالى: (وَ ذَا النُّونِ- إلى قوله- وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بعد الحمد في اولاهما و) قوله تعالى: (وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ) إلى آخر الآية (بعده أيضا في ثانيتهما) و إذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال: «اللّهمّ إنّى أسألك بمفاتح الغيب الّتي لا يعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بى كذا و كذا» و يقول: «اللّهمّ أنت وليّ نعمتي، و القادر على طلبتي، تعلم حاجتي، أسألك بمحمّد و آله عليهم السّلام لمّا قضيتها لى».

و ما ذكره الماتن و ذكرناه مذكور جميعه في رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و في أوّلها: «من صلّى بين العشاءين ركعتين» و في آخرها- بعد ذكر ما عرفت-: «و سأل اللّه حاجته أعطاه اللّه ما سأل» (1).

و لا يظهر منها كون ما تضمّنته هي صلاة الغفيلة، بل لعلّ الظاهر منها كونها من أقسام صلاة الحاجة، و لهذا جعلها في الذكرى مغايرا لها (2)، و لكن روى هذه الرواية بعينها في فلاح السائل عن هشام بن سالم أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مع زيادة في آخرها و هي قوله عليه السّلام: «فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: لا تتركوا ركعتي الغفيلة، و هما بين العشاءين» (3). و هذه الزيادة تجعلها صريحة في الاتّحاد.

و الأمر سهل، و إنّما المهمّ بيان أنّ ما تضمّنته هذه الرواية و غيرها من الروايات الكثيرة الآمرة بصلوات بين العشاءين هل المراد منها نافلة المغرب، و تلك الأخبار واردة في الحثّ عليها؟ أو أنّها صلوات غيرها، فللمصلّي أن يجمع بين ما شاء منها؟ فنقول:


1- وسائل الشيعة 8: 121 الباب (20) من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ح 2.
2- ذكرى الشيعة 2: 313.
3- فلاح السائل: 431.

ص: 361

إنّ تلك الروايات على قسمين:

قسم منها لا يشتمل على كيفيّة مخصوصة، بل يتضمّن الأمر بالنفل في ساعة الغفلة، كموثّقة سماعة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السّلام قال عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: تنفّلوا [في] ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين، فإنّهما تورثان دار الكرامة» (1).

و قسم يشتمل على تلك من قراءة آية أو دعاء، كالرواية السابقة.

أمّا القسم الأوّل: فلا ينبغي الإشكال في تعيّن حملها على النوافل، إذ ليس مفادّها إلّا كراهة الغفلة في تلك الساعة، أو استحباب الصلاة فيها، بل مطلق الذكر، كما يظهر ممّا رواه في الفقيه عن الباقر عليه السّلام (2)، فهي مؤكّدات لفعل النافلة، و لا يثبت بها الأمر بصلاة اخرى- كما في سائر الموارد- بل مقتضى إطلاقها الاكتفاء بالنافلة، و احتمال لزوم إتيان فرد آخر تقييد منفيّ بالإطلاق.

و لا ينافي ما ذكر ما تضمّنته الرواية السابقة من الاكتفاء بالركعتين، إذ نافلة المغرب كما عرفت سابقا يجوز الاكتفاء بركعتين منها، بل الإضراب في تلك الرواية مؤيّد لكون المراد منها نافلة المغرب، و مبعّد لكون المراد منها الغفيلة، إذ هي على القول بها ركعتان فقط، فلا موقع للإضراب، فتأمّل.

و لا ينافيه أيضا اختلاف مصلحة الأمرين، إذ الظاهر من أخبار النافلة أنّ المصلحة فيها إتمام نقصان الفرائض، و الظاهر من هذه الأخبار أنّ المصلحة فيها كون وقتها ساعة الغفلة، و ساعة بثّ الشيطان جنوده جنود الليل، إذ الاختلاف في ذلك لا يوجب تعدّد العنوان، بل يوجب تأكّد الاستحباب. و قد ورد مثل ذلك في غيرها من النوافل، كموافقة أربع ركعات من الزوال لصلاة الأوّابين (3) و نحو ذلك.

و أمّا القسم الثاني: فكذلك الحال فيها بعد التأمّل، إذ ورود أدعية خاصّة أو آداب


1- وسائل الشيعة 8: 120 الباب (20) من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ح 1.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 502- 501 ح 1442.
3- وسائل الشيعة 4: 94 الباب (28) من أبواب أعداد الفرائض ح 4.

ص: 362

كذلك للنوافل بل الواجبات غير عزيز، و نظائره كثيرة جدّا، خصوصا على ما سمعت من الماتن من كون ذلك مستحبّا فيها، لا شروطا لها.

و بالجملة، فلعلّ المسألة محتاجة إلى تنقيح كامل، و لا يسعه المجال، و لو لا شبهة حرمة التطوّع في وقت الفريضة لكان الاحتياط لمن أراد ذلك في الإتيان بها مستقلّا.

بل و لعلّ دليل التسامح كان يثبت استحبابها- كما قيل- و إن كان فيه مسامحة لا يخفى وجهها، و لكن مراعات حرمة التطوّع يوجب كون الاحتياط في تركها، أو فعلها بحيث لا يوجب التطوّع الزائد على النافلة المعلومة خروجها، و لهذا قال الشيخ قدّس سرّه (1) في الحاشية:

«فيه إشكال، إلّا أن يجعلهما من نافلة المغرب» و على هذه الحاشية إشكال لبعض مشايخنا، و هو: «إنّ الغفيلة بناء على ثبوتها تكون صلاة مستقلّة، و لها عنوان مستقلّ مباين للنافلة، فلا يحصل العنوان بفرد واحد».

و هذا الإشكال ضعيف جدّا، بناء على ما ثبت في محلّه من حصول امتثال أوامر متعدّدة بفرد واحد إذا كان مصداقا للجميع، ما لم يكن أحدهما مشروطا بما ينافي الآخر. بل عرفت قبيل هذا أنّ ذلك لازم إطلاق الدليل.

نعم، هاهنا إشكال آخر، و هو أنّ المراد بجعلهما من نافلة المغرب إن كان مجرّد قراءة الآيتين و الدعاء المأثور فيهما فلا إشكال في الجواز و صحّة نافلة المغرب، لأنّ نافلة المغرب غير مشروط بعدم ذلك، و لكن لا يحصل المطلوب في المقام، و هو امتثال صلاة الغفيلة على تقدير ثبوت الأمر بها مستقلّا، لعدم قصدها حينئذ.

و إن كان المراد جعلهما منها بقصدهما معا فلا إشكال في حصول الامتثال لكلا الأمرين على تقدير ثبوت الغفيلة، لما عرفت من ضعف الإشكال السابق، و لكن يبقى احتمال حرمة التطوّع على حاله، إذ الفرد الواحد حينئذ يكون مصداقا لمخصّص آخر للتطوّع لم يثبت خروجه من عمومات حرمة التطوّع.

و بعبارة اخرى: الفرد الواحد مصداقا للغفيلة بقصدها، و حينئذ فإن كانت ثابتة بحسب


1- هو الفقيه المحقّق العلّامة الشيخ مرتضى الأنصاري قدّس سرّه.

ص: 363

الواقع، و خارجة من حرمة التطوّع، يحصل امتثال الأمرين معا، و إن لم تكن الغفيلة مأمورة بها تكون حينئذ مصداقا لفرد آخر من التطوّع غير خارج من عمومات الحرمة، فيجتمع في المقام الأمر و النهي، فيغلب جانب النهى، أو يبنى الصحّة و الفساد على مسألة جواز الاجتماع، و يبقى احتمال الحرمة على حاله.

و بالجملة، فالمطلوب بالاحتياط في المقام هو القطع بامتثال أمر الغفيلة على ما في الواقع، مع الأمن من حرمة التطوّع، و هذا غير حاصل بما ذكره قدّس سرّه لما عرفت.

و الجواب عن هذا الإشكال لا يخلو عن صعوبة، و لم أجد أحدا تنبّه له، فضلا عن الجواب عنه.

نعم، للسيّد قدّس سرّه (1) حاشية في المقام لعلّ الوجه فيها ما ذكرناه من الإشكال.

قال قدّس سرّه: «و الأولى أن يأتي بالركعتين من نافلة المغرب بهذه الصورة، و بركعتين منها بالصورة الّتي تأتي في صلاة الوصيّة، من غير تعرّض لكونها غفيلة أو وصيّة، بل يقصد بها نافلة المغرب، و يحتمل أن يكون مراده رحمه اللّه ذلك أيضا و إن لم يساعده ظاهر العبارة».

فإنّ اعتباره قصد نافلة المغرب، و عدم قصد الصلاتين لا وجه له إلّا ما ذكرناه، فيظهر منه أنّه حمل كلام الشيخ على المعنى الأوّل من المعنيين المتقدّمين، و على هذا يرتفع احتمال حرمة التطوّع، و يبقى الإشكال الأوّل و هو عدم حصول امتثال الغفيلة على تقدير ثبوت الأمر بها مستقلّا.

و لا يترتّب على ذلك حينئذ فائدة سوى حصول الخواصّ الذاتيّة إن كانت، و هو غير مهمّ في المقام، على أنّ حصولها أيضا غير معلوم، إذ لعلّها مشروطة بكونها في ضمن الغفيلة لا مطلق الصلاة، و لعلّ لذلك ضرب على هذه الحاشية في كثير من النسخ.

و أخبرني بعض الأعاظم من أصحابه من أنّه رحمه اللّه كتب هذه الحاشية قبل أن يظفر بحاشية الشيخ، و بعد ذلك أمر بمحوها؛ و لكن هذا النقل لا يكاد يصحّ مع ملاحظة آخر العبارة، و احتماله أن يكون ما أفاده مراد الشيخ قدّس سرّه.


1- هو العلّامة المجدّد السيّد محمد حسن الحسيني الشيرازي قدّس سرّه.

ص: 364

و يمكن أن يكون مراد الشيخ من جعلهما من نافلة المغرب أن يقصد أمر نافلة المغرب، و يقصد ما هو المراد من الأمر بالغفيلة إجمالا من غير تعيين لكونها صلاة مستقلّة أم لا، فيحصل الامتثال على جميع التقادير، و يرتفع احتمال التطوّع من أصله.

و لكن فيه تكلّف، على أنّه لا يلزم على هذا التقدير قصد نافلة المغرب أصلا؛ لأنّه على تقدير كون الغفيلة مستقلّة في الطلب يحصل امتثاله من غير توقّف على نافلة المغرب، و على التقدير الآخر ينطبق ما قصده عليها قهرا.

و الأولى إبقاء كلام الشيخ على ظاهره من كون المراد قصد الصلاتين معا.

و حسم الإشكال من أصله بأن يقال: و على حاشية الشيخ حاشية للشيخ الأستاذ- دام ظلّه- و هي قوله: «أو يأتي بهما رجاء، و كذا الحال في صلاة الوصيّة».

و الوجه فيها ظاهر، بناء على ما يذهب إليه من جواز التطوّع في وقت الفريضة كذلك كما ستعرف.

و حاشية اخرى لشيخنا الفقيه قدّس سرّه و هي قوله: «لا ينبغى الإشكال في شرعيّتها، و لو جمع بينها و بين النافلة أخّرها عن النافلة، و لو قدّمها احتسبها منها».

فإن كان مراده بالمشروعيّة ثبوتها في الجملة و لو بكون المراد منها نافلة المغرب فهو كذلك، إذ الأخبار الدالّة عليها لا كلام فيها من حيث السند، لتظافرها، بل الإشكال في دلالتها، و الشيخ قدّس سرّه لا ينكره.

و إن كان مراده من المشروعيّة ثبوت صلاة اخرى غير النافلة، فلا أدري كيف صحّ له ذلك مع أنّه قد اعترف في كتابه بوجود هذا الاحتمال، بل صرّح بأنّ الأحوط، بل الأقوى- بناء على حرمة التطوّع- عدم الجمع بين النافلتين. و لا بأس بنقل عبارته بعينها، قال رحمه اللّه:

هذا إن لم نقل بالمنع عن التطوّع في وقت الفريضة و لو بالنسبة إلى صلاة العشاء قبل وقت فضيلتها، و إلّا فلا يخلو القول بجواز الإتيان بأزيد من أربع ركعات بين العشاءين عن إشكال، لاحتمال أن تكون صلاة الغفيلة بالذات هي نافلة المغرب مشتملة على خصوصيّة موجبة لزيادة فضلها، فإنّه لا يستفاد من مثل قوله عليه السّلام: «من صلّى بين العشاءين ركعتين أو

ص: 365

أربع ركعات بكيفيّة خاصّة فله كذا و كذا من الأجر» إرادة نافلة اخرى غير المغرب، و إن كان مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بالصلاة بهذه الكيفيّة بعد نافلة المغرب أيضا، لكن تقييده بمن لم يصلّ نافلة المغرب- كما لعلّه المنساق إلى الذهن من مورده- ليس بأبعد من تخصيص «لا تطوّع في وقت الفريضة» بالنسبة إليها، بل مقتضى أصالة عدم التخصيص في «لا تطوّع في وقت الفريضة» حمل مثل هذه الرواية على إرادة الإتيان بنافلة المغرب بهذه الكيفيّة.

فالأحوط، بل الأقوى- بناء على المنع عن التطوّع في وقت الفريضة- عدم الجمع بين النافلتين، و الأولى الإتيان بالركعتين بقصد امتثال كلا الأمرين (1)، انتهى.

و الوجه في ما ذكره في تأخيرها عن النافلة أو احتسابها منها مع التقديم: ما ذكره في كتابه أيضا من أنّ:

مقتضى إطلاق الأمر بالصلاة بهذه الكيفيّة استحباب فعلها مطلقا و لو بعد نافلة المغرب، لكن لو قدّمها احتسبها من نافلة المغرب، إذ لم يعتبر في نافلة المغرب خلوّها عن الآيتين، كما لو قال المولى: «أعط زيدا درهما أيّ درهم يكون» و قال: «أعط زيدا درهما خاصّا» فلو أعطاه أوّلا هذا الدرهم الخاصّ سقط الأمران، و لو أعطاه درهما آخر سقط الأمر الأوّل، و عليه إعطاء هذا الدرهم؛ خروجا عن عهدة الأمر الثاني. و قد عرفت أنّ كون ما نحن فيه تعبّديّا لا يصلح فارقا بعد ما أشرنا إليه من أنّ الأوامر التعبّديّة [أيضا] كالتوصّليّة تسقط قهرا بحصول متعلّقاتها بداعي التقرّب، كما لو أتى بها طلبا لمرضات اللّه، أو بداعي الشكر، من غير التفات، بل و لا علم بتعلّق الأمر بها.

اللّهم إلّا أن يكون لنافلة المغرب خصوصيّة اخرى زائدة عن طبيعة كونها مسنونة في هذا الوقت، من ارتباطها بالفريضة و نحوه، فحينئذ لا تحسب منها هاتان الركعتان إلّا أن يقصد بفعلهما امتثال كلا الأمرين، فله حينئذ الإتيان بكلا الركعتين بقصد التداخل، و الإتيان بكلّ من النافلتين مستقلّة بقصد امتثال أمرهما بالخصوص (2)، انتهى.

و بعد هذا الكلام ذكر الكلام المتقدّم، و قد نقلنا كلامه قدّس سرّه بطوله لكونه في غاية المتانة، نافعة في أصل المسألة و في خصوص المقام، و لأنّه بحسب بدو النظر لا تخلو عدّة مواضع منه


1- مصباح الفقيه 9: 53.
2- مصباح الفقيه 9: 53- 52.

ص: 366

من التهافت و عدم الملائمة لما ذكره في الحاشية، و لم أتجرّأ على الاعتراض، لضيق المجال عن التأمّل الّذي يقتضيه كلام مثله، و المتأمّل الخبير يدرك تلك المواضع، و تأمّله هو الفصل و الحكم العدل بين ورود الاعتراض و عدمه.

هذا، و لا يخفى أنّ كثيرا ممّا ذكره قدّس سرّه و ما يظهر من غيره مبنيّ على كون الكيفيّة المتقدّمة شرطا في الغفيلة، و قد سمعت من الماتن خلاف ذلك، و قد جرى دأب الفقهاء في أمثال المقام بجعل ما يرد من أمثال هذه الكيفيّات من قبيل المستحبّات فيها، لا شرائط لها، فليتأمّل.

و هنا حاشية اخرى لبعض، و هي قوله: «الغفيلة مصغّرة من صلاة الغفلة، و هي نافلة المغرب، و الوصيّة إنّما هي بصلاة الغفلة، و الاختلاف في الكيفيّة، فمن أراد الاختصار اقتصر على الغفيلة، و من أراد الأفضل صلّى صلاة الوصيّة، و الأفضل زيادة ركعتين عليها».

و الوجه في جعله صلاة الغفيلة نافلة المغرب بعينها تقدّم وجهه، و كذلك في الوصيّة.

و قوله: «و من أراد الاختصار اقتصر على الغفيلة» يريد به الغفيلة بمعنى نافلة المغرب المجرّدة عن الكيفيّة المتقدّمة، و إلّا فليس بين كيفيّتي الغفيلة و الوصيّة تفاوت معتدّ به.

و بالجملة فالّذي يظهر من هذا المحشّي عدم الاعتناء بالكيفيّة المتقدّمة في صلاة الغفيلة، بخلاف الآتية في صلاة الوصيّة، و لا أدري وجه ذلك، مع أنّ الاولى مسند، و سندها جيّد، و الثانية مرسلة.

و حكمه بأفضليّة إلحاق الركعتين لا يخلو عن سخافة، لأنّ حاصل ما ذهب إليه أنّ نافلة المغرب لها كيفيّتان: إحداها: أن تكون أربع ركعات مجرّدة عن الكيفيّة الخاصّة، و ثانيتها: أن تكون ركعتان مع تلك الكيفيّة. فإلحاق ركعتين من الكيفيّة الاولى بالكيفيّة الثانية سمج جدا.

و أيضا مع اختيار هذا الأفضل لا يتمّ الاختصار الّذي ذكره، و تقريره ما عرفت.

و بالجملة، هذه الحاشية جيّدة بحسب أوّلها، ساقطة بحسب آخرها.

(و) صلاة (الوصيّة، و هي ركعتان) أيضا (بينهما أيضا، يقرأ في أوليهما) سورة إِذٰا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزٰالَهٰا (ثلاثة عشر مرّة بعد الحمد، و في) الركعة (الثانية) سورة (التوحيد خمسة عشر مرّة بعدها أيضا) و المستند فيها مرسلة الشيخ في المصباح عن

ص: 367

الصادق عليه السّلام عن آبائه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و في آخرها: «و إن فعل ذلك [في] كلّ شهر كان من المتّقين، فإن فعل [ذلك] في كلّ سنة كان من المحسنين، فإن فعل ذلك في كلّ جمعة [مرّة] كان من المصلّين (1)، فإن فعل ذلك كلّ ليلة زاحمني في الجنّة، و لم يحص ثوابه إلّا اللّه [تعالى]» (2).

و رواها السيّد ابن طاوس قدّس سرّه في فلاح السائل بسند فيه عدّة مجاهيل عن الصادق عليه السّلام عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام (3).

و الروايتان متّفقتان في الكيفيّة المذكورة و إن اختلفتا لفظا و مدلولا.

و الحال في هذه الصلاة كالحال في سابقتها، بل الإشكال فيها أقوى، لكون السند فيها أضعف، و لهذا قال الشيخ قدّس سرّه في الحاشية: «حكمها حكم مطلق النافلة الغير الراتبة في وقت الفريضة» و ستعرف الإشكال فيها. اللّهم إلّا أن يجعلها من نافلة المغرب، كما عرفت في الغفيلة.

و قال الماتن: (لكن مع أنّ الاحتياط يقتضي عدم فعلهما) لما عرفت (ليستا من الرواتب الّتي عند الأولياء) مستحبّ (كالواجب) و ذلك واضح، و لا أظنّ أحدا احتمل كونهما من الرواتب، و لا وجه لذلك بعد تظافر الأخبار بحصر الرواتب و عدّها، فلا وجه لتوضيح الماتن هذا الواضح، إلّا أن يكون إشارة إلى أنّه ينبغي عدم الاهتمام بهما، و تركهما، و الاهتمام بالرواتب الّتي هي أهمّ منهما.

و اعلم أنّه وردت في الروايات صلوات كثيرة بين العشاءين غيرهما، كالمرويّة بعدّة طرق في تفسير قوله تعالى: إِنَّ نٰاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا (4) من أنّها ركعتان بعد المغرب، و ذكر لها كيفيّة خاصّة (5) و في بعضها ذكر دعاء بعدها.

و ما رواه أيضا عن الرضا عليه السّلام قال: «من صلّى المغرب و بعدها أربع ركعات و لم يتكلّم


1- فى النسخة: المخلصين.
2- مصباح المتهجّد: 107.
3- فلاح السائل: 432.
4- المزّمّل: 6.
5- وسائل الشيعة 8: 118 الباب (16) من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ح 2.

ص: 368

حتّى يصلّي عشر ركعات، يقرأ في كلّ ركعة بالحمد و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ كانت عدل عشر رقاب» (1).

و كصلاة ليلة الخميس، و غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع، و لا يحتمل في مجموعها الاحتمال المتقدّم في الصلاتين من كون المراد بها نافلة المغرب، بل بعضها صريح في خلاف ذلك كالثانية من الصلوات الّتي نقلناها.

فالوجه في جميع ذلك أن يقال: إنّه بناء على جواز التطوّع لا إشكال في جواز الإتيان بجميعها و لو رجاء، أو من باب التسامح في أدلّة المستحبّات، و أمّا بناء على المنع فلا بدّ من الاقتصار على ما ثبت بدليل معتبر، كالركعات الثمانية الواردة بعد المغرب و قبل العشاء من نوافل شهر رمضان.

ثمّ إنّ الّذي فهمه أكثر الأصحاب أنّ المراد كونها بين صلاة المغرب و صلاة العشاء، و لو قيل بأنّ المراد بين الوقتين- كما ذهب إليه الشيخ بهاء الدين قدّس سرّه (2) و الإنصاف أنّه الظاهر من عدّة روايات- فيمكن الإتيان بهما حتّى مع المنع من التطوّع، بأن يقدّم العشاء على غروب الشفق.

المبحث الثاني: في مواقيتها
اشارة

و لنقدّم مقدّمة تشتمل على فوائد نافعة:

أوّلها: أنّ الوقت المبحوث عنه هنا مقدار معيّن من الزمان، عيّنه الشارع لإيقاع الصلاة فيه، لأجل خصوصيّة فيه بالنسبة إلى تلك الصلاة لا توجد في غيره من أجزاء الزمان، و هذا هو المعنى الحقيقي للوقت في المقام، و في سائر الموارد الشرعيّة و العرفيّة.


1- وسائل الشيعة 8: 117 الباب (16) من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ح 1.
2- مفتاح الفلاح: 545 قال فيه: و لا يخفى أنّ الظاهر أنّ المراد بما بين المغرب و العشاء ما بين وقت المغرب و وقت العشاء أعني: ما بين غروب الشمس و غيبوبة الشفق ... لا ما بين الصلاتين.

ص: 369

و قد يطلق بنحو من التوسعة على ترتّب فعل على فعل آخر بإيقاعه قبله، أو بعده، أو مقارنا له، كقول الطبيب: وقت استعمال الإطريفل قبل النوم، أو بعد العشاء مثلا. و هذا ليس من التوقيت الحقيقي في شي ء، لفقدان الخصوصيّة بين الفعل و الزمان، بل هو من قبيل اشتراط الشي ء بتقدّم شي ء عليه، أو تأخّره عنه، فهو كالوضوء و نحوه.

نعم لو كان الفعل المترتّب عليه موقّتا حقيقيّا و له مقدار حقيقي، يكون موقّتا بالتبع، كما لو أمر بشي ء عند انقضاء الصوم، بل هذا عبارة اخرى عن توقيته بغروب الشمس في المثال.

و بالجملة، الوقت الحقيقي هو الزمان المعيّن الّذي يتوقّف مصلحة الشي ء أو مرتبة من مراتبها عليه من حيث كونه زمانا، و أمّا من حيث كونه قبل شي ء أو بعده فهو من قبيل سائر الشرائط غير الوقت.

و احتمال تأثير ذلك الفعل في الوقت بأن يجعله صالحا للفعل بحيث لو لا ذلك لم يكن له صلاحيّة الفعل- إن فرض إمكانه- فظاهر أنّه في غاية البعد، بل مقطوع بعدمه في جميع الموارد.

ثانيها: أنّه كما يمكن تعيين وقت واحد لفعل واحد يسعه، كذلك يمكن تعيين وقت واحد لفعلين أو أكثر بشرط تقديم أحدهما على الآخر أم لا.

أمّا الثاني فواضح، و أمّا الأوّل فمعناه كون الوقت صالحا لكلا الفعلين، و لكن تقدّم فعل عليه أو تقدّمه عليه شرط كسائر الشروط.

نعم، لا بدّ في ترتّب فائدة عمليّة على ذلك صحّة وقوع المشروط بدونه و لو في بعض الصور، و إن لم يكن ذلك شرطا في حقيقة التوقيت، إذ لا مانع في هذه الصورة من حيث الوقت، و إن لم يمكن تحقّقه فيه لفقدان شرط غيره فالحال فيه كسائر الشرائط المفقودة الّتي يستدعي حصولها مضيّ مقدار من الوقت.

و لكن قد يطلق الوقت على الوقت الّذي يمكن إيقاع الفعل فيه، و نفيه عن الزمان الّذي لا يمكن أن يقع الفعل فيه و لو لفقدان الشرط، و هذا الإطلاق شائع في العرف، موجود في الأخبار، كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى.

و لا نضايق من تسمية الثاني بالوقت الفعلي، و الأوّل بالأصليّ، نظرا إلى إمكان وقوع

ص: 370

الفعل فعلا في الثاني، و عدم إمكانه في الأوّل.

و كذلك قد يتساوى العبادتان بالنسبة إلى الوقت، و لكن أهميّة أحدهما مطلقا أو في الجملة توجب تخصيص الوقت الفعلي بالأهمّ، مع تساوي المصلحة الوقتيّة إليهما معا.

ثالثها: أنّه يمكن جعل أوقات متعدّدة مختلفة في الاعتبار لفعل واحد، كأن يكون بعضها للأفضل، و بعضها للفضل، و بعضه للإجزاء، و بعضها للاضطرار، و هكذا لكلّ مرتبة مرتبة منها، كأوقات متعدّدة لمراتب الفضل، بل الإجزاء، على تأمّل في إمكانه، بل الظاهر المنع إلّا إذا رجع بعضها إلى بعض مراتب كراهة الترك في البعض الآخر.

و كذلك يمكن جعل أوقات متعدّدة لفعل واحد في مرتبة واحدة، و لكن في المتّصلة منها يحتاج إلى فائدة مصحّحة لاعتبار التعدّد.

و يمكن أيضا أن تكون لمرتبة من المراتب مصلحة ملزمة توجب الأمر بها وجوبا، و يكون الوقت بعده باقيا، فأداء الفعل فيه أداء، و إن حصل العصيان بترك الوقت الأوّل.

و يمكن أيضا وجود مصلحة خارجة عن ذات الوقت توجب تعيين مقدار منه للفعل ندبا أو وجوبا، و إن كان غير ذلك المقدار مساويا معه في المصلحة الوقتيّة، بل و كونه أفضل منه من هذه الحيثيّة، لكن ما لم يصل إلى مرتبة المصلحة الخارجيّة، فإنّه حينئذ مع المساوات يلزم التخيير، و مع زيادة المصلحة الوقتيّة على الخارجيّة يلزم أفضليّة غير ذلك المقدار من الوقت، و تلك المصلحة الخارجيّة قد تكون عامّة لجميع المكلّفين، و قد تكون مختصّة بنوع أو فرد منهم، فيتبعه التكليف حينئذ، و يكون عمومه أو خصوصه بحسبه.

و يمكن أيضا اختلاف أصل الوقت و مقداره بحسب المكلّفين، فيكون الوقت للمستعجل و المضطرّ مثلا غير الّذي تعيّن لغيرهما أصلا أو مقدارا.

رابعها: أنّ لفظ الوقت مهما أطلق إن كان مقترنا بما يتعيّن المراد منه من حيث المرتبة فلا إشكال، كما لو قيل: وقت فضيلة الظهر و وقت إجزائه كذا.

و إن اطلق اللفظ بدون ذلك فاللفظ محتمل لجميع المراتب المتقدّمة، قابل للصدق على كلّ واحد منها على سبيل التواطي، فلا يفهم منه خصوص مرتبة منها.

نعم، الإجزاء هو المتيقّن من جميع المراتب، لأنّ جعل الوقت في أيّ مرتبة كان لازمه

ص: 371

الإجزاء، فيؤخذ به بهذا المعنى، لا بالمعنى الّذي هو قسيم لسائر المراتب.

خامسها: أنّه يظهر للمتأمّل ممّا ذكرناه أنّ الأصل الّذي ينبغي أن يعوّل عليه في باب المواقيت، و يرفع به اختلاف الأخبار هو أنّه متى وردت مواقيت متعدّدة لصلاة واحدة أن تحمل على اختلاف المراتب من الفضل و الإجزاء، أو لما بعده من مراتب الكراهة بحسب ما يظهر من خصوصيّات الدليل الوارد في المقام، و لا يحكم بالتعارض، لعدم معلوميّة اتّحاد المورد، و عدم ظهور لفظ الوقت في مرتبة خاصّة منها.

و غاية ما يستفاد من مفهوم الغاية في نحو قولهم: الوقت إلى القدمين أو الأربعة مثلا انتهاء الوقت بالمعنى المراد منه، فلا يرفع اليد لأجله عن قولهم: الوقت إلى الغروب، الّذي عرفت أنّه صريح في الإجزاء بالمعنى المشترك.

و دعوى ظهور لفظ الوقت في عدم إجزاء غيره- فيعارض هذا الظهور الدليل الآخر- يظهر ضعفه بما عرفت من عدم دلالة اللفظ إلّا على كونه وقتا في الجملة، بمعنى كون الصلاة فيه أداء لا قضاء، و دلالة المفهوم على عدم الإجزاء فرع استعمال اللفظ في الوقت الّذي ينافي المعنى المشترك بين جميع المراتب، و بمجرّد احتماله لا يرفع اليد عن صريح الآخر.

و المقام من هذه الجهة يشبه ما لو فرض ورود دليل على جواز وطي ذات القرء المحتمل لأن يكون المراد منه ذات الطهر، أو ذات الحيض، ثمّ ورود دليل على عدم جواز وطي ذات الحيض، فلا يرفع اليد عن صريح الثاني بمجرّد احتمال كون المراد من الأوّل ذلك أيضا، بل السليقة المستقيمة تحكم بكون الأوّل من قبيل المجمل، و الثاني من قبيل المبيّن.

و الّذي له انس بالخطابات العرفيّة لا يشكّ في أنّ أهل العرف يجعلون الثاني مبيّنا للأوّل، و يعيّنون به المراد من الأوّل، و لهذا حمل الفقهاء كثيرا من الأخبار المختلفة في باب المواقيت و غيرها على ما ذكر، و إن وقع الخلاف في بعضها إمّا لعدم إتقان هذه القاعدة و إجزائها في جميع الموارد، أو لتوهّم وجود خصوصيّة مناف لها في بعض المقامات، إذ هذه القاعدة مختصّة بالموارد الّتي لا يقترن الدليل بما تنافيها.

و أمّا إذا اقترن بما يجعله ظاهرا أو صريحا في خلافه- كالتصريح بفوت الصلاة بفوات ذلك الوقت، أو كون الصلاة في غيرها قضاء- فاللازم أن يحمل ما يدلّ على كون ما بعده وقتا

ص: 372

على المضطرّ و نحوه إن أمكن و وجد له شاهد، و إلّا يحكم بالتعارض.

و إن لم يقترن بذلك، بل اقترن بما ظاهره وجوب إيقاع الفعل فيه، و ثبوت العقاب على مخالفته فاللازم أن يحمل على وجوب إيقاعه من ذلك الوقت، دون الحكم بفوت الصلاة بفوته، لما عرفت من عدم الملازمة بين وجوب مرتبة من الوقت و ثبوت مرتبة اخرى لها.

ثمّ لا يخفى أنّ من جعل أوقات متعدّدة و إن لم يمكن تعيين المراتب و الخصوصيّات المحتملة و لكن يظهر من غير واحد من الأخبار قاعدة، و هي كون الأقرب إلى أوّل الوقت هو الأفضل، و ما بعد منه أقلّ فضلا ممّا قبله، و أكثر فضلا ممّا بعده، فاللازم أن يحمل الأوقات المتعدّدة الواردة على هذا الترتيب حتّى ينتهي إلى مرتبة الإجزاء المحضة، أو ما بعدها من مراتب كراهة الترك، بحسب ما يظهر من الدليل الوارد في كلّ مقام، و ربّما ورد دليل في خصوص بعض المقامات يدلّ على خلاف ذلك، فيؤخذ به، و يجعل مخصّصا للعموم الدالّ على فضل المسارعة، كما في صلاة العشاء قبل غروب الشفق و بعده، و غيره مما تطّلع عليه إن شاء اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلك فنقول:

لا خلاف، و لا إشكال في أنّه (يدخل وقت) صلاة (الظهر بزوال) تمام قرص (الشمس) عن دائرة الزوال. فما في بعض العبائر من جعل الوقت وصولها إلى الدائرة المذكورة خطأ، أو مسامحة ظاهرة.

و كذلك ما في كشف الغطاء من اعتباره زوال المركز (1)، فإنّ المعتبر شرعا بشهادة العرف هو ما عرفت. و أمّا اعتبار المركز فهو عند المنجّمين خاصّة.

و وجّهه بعض الأفاضل بعد ما ذكرت له ذلك بأنّ انتصاف النهار يتحقّق بزوال المركز.

فقلت: إنّ المعتبر شرعا زوال الشمس، لا انتصاف النهار، و يلزم دخول وقت الظهر حينئذ


1- كشف الغطاء 3: 116 قال فيه: الثاني: وقت الظهر، و مبدؤه: انحراف الخطّ المنصّف لقرص الشمس المنطبق على خطّ نصف النهار عنه بالميل إلى الجانب الأيمن.

ص: 373

تارة قبل الزوال، و تارة بعده، لأنّ انتصاف النهار الحقيقي لا يوافق الزوال دائما، بل يكون قبله، أو بعده غالبا، كما هو واضح لدى أهله.

هذا، و الفرق بين الوجهين الأوّلين أكثر من دقيقتين، و بين الوجه الأوسط و كلّ منهما نصف ذلك إذا كان مدار الشمس معدّل النهار، و كلّما زاد بعدها عنه جنوبا أو شمالا زاد التفاوت.

و بالزوال يدخل أفضل أوقاتها، و ما ورد من توقيت الظهر بما بعد الذراع أو القدمين لا ينافي ذلك، لأنّ الوجه فيه مراعاة النافلة، لا عدم قابليّة الوقت للظهر، أو نقصان في فضله، كما يظهر من غير واحدة من الروايات.

(فإذا مضى منه مقدار أدائها) بحسب حال المكلّف مضى وقت الاختصاص، و دخل وقت الاشتراك، و (اشترك معها العصر) و يبقى الوقت مشتركا بينهما (إلى أن يبقى) من النهار، و هو المراد، و إن كان خلاف صريح قوله: (من المغرب مقدار أدائه) بحسب حال المكلّف أيضا (فيختصّ حينئذ هو به أيضا) و يخرج وقت الظهر عند الماتن تبعا للمنسوب إلى المشهور، و ستعرف ما في هذه النسبة.

و ذهب الصدوقان (1) و جماعة من المتأخرين (2) إلى دخول وقت الظهرين بزوال الشمس، و هو مذهب جمع من مشايخنا، و أكثر من عاصرناه، بل قيل: إنّه المشهور عند أصحاب الأئمّة، و المتقدّمين من الأصحاب، و هو غير بعيد، بل هو الظاهر كما ستعرف.

و تحقيق المقام أنّ القائل بالاختصاص إن أراد به عدم كونه وقتا فعليّا للعصر، و عدم قابليّته لوقوع العصر فيه فعلا لقضيّة الترتيب، فهو كذلك، و لا إشكال فيه.

و إن أراد به عدم كونه وقتا له أصلا- بمعنى عدم قابليّته لوقوع العصر فيه ذاتا، و لو مع رفع النظر عن الترتيب و مزاحمة الظهر لها- فهو غير صحيح.


1- نسبه إليهما الشهيد في الذكرى 2: 323 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 24.
2- نقله المرتضى عن الأصحاب في الناصريّات: 189.

ص: 374

لنا على الأوّل: ما ذكره الفاضل في المختلف، و حاصله:

أنّه يلزم على تقدير الاشتراك أحد الأمرين: من التكليف بما لا يطاق، أو خرق الاجماع، لأنّ التكليف حين الزوال إمّا يقع بالعبادتين معا، أو بإحداهما [إمّا] لا بعينها، أو بواحدة معيّنة، و الثالث خلاف فرض الاشتراك، فتعيّن أحد الأوّلين، على أنّ المعيّنة إن كانت هي الظهر ثبت المطلوب، و إن كانت العصر لزم خرق الإجماع.

و على الاحتمال الأوّل يلزم التكليف بما لا يطاق، و على الثاني يلزم خرق الإجماع، إذ لا خلاف في أنّ الظهر مرادة بعينها [حين الزوال] لا لأنّها أحد الفعلين (1).

و هذا الدليل كما تراه لا مجال في المناقشة في صحّته، و لا في دلالته على نفي الوقت بالمعنى الّذي عرفت، و هو عدم إمكان البعث الفعلي في أوّل الوقت مع اشتراط الترتيب إلّا على الظهر خاصّة، و يقصر عن إثبات عدم كونه وقتا شأنيّا، و لو لا كلام ذكره بعد هذا الدليل- و إن كان ممّا تحيّرت فيه أفهام المتأخّرين- وجب حمل كلامه على الوقت الفعلي لا الأصلي الّذي لا يخفى على مثله قصوره عن إثباته، بل عدم ارتباطه به أصلا.

و مثل ذلك يجري في الكسوف الواقع أوّل الزوال إن يعلم عدم سعة زمان مكثه بصلاة الآيات و الظهر معا، أو حضرت جنازة أوّل الزوال، و لا يمكن تأخير الصلاة عليها لبعض الأسباب، و نظائر ذلك كثيرة، و لا خلاف في وجوب تأخير الظهر حينئذ.

فهل يظنّ بمثل الفاضل أنّه يقول بعدم صلاحيّة الوقت للظهر و يرى أنّ أوّل وقت الظهر بعد مضيّ مقدار الصلاتين، و يحكم بأنّ من نسي إحدى هاتين الصلاتين و صلّى الظهر عند الزوال وقعت صلاته حينئذ خارج الوقت؟

و أيضا هذا الدليل بعينه جار في ما لو أخّر الظهر عن أوّل الوقت بمدّة طويلة، مع أنّه لا خلاف في الاشتراك بعد مضىّ مقدار الاختصاص، صلّى الظهر فيه أم لا.

و يجري نظيره أيضا في أبعاض صلاة الظهر، إذ لا يمكن الأمر بمجموع العبادة في أوّل وقت الظهر، للزوم التكليف بما لا يطاق، فلا بدّ أن يكون على سبيل التدريج، و حينئذ لو نسي السورة مثلا لزم بطلان الركوع، و هكذا، فتأمّل.


1- مختلف الشيعة 2: 34.

ص: 375

و بالجملة، فمن اللازم تنزيل هذا الدليل على الوقت بالمعنى الّذي ذكرناه، و لو بارتكاب التأويل في ما هو ظاهر من كلامه في خلاف ذلك، لما عرفت من البون البعيد بينه و بين الوقت الأصلي، و انطباقه عليه بالمعنى الآخر.

ثمّ إنّ الفاضل قد استدلّ في المختلف على عدم دخول وقت العشاء بما بعد المغرب بأنّها عبادة موظّفة موقّتة، فلا بدّ لها من ابتداء مضبوط، و إلّا لزم التكليف بما لا يطاق، و أداء المغرب غير منضبط، فلا يناط به [وقت] العبادة (1).

و هذا دليل حسن جيّد، إذ الصلوات الخمس موقّتة إجماعا، و قد عرفت في المقدّمات السابقة أنّ التوقيت لازمه التعيين، و جعل فعل بعد فعل ليس له مقدار معيّن ليس من التوقيت في شي ء.

و يتمّ هذا البرهان بهذا البيان، من غير احتياج إلى ما ذكره من لزوم التكليف بما لا يطاق، و من حكم من المتأخّرين بوضوح ضعفه فقد غفل عن مرامه قدّس سرّه.

و هذا البرهان جار بعينه في المقام، إذ لا وقت مضبوط للعصر إلّا الزوال، باتّفاق الأخبار، و كلمات الأصحاب، و لا أدري ما الّذي دعاه إلى ترك الاستدلال به، و اختيار الاشتراك، و هو ممّا يؤيّد أيضا أن يكون مراده بالوقت هنا الوقت بالمعنى الّذي نقول.

و لنا على الثاني: الأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة.

منها: الصحيح عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظهر و العصر، فقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعا، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» (2).

و منها: روايته الاخرى عنه عليه السّلام أيضا: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أنّه هذه قبل هذه» (3).


1- مختلف الشيعة 2: 48.
2- وسائل الشيعة 4: 126 الباب (4) من أبواب المواقيت ح 5.
3- وسائل الشيعة 4: 130 الباب (4) من أبواب المواقيت ح 21.

ص: 376

و مثلها: رواية الصباح بن سيّابة، و سفيان بن السمط، و مالك الجهني عنه عليه السّلام، و رواية منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه السّلام (1)، لكن بحذف الجملة الاستثنائية في الجميع.

و مثلها: رواية الدعائم (2) لكن بزيادة لفظ الظهر و العصر بعد لفظ الصلاتين.

و روي في الفقيه عن مالك الجهني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله، و زاد في آخره: «فإذا فرغت من سبحتك فصلّ الظهر متى ما بدا لك» (3). و لعلّه متّحد مع روايته الاخرى.

و منها: ما رواه العيّاشي عن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه الآية أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ (4) قال: «دلوك الشمس: زوالها عند كبد السماء، إلى غسق الليل: إلى انتصاف الليل، فرض اللّه في ما بينهما أربع صلوات- إلى أن قال- و إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، ليس نفل إلّا السبحة الّتي جرت به السنّة أمامها» (5).

و منها: ما رواه الشيخ و العيّاشي عن عبيد بن زرارة في تفسير الآية، قال: «إنّ اللّه افترض أربع صلوات، أوّل وقتها زوال الشمس الى انتصاف الليل، منها: صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه، و منها: صلاتان أوّل وقتهما [من] غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه» (6).

و منها: ما رواه في الفقيه في الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس فقد دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة» (7).


1- وسائل الشيعة 4: 128- 127 الباب [4] من أبواب المواقيت ح 11- 10- 9- 8.
2- دعائم الاسلام 1: 137.
3- وسائل الشيعة 4: 133 الباب [5] من أبواب المواقيت ح 7.
4- الاسراء: 78.
5- التفسير للعيّاشي 3: 71.
6- وسائل الشيعة 4: 135 الباب (10) من أبواب المواقيت ح 4. التفسير للعيّاشي 3: 73.
7- الفقيه 1: 140 ح 648.

ص: 377

و منها: مكاتبة بعض أصحابنا الّتي رواه الشيخ عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن [أحمد بن] يحيى، و فيها: فكتب عليه السّلام: «لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة» (1).

و منها: ما رواه في الكافي عن إسماعيل مهران، قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام: ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل.

فكتب عليه السّلام: «كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة، و مصيرها إلى البياض في افق المغرب» (2).

إلى غير ذلك من الروايات الّتي تركنا ذكرها لاحتمال اتّحادها مع المذكورات، و إن اختلف الأسانيد.

و استدلّ أيضا على ذلك برواية زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: بين الظهر و العصر حدّ معروف؟ فقال: «لا» (3).

و هذا يصلح مؤيّدا لا دليلا، إذ لعلّ المراد أنّه ليس بينهما حدّ محدود بالإظلال و نحوها كما في سائر الفرائض، بل الحدّ بينهما مختلف بحسب أداء الظهر، فينطبق حينئذ على الوجه المشهور في القول الآخر.

و بالجملة، فهذه الأخبار الكثيرة، أمّا أسانيدها: ففي غاية الاعتبار، فيها الصحاح و غيرها، و قد رويت في الكتب المعتبرة، و اعترف أعاظم الأصحاب حتّى من يذهب إلى القول الآخر باعتبارها، و ناهيك شهادة مثل الفاضلين بذلك في المعتبر (4) و المنتهى (5)، و تشديدهما على ابن إدريس لأجل انكاره لها، و تشديدهم سهام الطعن إليه، على أنّ كلام


1- وسائل الشيعة 4: 135 الباب [5] من أبواب المواقيت ح 13.
2- وسائل الشيعة 4: 186 الباب (17) من أبواب المواقيت ح 14.
3- وسائل الشيعة 4: 126 الباب [4] من أبواب المواقيت ح 4.
4- المعتبر 2: 34.
5- منتهى المطلب 4: 55.

ص: 378

ابن ادريس غير ظاهر في الطعن على ثبوت هذه الأخبار، بل وصفه المحصّلين من الأصحاب بأنّهم يأخذون المعاني لا الألفاظ (1) يدلّ على أنّه يقول بوجوب التأويل بعد تسليم ثبوتها و ظهورها.

و من المكاتبة المتقدّمة يظهر أنّ هذه الأخبار كانت مشهورة في زمان الأئمّة، و لعلّ في جوابه ثمّ تقرير لها، و شهادة بصحّتها.

و كذلك مكاتبة عبد اللّه بن محمّد، قال: كتبت إليه- أى الرضا عليه السّلام، و الراوي هو الحضيني ظاهرا- جعلت فداك، روى أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا:

«إذا زالت الشمس [فقد] دخل وقت الصلاتين» (2).

و أمّا دلالتها: فظهور صراحتها مغن عن البيان، و لعمري إنّ القائل بالاشتراك لو حاول التعبير عن مذهبه بعبارة صريحة موجزة لم يجد بدّا منها، و لا معدّلا عنها، و في الجملة الاولى تصريح بدخول الوقت، و في الجملة الاستثنائيّة- الّتي اشتملت جملة منها عليها- دفع لما يتوهّمه القائل بالاختصاص من المنافاة بين وجوب الظهر قبل العصر و دخول وقت العصر بدخول وقت الظهر، و بيان لأنّ قضيّة اشتراط الترتيب لا ينافي دخول الوقت، بألطف تعبير و أحسن بيان، فهي مع كونها في أقصى درجات الصراحة، في الغاية القصوى من الإيجاز و الفصاحة، مشتملة على فوائد مهمّة شاهدة بصدورها عن معادن العصمة.

ثمّ إنّه قد وقع التعبير في أكثر الأخبار المتقدّمة بدخول وقت الصلاتين، و في بعضها بدخول الوقتين، و معناهما واحد، إذ الثاني من باب لحاظ التعدّد في الوقت باعتبار تعدّد الموقّت، و لا يلزم منه المجاز- كما توهّم- كما يظهر بالتأمّل.

و كلتا العبارتين في الصراحة كما عرفت، و لهذا قال المحقّق: فيجب الاعتبار بالتأويل (3). و قد اختلف آرائهم في ذلك:


1- كتاب السرائر 1: 200.
2- وسائل الشيعة 4: 148 الباب (8) من أبواب المواقيت ح 30.
3- المعتبر 2: 35.

ص: 379

فأوّلها بعضهم بأنّ المراد دخول الوقتين على سبيل التوزيع، و هذا هو التناقض الصريح، إذ معنى التوزيع عدم دخول الوقت للثاني، و هو نقيض دخول الوقت له، كما هو ظاهر

و أوّلها بعضهم بأنّ المراد دخول وقت المجموع لا الجميع، و هذا هو التكلّف البعيد، فإنّه لا يحسن إلّا إذا كان للهيئة المجموعيّة عنوان واحد، وجهة اتّحاد، كأجزاء الصلاة الواحدة، و أين ذلك من عبادتين مستقلّتين كما هو مفروض المقام، على أنّ هذا التأويل لا يجري في الرواية المشتملة على لفظ «جميعا»، بل و لا في الروايات الّتي عبّر فيها بدخول الوقتين إلّا بمزيد تكلّف.

و قد ذكر شيخنا الفقيه في المصباح أنّ الأخبار المشتملة على الاستثناء يجعلها كالنصّ في أنّ موضوع القضية كلّ واحدة من الصلاتين، لا المجموع من حيث المجموع هو كذلك (1)

و إن كان إلزام الخصم بذلك لا يخلو عن صعوبة، لأنّه مبنيّ على كون الجملة الاستثنائيّة لبيان اشتراط الترتيب، و هو و إن كان كذلك و لكنّ الخصم لا يسلّم ذلك، بل يجعل المراد منها كون وقت هذا قبل هذا، كما ستعرف من محتمل كلام المحقّق، و صريح الماتن.

و أوّلها المحقّق بأنّه لمّا لم يكن للظهر وقت مقدّر، بل أىّ وقت فرض وقوعها فيه أمكن وقوع الظهر في ما هو أقلّ منه، و أمكن وقوع العصر في أوّل الوقت إلّا ذلك القدر، فلقلّة الوقت و عدم ضبطه كان التعبير فيه بما ذكر من ألخص العبارات و أحسنها، انتهى ملخّصا (2)

و ظاهر أنّه لا يتمّ إلّا بدعوى المجاز بعلاقة المشارفة و نحوها، من غير قرينة عليه، و لا داع إليه، إلّا توهّم منافاتها لمرسلة داود، و ستعرف الكلام فيها، إن شاء اللّه تعالى.

على أنّ ذلك مناف لما عرفت في المقدّمات من معنى الوقت، و لا يتمّ إلّا على أضعف الآراء للقائلين بالاشتراك.

ثمّ إنّ الماتن في كتابه الكبير أخذ هذا الوجه من المعتبر، و زاد قبله جملة اخرى، و هي:

إنّ التعبير بدخول الوقتين معا بزوال الشمس قد لا ينافي الاختصاص بعد فرض كون العصر


1- مصباح الفقيه 9: 105.
2- المعتبر 2: 35.

ص: 380

متّصلة بها مترتّبة عليها، كاتّصال الركعة الثانية بالاولى، خصوصا و لا وقت لها محدود، كما نطق به خبر الفضل السابق [بل] و خبر زرارة (1).

ثمّ نقل الرواية الّتي ذكرناها مؤيّدة لأخبار الاشتراك، ثمّ قال: «كما أنّه ليس للظهر وقت معيّن»، ثمّ نقل عبارة المعتبر مع تغييرات في العبارة (2)، و لم يظهر لي ما قصده رحمه اللّه من ذلك، فهل زعم إجمالا في كلام المحقّق فأراد توضيحه، أو رأى فيه نقصانا فأراد إتمامه، أو أراد بيان وجه آخر غير ما ذكره المحقّق؟

و على كلّ حال لم يظهر لنا مراده من ترتّب العصر على الظهر، و لا معنى اتّصالها بها، فإن أراد بترتّبهما اشتراط وقوع الظهر قبلها فهو مسلّم، و لكن ذلك لا يصحّح صحّة إطلاق دخول وقت المشروط بمجرّد دخول وقت الشرط، فهل يصحّح أحد قول القائل لغلام بلغ مستهلّ شوّال: «إنّه قد دخل عليك وقت صوم شهر رمضان» يريد به القابل بمجرّد حصول شرطه و هو البلوغ؟

و إن أراد بذلك ترتّب وقت العصر على انقضاء فعل الظهر ففساده أظهر، إذ لا يصحّح أحد قول القائل: إذا طلع الفجر دخل وقت الإمساك و الإفطار، أو دخل الوقتان لهما.

و إن أراد به اتّصال الوقتين فيردّه النقض الأخير و أشباهه، و مقتضى تشبيه اتّصال العصر بالظهر باتّصال الركعة الثانية بالاولى أن يكون مراده الاتّصال الخارجي، و فساده أظهر، و مع ذلك كلّه تشبيه عبادتين مستقلّتين أمر بهما بأمرين تعيينيّين بجزءين لعبادة واحدة لم يتعلّق الأمر بهما إلّا في ضمن الكلّ و لا يجوز الفصل بينهما و يلزم اتّصالهما في غاية السماجة.

و ذكر في المعتبر لتأويل هذه الأخبار وجها آخر، و هو أنّ الحديث تضمن «إلّا أنّ هذه


1- جواهر الكلام 7: 87.
2- جواهر الكلام 7: 87 من قوله: بل أيّ وقت الفرض، إلى قوله: من ألخص العبارات و أحسنها. فإنّه مأخوذ من المعتبر.

ص: 381

قبل هذه» و ذلك يدلّ على أنّ [المراد] بالاشتراك ما بعد وقت الاختصاص (1). و هذا بظاهره كما ترى.

و أوّله في المصابيح (2) بأنّ الجملة بتقدير الوقت، فيكون المراد: إلّا أنّ هذه قبل وقت هذه.

و فيه مضافا إلى أنّه في غاية البعد، يلزمه وقوع التهافت الصريح بين المستثنى و المستثنى منه.

و أيضا لو قدّر ذلك في موضع واحد منها اختلّ المعنى، و لزم منه ما لا يقول به أحد، و إن قدّر في موضعين لزم منه عدم دخول وقت العصر إلّا بانقضاء وقت الظهر و لا يقول به أحد أيضا، إلّا أن يقدّر معه لفظ الأوّل، أو الابتداء، أو نحوهما، و لا ريب في قبح هذا المقدار من التقدير، مضافا إلى لزوم اللّغوية في الكلام، إذ لا ثمرة مهمّة في معرفة كون أوّل وقت الظهر قبل وقت العصر في الجملة من غير تعيين لذلك.

و بالجملة، هذا التفسير لهذا التأويل بعيد صدوره عن مثل المحقّق، و من الواضح كون الجملة المذكورة مسوقة لبيان الترتيب، فكيف يخفى على مثله؟ و كيف يجعلها بتقدير الوقت؟ مع أنّه قدّس سرّه استدلّ بهذه الأخبار بعينها في المعتبر أيضا على وجوب الترتيب بين الظهرين و العشاءين (3).

فالأولى حمل كلامه على كون الوقت الفعلي للعصر بعد الظهر بالمعنى الّذي ذكرناه و نوضحه قريبا- إن شاء اللّه تعالى- فحينئذ تتمّ الاستفادة المذكورة من الرواية، إذ لا إشكال في أنّ الترتيب موجب لتخصّص الوقت الفعلي أوّل الزوال بالظهر في الغالب.

و هذا و أشباهه من كلماتهم ممّا يوجب الظنّ بكون محطّ الكلام هو الوقت بالمعنى الّذي ذكرناه.

و لو لا تصريح الفاضلين في مسألة من أكمل العصر ثمّ ذكر أنّ عليه الظهر بالتفصيل بين


1- المعتبر 2: 35.
2- مصابيح الأحكام: لآية اللّه بحر العلوم السيّد محمد مهدى الطباطبائى، مخطوط. راجع: الذريعة 21: 82.
3- المعتبر: 2: 41.

ص: 382

وقوع العصر في أوّل وقت الظهر و غيره (1)، لكان اللازم القطع بذلك، و الحكم بعدم الخلاف بين الأصحاب إلّا من جماعة من المتأخّرين.

ثمّ إنّ بعض المعاصرين زعم أنّ هذه الأخبار واردة في مقام الردّ على العامّة، و نفي الوقت الّذي يثبتونه للعصر، و لذلك جزم بالاختصاص، و زعم أنّ المسألة واضحة لا يحتاج إلى التطويل في توجيه الأخبار المتقدّمة، و تعجّب ممّن فعل ذلك.

و ينبغي أن يقال له: إنّ ذلك لو فرض تسليمه لكان ينبغي أن يقتصر في النصوص على نفي ذلك فقط، أو مع بيان الوقت كما هو الواقع، لا أن يبيّن فيها ردّ العامّة بما هو ظاهر أو صريح في ما يخالف العامّة و الخاصّة معا، إلّا أن يقول: إنّ لها توجيها، فحينئذ وقع في ما هرب منه، و احتاج إلى تلك التوجيهات الّتي تعجّب ممّن ذكرها، أو إلى أمثالها.

و بالجملة، مجرّد كون الأخبار في مقام الردّ على العامّة لا يغني عن التوجيه، و صاحب هذا الكلام قد استراح من حيث تعب الكرام.

هذا، و قد استدلّ على المختار بظاهر قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ (2) و بعدّة أخبار لا تخلو دلالتها عن الخفاء، و في ما مرّ كفاية عنها.

استدلّ القائل بالاختصاص بوجوه: أوّلها: الدليل العقلي الّذي تقدّم نقله عن العلّامة، و قد عرفت الكلام فيه.

ثانيها:- و هو أقواها- مرسلة داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر [حتّى يمضي] مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر، و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس (3)، و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي


1- شرائع الإسلام 1: 76 و ارشاد الأذهان (المطبوع مع غاية المراد) 1: 97.
2- الاسراء: 78.
3- وسائل الشيعة 4: 127 الباب (4) من أبواب المواقيت ح 7.

ص: 383

ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب، و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (1).

قالوا: أمّا ضعفها: فمجبور بالشهرة. و قال الشيخ قدّس سرّه في كتابه: إنّ سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح، و بنو فضّال ممّن أمرنا بالأخذ بكتبهم و رواياتهم (2).

و أمّا دلالتها: فهي عندهم صريحة، و لذا جعلوها مبيّنة للأخبار المتقدّمة بعد الحكم عليها بالإجمال، أو مع تسليم ظهورها في الاشتراك حملوها على المرسلة حملا للظاهر على الصريح.

و منهم من قال: إنّ تلك الأخبار مطلقة، و هذه مقيّدة لها، و يظهر من الشيخ قدّس سرّه أنّ تلك الأخبار عمومات تخصّص بهذه المرسلة (3).

قلت: أمّا جبر ضعفها بالشهرة: فالشهرة لا تكون جابرة إلّا إذا علم الاستناد إليها، و هو في المقام غير معلوم، بل الظاهر أنّ الّذي دعاهم إلى القول بالاختصاص هو الدليل العقلي، و لهذا جعل في المدارك هذه المرسلة مؤيّدة للدليل العقلي (4).

و يظهر من التحرير أنّ اعتماده عليها لأجل اعتضادها بالدليل العقلي (5) الّذي عرفت حاله.

هذا كلّه بناء على كون المراد من الشهرة الجابرة هي الشهرة في الفتوى، و أمّا بناء على المختار عند المحقّقين- من أنّ المراد منها الشهرة بحسب الرواية، و تكرّر نقلها في الاصول- فلا إشكال في شهرة الأخبار المتقدّمة، و شذوذ هذه المرسلة، لأنّا لم نظفر على من رواها إلّا الشيخ عن كتاب سعد بن عبد اللّه.

على أنّ مطابقتها مع الشهرة في الفتوى أيضا ممنوعة كما ستعرف قريبا.


1- وسائل الشيعة 4: 184 الباب (17) من أبواب المواقيت ح 4.
2- كتاب الصلاة للشيخ الأعظم الأنصارى 1: 36.
3- كتاب الصلاة 1: 39.
4- مدارك الاحكام 3: 36.
5- تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 178.

ص: 384

و أمّا ما ذكر الشيخ أوّلا: ففيه أنّ صحّة السند إلى ابن فضّال غير معلوم، بل السند إليه من معضلات الأسانيد. و بيان ذلك مع رعاية الاختصار أنّ هذه الرواية قطعها الشيخ قدّس سرّه في التهذيب، فروى القطعة الاولى هكذا: سعد [بن عبد اللّه]، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و موسى بن جعفر بن أبي جعفر، عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت.

و القطعة الثانية هكذا: سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و موسى بن جعفر، عن أبي جعفر، عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت (1).

و يكون السند على الأوّل صحيحا، و إن كان موسى بن جعفر بن أبي جعفر مجهولا لم نجد له ذكرا في كتب الرجال، و لكن وجود ابن عيسى بدلا منه يغني عنه.

و لكنّ الظاهر وقوع التحريف فيه، بل الصحيح الأخير، لتكرّره هكذا في الاستبصار (2)، و عليه لا يعرف أبو جعفر الّذي وقع بين أحمد و موسى و بين أبي طالب، و كون الراوي عنه أحمد قرينة على أنّه البزنطي، و لكن يبعّده روايته عن أبي الصلت، فإنّه غير معهود، بل المعهود، العكس كما في غير موضع من التهذيب، و قد نبّه عليه العلّامة البحراني في التنبيهات (3).

و أمّا ما ذكره ثانيا: فعجيب، إذ غاية ما دلّت عليه الرواية الآمرة بأخذ كتبهم عدم مانعيّة فساد مذهبهم عن الأخذ برواياتهم، و أنّ ذلك غير قادح في وثاقتهم، لا أنّه يلزم الأخذ بجميع رواياتهم و لو نقلوها عن دجّال خبيث، و أنّ روايتهم للحديث رافع لاشتراط الوثاقة عن جميع من رووا عنه و لو بالوسائط، و يكون حالهم أرفع من حال الإماميّ العدل؛ فلو نقل أحمد بن فضّال رواية عن أحد الدجّالين قبلت روايته، و ترد لو نقل الإماميّ الثقة


1- تهذيب الاحكام 2: 30- 26، 33- 21 و السند في كلا الموضعين ورد على النحو الثاني.
2- الاستبصار 1: 261 باب 148/ 1.
3- قال في الذريعة 4: 44 «تنبيه الأريب و تذكرة اللبيب في إيضاح رجال التهذيب» للعلّامة التوبلي السيّد هاشم بن سليمان بن اسماعيل الكتكاني البحراني، و هو كتاب مبسوط في شرح أسانيد «التهذيب» و بيان أحوال رجاله، و لاحتياجه إلى التهذيب و التنقيح هذّبه الشيخ حسن الدمستاني و سمّاه «انتخاب الجيّد من تنبيهات السيّد» و هو انتخاب هذا الكتاب لا كتاب الفقه له الموسوم بالتنبيهات.

ص: 385

رواية اخرى عن ذلك الدجّال بعينه ممّا لا يكون أبدا، و لكنّ الشيخ قدّس سرّه يكرّر ذلك في مواضع من كتبه، و كانّه رأى كلام بعض العلماء في أصحاب الإجماع، فجعل المقام نظير ذلك، و الحقّ عدم صحّة ذلك أصلا هناك، و وجود الفرق بينه و بين المقام، و لتحقيق ذلك محلّ آخر.

و أمّا الكلام في دلالتها: فقد عرفت في المقدّمات أنّ الوقت كثيرا ما يطلق على الوقت الفعلي، و هو المتبادر منه متى لم يحدّد بمعيّنات الأزمنة، و بما جرت العادة على تحديد الأوقات به كالطلوع و الغروب و الإظلال و نحو ذلك، بل حدّد بالأفعال و نحوها كما في هذه المرسلة و سائر الأخبار الّتي حدّدت الفرائض فيها بأداء النوافل و نحوها، لا سيّما إذا لم يكن لها مقدار معيّن يمكن ضبطه، فإنّك قد عرفت في المقدّمات أنّ تعيّن المقدار شرط في حقيقة التوقيت، و التوقيت بغيره يكون ظاهرا في شرطيّة تقدّم فعل عليه و نحوه، و إنّما يطلق عليه الوقت لتمكّن المكلّف بعده من إتيان الفعل فعلا، دون ما قبله، فالزمان الّذي هو بعد حصول الشرط صالح لوقوع الفعل فيه فعلا، و لهذا سمّيناه في الموقّتات المشروطة بالوقت الفعلي، دون الزمان الّذي لم يحصل الشرط فيه، و لهذا سمّيناه بالوقت الأصليّ.

و الأمثلة العرفيّة لكلا القسمين في غاية الكثرة، و كذلك الأمثلة الشرعيّة.

فمن قبيل الأوّل: الأوقات الثلاثة للفرائض الخمس، و من قبيل الثاني: الأخبار العادة في تحديد العصر و العشاء بفعل الظهر و المغرب.

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الوقت المبحوث عنه في المقام- و هو الّذي يترتّب عليه الأداء و القضاء و نحوهما من الأحكام- هو الوقت الحقيقي، و هو إن لم يكن مشروطا بشي ء يكون فعليّا من أوّله كالظهر، و إن كان مشروطا بشي ء لا يكون فعليّا إلّا بعد حصوله.

إذا عرفت ذلك- و لا أظنّك ترتاب فيه إن أنصفت لدى المناظرة، و استعملت الإنصاف لا المكابرة- فاعلم أنّ تحديده وقت الظهر بالزوال في المرسلة هو الوقت الأصليّ، لوقوع التحديد فيه بمعيّنات الأزمنة، و بما جرت العادة في تحديدها به، و هو فعليّ، لعدم اشتراطه بتقدّم شي ء عليه، و تحديده للعصر هو الوقت الفعلي بقرينة الاشتراط، و تحديده بمقدار فعل لا مقدار معيّن له.

ص: 386

و لا يتوهّم أنّ اللازم من ذلك تعدّد معنى الوقت في الفرضين المنافي لاتّحاد السياق؛ لأنّ المراد من الوقت في المرسلة- في الفرضين- هو الوقت الفعلي، و إنّما استفدنا الأصليّة للظهر بما عرفت، فهو فعليّ أصليّ معا.

و إنّما خصّ مقدار الأربع بالذكر مع أنّ الوقت الفعلي لا يحصل إلّا بوقوع شرطه، لأنّه المقدار الّذي لا يمكن وقوع الظهر فيه لعامّة المكلّفين إلّا في فرض نادر، و هو صورة السهو الّتي ليست المرسلة ناظرة إليها قطعا، فقبل مضيّ ذلك المقدار لا يمكن البعث الفعلي إلى العصر، بخلاف ما بعده فإنّه يمكن ذلك لإمكان وقوع الفعل فيه.

و إطلاق الوقت بهذا المعنى شائع في الأخبار، كما في رواية مسمع: «إذا صلّيت الظهر دخل وقت العصر» (1). و مرسلة الفقيه: «إذا صلّيت المغرب دخل وقت العشاء الآخرة» (2)

و ظاهرهما دخول الوقتين للاخريين بالفراغ من الأوليين مطلقا، مثّلهما في أوّل الوقت أو بعده، و تقييدهما بأوّل الوقت لا دليل عليه، فهو منفيّ بالإطلاق، و عليه لا يكون الوقت فيهما إلّا الفعلي، إذ لا خلاف في عدم توقّف الوقت الأصليّ على فعل الاوليين.

و من الغريب غفلة صاحب المستند عن ذلك، و استدلاله بهما على الاختصاص (3) مع أنّهما على خلاف ذلك أدلّ.

و مثل ذلك وارد في تحديد الظهرين بجعلهما بعد الفراغ من النافلة، طوّل أو قصّر، نحو صحيح ابن أبي منصور: «إذا زالت الشمس و صلّيت سبحتك [فقد] دخل وقت وقت الظهر» (4).

و بمثل ذلك عبّر الشيخ في التهذيب، فقال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلّا لمن يصلّي النافلة السبحة، و هي تختلف باختلاف المصلّين، فمن صلّى بقدر ما تصير الشمس


1- وسائل الشيعة 4: 132 الباب (5) من أبواب المواقيت ح 4.
2- وسائل الشيعة 4: 184 الباب (17) من أبواب المواقيت ح 2.
3- مستند الشيعة 4: 22- 23.
4- وسائل الشيعة 4: 133 الباب (5) من أبواب المواقيت ح 8.

ص: 387

بقدر قدم فذلك وقته، و من صلّى على ذراع فكذلك» (1)، إلى آخر كلامه.

و لا إشكال في دخول وقت الظهر لعامّة المكلّفين بمجرّد الزوال، صلّى النافلة أو تركها، أطال وقتها أو قصّر، فلا إشكال في كون المراد من الوقت ما عرفت، بل الأمر هنا أوضح، إذ العصر لا يمكن الإتيان به إلّا بفعل الظهر، فيختصّ الوقت الفعلي بما بعده، دون النوافل مع الفرائض، فإنّهما مستحبّ و واجب، كلّ منهما مستقلّ في الطلب، و لكن لمّا كانت النافلة مطلوبة فورا، أو صحّته مشروطة بتقدّمها على الفريضة على تقدير الجمع، أوجب تقييد الوقت الفعلي للفرضين بما بعدهما؛ لأنّ الآمر مع إرادته الفعلين كذلك- أي أحدهما فورا، أو مقدّما على الآخر- لا يمكنه البعث على الثاني إلّا بعد الأوّل، و إن كان أحدهما مستحبّا، و كلّ منهما غير مشروط بالآخر، ففي صورة الاشتراط بطريق أولى.

و بهذا يظهر لك قوّة كون ذلك مراد أكثر الأصحاب لا سيّما المتقدّمين منهم، و حينئذ ينحصر الخلاف بجماعة من المتأخّرين الّذين نعلم أنّه ما دعاهم إلى الاختصاص إلّا توهّم الشهرة.

و بما عرفت ينعكس الأمر، و يكون المشهور هو الاشتراك، و يطابقه نقل السيّد المرتضى ذلك عنهم (2) و يؤيّده اعتراف المحقّق في المعتبر بأنّ أخبار الاشتراك قد رواها فضلاء الأصحاب، و أفتوا به (3).

ثمّ نقول: إنّه قد وردت روايات كثيرة مصرّحة بعدم دخول الوقت بمجرّد الزوال، و تحديد وقته بما بعده من الزمان، كصحيح الفضلاء الستّة، قالوا: قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام: «وقت الظهر بعد الزوال قدمان» (4).

و في الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظهر؟


1- تهذيب الاحكام 2: 24.
2- المسائل الناصريّات: 189.
3- المعتبر 2: 35.
4- وسائل الشيعة 4: 141 الباب (8) من أبواب المواقيت ح 2- 1.

ص: 388

فقال: «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في يوم الجمعة [أو في السفر] فإنّ وقتها إذا زالت» (1).

و موثّق سعيد الأعرج عنه أيضا: سألته عن وقت الظهر أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال:

«بعد الزوال بقدم» (2) إلى غير ذلك ممّا ليس هنا محلّ نقله.

و الجميع ظاهر في عدم دخول الوقت إلّا بعد مضيّ مقدار من الزوال، ظهور المرسلة في ذلك، بل أزيد، و الأصحاب فهموا منها أنّ ذلك إنّما وقع لمكان النافلة، و لم يخطر ببال أحد منهم طرح هذه الأخبار، و لا تخصيص أصل الوقت بذلك، بل الجميع فهموا منها ما عرفت، و أصابوا في ذلك- قدس اللّه أرواحهم- فهلّا سمحت خواطرهم بمثل ذلك في مرسلة واحدة بأن يجعلوا تخصيص العصر بما بعد مقدار الظهر لمكان الظهر، فإذا كانت النافلة الّتي هي من المستحبّات توجب مراعاتها التصريح بعدم دخول وقت الفرض الواجب إلّا بمضىّ مقدارها أ فلا توجب مراعات واجب كصلاة الوسطى- الّتي هي أفضل الخمس الّتي هي أفضل العبادات العمليّة أجمع- التصريح بتأخّر العصر لأجلها؟

ثمّ نقول: إنّك قد عرفت في المقدّمات أنّ لفظ الوقت حيث ورد مجرّدا عن القرينة لا يفهم منه إلّا القدر المشترك بين جميع المراتب، بمعنى كون الفعل فيه أداء لا قضاء، و هو صريح في ذلك، إذ لا معنى للوقت إلّا ما جاز وقوع الفعل فيه، فأخبار الاشتراك صريحة في ذلك بعد ما عرفت صراحة لفظ الدخول، و كون المرسلة معارضة لها متوقّف على كون المراد منه هو الوقت الّذي استعمل فيه لفظ الوقت في تلك الأخبار، و هذا ممّا لا يدلّ عليه اللفظ، فيؤخذ بهما معا، لما مرّ بيانه.

و من المحتمل أن يكون المراد منه في المرسلة وقت بعض مراتب الفضل، و المانع يكفيه الاحتمال، و على المستدلّ إثبات خلافه.

ثمّ إنّه يظهر من بعض الأخبار أنّ بعد مضيّ مقدار من الزوال له نحو اختصاص بالعصر،


1- وسائل الشيعة 4: 144 الباب (8) من أبواب المواقيت ح 11 و فيه: قال وقتها حين تزول.
2- وسائل الشيعة 4: 145 الباب (8) من أبواب المواقيت ح 17.

ص: 389

و إن صحّ الظهر فيه، كقول الصادق عليه السّلام: «لئن اصلّي الظهر في وقت العصر أحبّ إلى من أن اصلّي قبل أن تزول الشمس، فإنّى إذا صلّيت قبل أن تزول [الشمس] لم تحسب لي، و إذا صلّيت في وقت العصر حسبت لي» (1).

و قوله عليه السّلام لسماعة بن مهران: «إيّاك أن تصلّي قبل أن تزول، فإنّك إن تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول» (2) إلى غير ذلك.

و من المحتمل قريبا أن يكون المراد بدخول وقت العصر في المرسلة هذا الوقت الّذي له نحو اختصاص بالعصر الّذي أطلق عليه في هذه الأخبار وقت العصر خاصّة، و إن صحّ وقوع الظهر فيه أيضا، و لأجله اطلق عليه وقت الفرضين.

و بالجملة، فالوقت في المرسلة ظاهر في المعنى الّذي ذكرناه، و مع التنزّل فلا أقلّ من احتماله ما عرفت، و مع ذلك كيف يقول بعض من قارب عصرنا (3): «إنّ أخبار الاشتراك محتملة للمعنيين، و هذه صريحة، فلتحمل عليها». ثمّ لم يقنع بذلك حتّى ادّعى صراحة رواية مسمع المتقدّمة في ما توهّمه، و صراحة أخبار آخر اعترف الماتن و غيره بعدم دلالتها أصلا.

و أعجب الكلّ دعواه صراحة ما دلّ على تعيّن العصر لدى المزاحمة آخر الوقت، على أنّك تعرف قريبا أنّ هذا الحكم لا إشكال فيه، غايته أنّ القائل بالاختصاص يعلّله بخروج وقت الظهر، و القائل بالاشتراك يجعله من باب الأهمّيّة لدى التزاحم.

و هذا العالم استدلّ بما لا يدلّ على أزيد من أهمّيّة العصر آخر النهار على عدم دخول وقت العصر أوّل الزوال، و يدّعي مع ذلك صراحتها في ذلك، فكأنّه رأى أنّ بعض أرباب الكتب ذكرها دليلا على اختصاص العصر بآخر النهار، فأراد الزيادة عليهم، فجعلها صريحة في اختصاص الظهر بوسط النهار.


1- وسائل الشيعة 4: 168 الباب (13) من أبواب المواقيت ح 8.
2- وسائل الشيعة 4: 168 الباب (13) من أبواب المواقيت ح 6.
3- هو الفقيه المتبحّر السيّد علي الطباطبائي آل بحر العلوم قدّس سرّه في برهان الفقيه.

ص: 390

و لعلّه استدلّ بها لزعمه عدم القول بالفصل، و هو ممنوع عند القائل بالاختصاص، و على فرضه فكيف يثبت بذلك صراحة اللفظ؟

هذا تمام الكلام مع من قدّم المرسلة لأجل الصراحة.

و أمّا ما تقدّم عن الشيخ قدّس سرّه من كونها مخصّصة لأخبار الاشتراك: فلم يظهر لي بعد معناه، و لعلّه يريد بالخصوص غير معناه المصطلح، أو أنّه جعل التثنية في قوله: «دخل الوقتان» كالعامّ، و إخراج أحد فرديه كالخاصّ، فليتأمّل، فإنّه بعيد من مثله.

و كذلك دعوى التقييد على ما قرّره صاحب المستند، و الأولى نقل كلامه بألفاظه، فإنّ فيه مواضع للإشكال لم يظهر لنا مراده إلى الآن، قال:

«و بما ذكرنا يقيّد إطلاق نحو قولهم: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان» إذ المراد إمّا أنّ بعد الزوال يتحقّق الوقتان، أو أنّه إذا زالت الشمس دخل أوّل وقتي الصلاتين. و كلّ منهما أعمّ من كون الوقتين على سبيل التشريك أو الترتيب، إذ كون قطعة من الوقت وقتا لشيئين أعمّ من تشريكهما أو ترتيبهما، و بهذا يندفع ما يتوهّم من أنّ التعارض بالتساوي، دون الإطلاق و التقييد» (1) انتهى.

و الناظر إذا عرف بالتأمّل معنى هذا الكلام و ما أراده من هذه الأقسام فالجواب موكول إليه.

و يمكن أن يتكلّف لتصوّر الإطلاق و التقييد في المقام بأنّ أخبار الاشتراك تدلّ على أنّ جميع ما بعد الزوال وقت للعصر، و المرسلة تقيّد ذلك الإطلاق بخصوص ما إذا خصّ منه مقدار أربع.

و لكن فيه ما لا يخفى، إذ أخبار الاشتراك لا تعرّض في أكثرها لبيان ذلك، بل تدلّ على دخول الوقت بمجرّد الزوال، و هذا المعنى هو الّذي تنفيه المرسلة على ما فهموا منها، و ما اشتمل منها على قوله: «ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» جملة اخرى أجنبيّة عن المقام، و إن كانت نافعة لإثبات الاشتراك في آخر الوقت.

و بالجملة، أخبار الاشتراك مصرّحة بدخول الوقتين بمجرّد الزوال، و الدخول أمر


1- مستند الشيعة 4: 23- 24.

ص: 391

واحد لا أفراد له حتّى يقيّد أو يخصّص، و المرسلة تنفي ذلك، و دلالتها على بقاء وقت الاشتراك خارج عن محلّ الكلام.

و يمكن تقرير الإطلاق بوجه آخر، و هو أنّ أخبار الاشتراك لا تدلّ إلّا على أنّ زوال الشمس وقت للصلاة، و ذلك لا ينافي اشتراطه بأمر آخر، و هو مضيّ مقدار الأربع منه.

و هذا و إن لم يكن إطلاقا اصطلاحيّا و لكنّه مثله، إذ نفي الشروط لا يكون إلّا بمقدّمات الحكمة.

بل يمكن تقريره بحيث يطابق الإطلاق الاصطلاحي، و يأتي نظير ذلك في مسألة أوّل المغرب، و لكن فيه ما سيأتي بيانه هناك من أنّه لا يتمّ إلّا في الشروط الّتي يمكن تقدّمها و تأخّرها عن المشروط، لا في ما يتأخّر عنه دائما، لا سيّما إذا كان الشرط من جنس المشروط كما في المقام.

و تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ القائل بالاختصاص لو رام الجمع بين تلك الأخبار و المرسلة معا فقد رام صعبا، بل ممتنعا، و الأولى له تسليم التعارض، و السعي في طلب المرجّحات للمرسلة من اشتهار موهوم و عمل من الأصحاب غير معلوم.

ثالثها: رواية عبيد المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السّلام: «ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» بتوهّم أنّ العطف بثمّ الدالّ على التراخي يوجب أن يكون الاشتراك بعد الاختصاص.

و قد غفل المستدلّ بها من أنّ هذه الجملة عطف على الجملة الاولى، و أنّ الوجه بالعطف بثمّ تأخّر زمان البقاء عن زمان الدخول، و أنّ هذا كقول القائل: «دخلت الكوفة يوم الجمعة، ثمّ بقيت إلى الخميس»، و كان الأولى له أن يقنع بالمرسلة، و يرضى من هذا الخبر أن لا يكون عليه و لا له، إذ مع صراحة أوّله في الاشتراك أوّل الوقت، آخره صريح أيضا في الاشتراك آخر النهار، و فيه التأكيد بلفظ جميعا الّذي يسدّ عليه باب التأويل بأنّ المراد بقاء الوقتين على سبيل التوزيع، أو أنّه بقاء وقت المجموع لا الجميع.

ثمّ إنّ لهم وجوها آخر، كفانا مئونة نقلها و الجواب عنها اعتراف الماتن و غيره- من القائلين بمقالته- بعدم دلالتها.

ص: 392

و من ذلك يظهر الكلام في آخر الوقت، و دليلنا على الاشتراك بعض الأخبار المتقدّمة.

و استدلّ القائل بالاختصاص- زيادة على المرسلة- بما دلّ على تعيّن العصر في آخر الوقت لمن لم يتمكّن من الفرضين معا، إمّا لمانع من أصل التكليف كالحيض، أو لتنجّزه كالنسيان.

و الجواب: أنّ ذلك أعمّ من كون الوقت مختصّا بالعصر، و من كونه أهمّ من الظهر في صورة المزاحمة في آخر الوقت الصالح لهما، و لا ينافيه كون الظهر هي الوسطى، إذ أفضليّتها ذاتا لا ينافي أهمّيّة غيرها في بعض صور المزاحمة.

و من المحتمل قريبا أن يكون لآخر الوقت نحو اختصاص بالعصر يوجب أولويّتها من الظهر، و قد مرّ قريبا ذكر أخبار كثيرة دالّة على أنّ بعد مضيّ مقدار من الزوال له نحو اختصاص بالعصر بحيث يطلق عليه وقت العصر خاصّة، و يعبّر عن الظهر الواقع فيه بأنّه ظهر في وقت العصر، و إن كان أداء، فالظاهر أنّ تلك الخصوصيّة و نحوها صارت موجبة لأولويّتها بآخر الوقت.

و بالجملة، المقام من باب التزاحم، و الأهمّيّة لا بدّ أن يستفاد من الدليل، فكما عرفنا منه أفضليّة الظهر من سائر الفرائض عرفنا من هذه الأخبار أولويّتها عن الظهر في خصوص آخر الوقت.

و بالجملة، اختصاص آخر النهار بالعصر بهذا المعنى ممّا لا ينكره القائل بالاشتراك، و إنّما الممنوع عنده عدم صلاحيّة ذلك لوقوع الظهر مع قطع النظر عن المزاحمة، و هذه الأخبار لا تدلّ على ذلك، بل القائل بالاختصاص لا يلتزم به على إطلاقه، و لهذا حكم الماتن بوجوب الظهر، و كونه أداء فيها لو أوقع العصر آخر الوقت المشترك نسيانا، و أطال الردّ على من قال بكونه قضاء، و سيأتي الكلام فيه.

و تحصّل ممّا ذكرنا: أنّ المقام من باب التزاحم، فمتى تعيّن العصر لأهمّيّته و توجّه الأمر إليه سقط الأمر بالظهر، لعدم إمكان البعث الفعلي إلى ضدّين لا يسعهما الوقت.

و لعلّه لذلك وقع التعبير بلفظ الفوت للظهر في رواية الحلبي الواردة في من نسي الظهر و العصر، ثمّ ذكر عند غروب الشمس، فقال عليه السّلام: «إن كان في وقت لا يخاف فوت أحدهما

ص: 393

فليصلّ الظهر، ثمّ ليصلّ العصر، و إن خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها [فتفوته] فتكون قد فاتتاه جميعا» (1) الخبر، إذ الظهر يفوت بفوات أمره، إذ لا يعقل بقاء الأمر به مع كونه مكلّفا بضدّه.

نعم، يشكل ذلك بناء على صحّة الترتّب، فإنّ الأمر بالظهر على تقدير عصيان الأمر بالعصر ممّا لا مانع فيه- بالتقرير المذكور في محلّه- فيقع حينئذ صحيحا مأمورا به، و إن حصل العصيان بترك الأهمّ.

و الجواب عن هذه الإشكال لا يخلو عن صعوبة.

و يظهر من بعض مشايخنا أنّ الظهر يبطل لكونه مشروطا بأن يقع بعده العصر، كما يبطل العصر إذا وقع في وقت الاشتراك قبل الظهر.

و لكن فيه ما لا يخفى، فإنّ اشتراط العصر بكون الظهر قبله ممّا قام الدليل عليه، بخلاف اشتراط الظهر بوقوع العصر بعده، فإنّه لا نعرف دليلا عليه، بل الواقع خلافه، و لهذا يصحّ الظهر ممّن لم يصلّ العصر بعده قطعا.

و يمكن أن يقال: إنّ الّذي يتصوّر بالترتّب هو إمكان الأمر بالضدّين على هذا النحو، و عدم المانع منه عقلا، لا لزومه في جميع موارد التزاحم، فيمكن أن يرفع الشارع اليد عن المهمّ في بعض صور التزاحم على تقدير عصيان الأهمّ، و إن لم يكن مانع منه سوى الأهمّيّة، فلعلّ المقام من هذا القبيل، و الكاشف عن ذلك هذه الرواية، فبها يرفع اليد عن عمومات الأمر بالمهمّ الّتي كنا نثبت بها الأمر بالمهمّ.

و الإنصاف أنّه لا يخلو عن إشكال، إذ المفروض تماميّة جميع جهات المقتضي في المهمّ، و انحصار المانع عن الأمر في المزاحمة.

و بتقرير صحّة الترتّب يظهر أنّ المزاحمة لا تمنع إلّا من توجّه الأمرين الفعليّين فقط، و بعد العلم بالمقتضي- كما هو المفروض- و عدم المانع- بما قرّر به صحّة الترتّب- يعلم وجود الأمر، إذ لا يعقل عدم حصول الشي ء بعد تماميّة المقتضي و عدم المانع له، فتأمّل.


1- وسائل الشيعة 4: 129 الباب (4) من أبواب المواقيت ح 18.

ص: 394

فالالتزام ببطلان الظهر في المقام مع الالتزام بصحّة الترتّب في غاية الصعوبة، بل لا يختصّ هذا الإشكال بالقائل بالترتّب، و يتّجه على جميع القائلين بصحّة الضدّ المهمّ بأيّ وجه صحّ ذلك، كما هو ظاهر.

و الّذي يهوّن الأمر عدم ظهور الرواية في بطلان الظهر في الفرض، إذ من المحتمل قريبا أن لا يكون التعليل بالفوت للابتداء بالعصر، بل يكون تعليلا لعدم تأخير العصر، و يكون المراد من قوله: «و لا يؤخّرها»، عدم تأخير العصر عن وقت التذكّر لا عن الظهر، و لمّا كان مفروض الراوي التذكّر عند الغروب الّذي هو مظنّة الفوت للعصر بأدنى تأخير، كان من المناسب التأكيد في تعجيل العصر لكي لا يقع الفرضان معا خارج الوقت، و من راجع العرف رأى مثل هذا التعبير شائعا في مثل هذا المورد، و ببالي ورود ما هو ظاهر في ذلك في أخبار الحائض إذا طهرت آخر الوقت، يراجع.

و الإنصاف أنّ الرواية إن لم تكن ظاهرة في ذلك فلا أقلّ من عدم ظهورها في المعنى الآخر، و هي مع ذلك غير نقيّة السند، فالأقوى صحّة الظهر، و إن حصل العصيان بترك العصر كسائر موارد التزاحم.

و شيخنا الفقيه في المصباح بعد ما استدلّ على كون العصر هو المأمور به فعلا فقط بما يقرب من تقرير البرهان العقليّ المتقدّم نقله عن المختلف، قال:

«و يؤيّده ما يستفاد من الأخبار من أنّ تعميم الشارع للاوقات إنّما هو من التوسعة للمكلّفين، و إلّا فهي بالذات خمسة، فمقتضى الاعتبار كون صاحبة الوقت أولى بالرعاية في مقام المزاحمة، فتكون هي المكلّفة بها بالفعل، كما هو الشأن في كلّ واجبين متزاحمين أحدهما أهمّ من الآخر. و لكن لو صحّ الاستدلال بهذا الوجه الاعتباري، و كان الدليل منحصرا به، لكان مقتضاه صحّة الشريكة أيضا، و إن عصي بترك صاحبة الوقت» (1)، انتهى.

فكأنّه يرى صحّة الظهر في مثل هذه الصورة من لوازم هذا الدليل الاعتباري فقط، مع أنّها لا مناص له قدّس سرّه و لا لمن وافقه في القول بالاشتراك و صحّة الترتّب من ذلك، كما عرفت.


1- مصباح الفقيه 9: 117- 118.

ص: 395

هذا، و يأتي تمام الكلام في الاختصاص عند تعرّض الماتن لمعناه و بعض فروعه، إن شاء اللّه.

تتمّة قد ظهر من الأخبار المتقدّمة بقاء وقت الظهرين إلى الغروب،
اشارة

و هو المشهور، إلّا ما عرفت من حديث الاختصاص، و لجمع من القدماء أقوال اخر في آخر كلّ منهما، و المستند فيها ظواهر بعض الأخبار كقوله عليه السّلام: «آخر وقت العصر ستّة أقدام و نصف» (1).

و قوله عليه السّلام في حسنة بكر بن محمّد: «وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين» (2) و نحو ذلك.

و بالتأمّل في القواعد الّتي مرّت في المقدّمات يظهر أنّ المتعيّن إبقاء جميع تلك الأخبار على ظواهرها، من غير طرح لها، و لا تكلّف في إرجاع بعضها إلى بعض، بل حمل الجميع على بيان مراتب الفضل، و حمل ما دلّ على التحديد بالغروب على آخر مرتبة الإجزاء، إذ ليس فيها ما ينافي ذلك في ما يحضرني الآن إلّا عبارة في الكتاب الموسوم بفقه الرضا عليه السّلام- و هو كتاب لا يعتمد عليه أصلا- بل فيها ما يدلّ على جواز التأخير (3)، كقول الصادق عليه السّلام في موثّقة ابن خالد: «العصر على ذراعين، فمن تركها حتّى تصير على ستّة أقدام فذلك المضيّع» (4).

و قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير: «تضييع العصر هو أن يدعها حتّى تصفرّ الشمس» (5).


1- وسائل الشيعة 4: 153 الباب (9) من أبواب المواقيت ح 6.
2- وسائل الشيعة 4: 143 الباب (8) من أبواب المواقيت ح 9 و فيه: عن أحمد بن عمر.
3- فقه الرضا عليه السّلام: 73 قال: و كذلك يصلّي العصر إذا صلّى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس، فإذا صلّى بعد ذلك فقد ضيّع الصلاة.
4- وسائل الشيعة 4: 152 الباب (9) من أبواب المواقيت ح 2.
5- وسائل الشيعة 4: 153 الباب (9) من أبواب المواقيت ح 7 و فيه: قال: و ما تضييعها؟ قال: يدعها و اللّه حتّى تصفرّ أو تغيب الشمس.

ص: 396

فإنّ الظاهر منهما بقاء الوقت مع كون التأخير تضييعا، و لو كان المراد منه خروج الوقت لم يكن وجه صالح للتقييد بما فيهما.

نعم، وجوب التقديم لغير المعذور و إن كان الوقت باقيا بعده ليس بذلك البعيد، كما ستعرفه مع زيادة بيان لهذه الأخبار في بيان أوقات الفضل و النوافل، إن شاء اللّه.

(ثمّ يدخل وقت المغرب) به، (1) (فإذا مضى منه مقدار أدائه اشترك معه العشاء) فيكون الوقت لهما معا (إلى أن يبقى من انتصاف الليل مقدار أربع ركعات) تامّات لمن فرضه ذلك، و لغيره أقلّ منه، كلّ بحسبه. و لو قال: «بمقدار أدائه»، كما صنع في الظهرين كان أحسن.

(فيختصّ هو به أيضا) و الكلام في جميع ما ذكر هنا يعرف من الكلام في الظهرين، و لا زيادة هنا إلّا صحيح عبد اللّه بن سنان، و خبر شعيب الواردان في من نام أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء، و فيهما: «إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء» (2).

و تمسّك بهما القائل بالاختصاص، مع توقّف الاستدلال على ثبوت وقت آخر للعشاءين من بعد نصف الليل، و هو ممنوع عند كثير منهم، و على معلوميّة عدم الفرق بين الاوقات من هذه الجهة، و على العلات فالجواب عنهما ما تقدّم قريبا في رواية الحلبي من أنّ تقديم العشاء لأولويّته بالوقت، لا اختصاص الوقت به، فتذكّر.

على أنّ الأمر فيهما أهون من تلك، لعدم اشتمالهما على لفظ الفوت الّذي اشتملت تلك عليه.

ثمّ لا يخفى أنّ اشتراك العشاءين على ما ذكره إنّما يتمّ مطلقا على القول المشهور، و يختلف الحال على الأقوال الآتية في آخر المغرب و كلّ من طرفي العشاء، فعلى بعضها لا يبقى اشتراك بين الفرضين أصلا، فينتفي الاختصاص بهذا المعنى أيضا، كما لو قيل: إنّ آخر المغرب و أوّل العشاء معا سقوط الشفق. اللّهم إلّا في المعذور. و يختلف مقدار الاشتراك على بعض الأقوال


1- استخدام لطيف. منه رحمه اللّه.
2- وسائل الشيعة 4: 288 الباب (62) من أبواب المواقيت ح 4- 3.

ص: 397

أيضا، و على ما ذكر فقس الحال.

(و يخرج حينئذ وقت المختار، أمّا المضطرّ لنوم، أو نسيان، أو حيض) بل (أو غيرها من أحوال الاضطرار فالأظهر) عنده هنا- و إن تردّد فيه في كتابه الكبير، بل مال إلى خلافه (1)- (بقاء الوقت له إلى طلوع الفجر، و أنّه يختصّ من آخره بالأربع أيضا) كما هو مورد الخبرين المتقدّمين.

و أمّا قوله: (بخلاف المغرب من أوّله على الأقوى) فالوجه فيه ما ذكره في كتابه من أنّ مقتضى الإطلاقات عدمه، إلّا أن يثبت التلازم بين الاختصاص آخرا و بينه أوّلا، و لو بعدم القول بالفصل (2)، انتهى.

و فيه ما لا يخفى، فإنّ اتّحاد الحال في جميع الأوقات ينبغي أن يكون مفروغا عنده، و إلّا فكيف صحّ له الاستدلال بهذين الخبرين على الاختصاص في الظهرين، و غير هذا الوقت من العشاءين أوّلا و آخرا؟

و أولى من الّذي ذكره أن يقال بناء على الاختصاص: إنّ من النصف إلى الفجر ليس بوقت آخر مستقلّ ليكون له أوّلا كي يختصّ به المغرب، بل المستفاد من الأدلّة أنّه امتداد للوقت الّذي قبله، و تغيير لغايته فقط بجعله للمضطرّ أوسع نهاية من غيره.

هذا، و بيان كلّ من أوّل الفرضين و آخرهما يتمّ برسم مسائل:

المسألة الاولى: أوّل المغرب غروب الشمس بإجماع العلماء
اشارة

- كما في التذكرة (3) و المعتبر (4)- و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم، و لا يعرف فيه خلاف- كما في المنتهى (5)- بل هو من ضروريّات الدين- كما في كتاب الماتن (6)- و الأخبار الدالّة على ذلك فوق حدّ التواتر.


1- جواهر الكلام 7: 159- 158.
2- جواهر الكلام 7: 96.
3- تذكرة الفقهاء 2: 310.
4- المعتبر 2: 40.
5- منتهى المطلب 4: 63.
6- جواهر الكلام 7: 106.

ص: 398

و الغروب من أوضح المفاهيم العرفيّة، فمقتضى ذلك جواز المغرب بوجوب الشمس (1)- كما هو مذهب جماعة- و لكنّ المنسوب إلى المشهور وجوب تأخيرها إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة، بل صرّحوا بعدم دخول الوقت إلّا به.

و القول الأوّل واضح مرادا و دليلا، و إنّما الإشكال في القول الثاني، و وجه الجمع بين الاعتراف بما قام عليه الإجماع و دلّ عليه متواتر النص من دخول الوقت بالمغرب و بين عدم دخوله إلّا بزوال الحمرة الّذي لا يكون إلّا بعده بمدّة- فإنّه بظاهره مناقضة ظاهرة- و تعيين مرادهم من ذلك لا يخلو عن إشكال، بل الظاهر أنّهم مختلفون في وجه اعتباره. و الّذي يستفاد من كلماتهم، أو يمكن أن يقال في دفع هذه المناقضة وجوه:

الأوّل: ما يظهر من بعضهم حيث نقل الإجماع المتقدّم، و جعل الخلاف في ما يتحقّق به الغروب، فنسب إلى المشهور تحقّقه بزوال الحمرة، و إلى غيرهم تحقّقه بسقوط القرص، و زعم أنّه بذلك يظهر الجواب عن جملة من الأخبار الدالّة على تحديد الوقت بالغروب.

و هذا ممّا لا أعرف له محصّلا أصلا، إذ عدم تحقّق الغروب بنفسه كتحقّقه بغيره، و بطلان كلّ منهما من بديهيّات أوائل العقول، إلّا أن يزعم أنّ غروب الشمس مجمل قابل لكلّ من المعنيين، و بهذا الإجمال صرّح جماعة، و تعجّبوا من المستدلّ بهذه الأخبار على القول الآخر، و لعمري إنّ كلامهم أعجب، إذ معنى غروبها أوضح منها، و بأيّ لفظ أريد التعبير عنه فهو إمّا أخفى منه، أو مساو له، و هو كالطلوع، فهل يدّعى الإجمال فيه، و يتوقّف في فهم معناه على ورود النص؟

ثمّ لا نعرف موضع هذا الإجمال، فهل لفظ الغروب مجمل من حيث نفسه فقط، فلا يعرف معنى قول العرب: «هذا النجم غاربا» و يعرف معنى قولهم: «هذا العيّوق طالعا»، أو أنّهما مجملان معا؟، أو المدّعى أنّ الغروب غير مجمل ذاتا، و لكن إضافته إلى واضح كالشمس أكسبته هذا الإجمال؟ فعليه يكون غروب السها مبيّنا، و غروب الشمس مجملا، و الكلّ واضح الفساد.


1- أي غروبها.

ص: 399

ثمّ لم يظهر لنا وجه لتطبيق غروب الشمس على زوال الحمرة على هذا التقرير، فهل المراد من لفظ الشمس الحمرة، و من لفظ الغروب الزوال عن سمت الرأس، إمّا بكونهما معنيين حقيقيّين، أو مجازيين؟ أو المدّعى أنّ المجموع مستعمل في المجموع على نحو الوضع أو المجاز في المركّبات؟ و الكلّ كما ترى.

ثمّ إنّ بعض من قارب عصرنا (1) اختار هذا الوجه أو قريبا منه، و أراد أن يؤوّل به مع تلك الأخبار كلمات القائلين بالقول الآخر ليتمّ له دعوى الشهرة، أو الاجماع. قال:

«و يحتمل المشهور عبارة جملة ممّن نسب إليه الخلاف من حيث تضمّنها سقوط القرص، لاتّفاق كلمتهم على أنّ المغرب غروب القرص، و إنّما الكلام في كفاية ما يحكم به مع ذلك» (2).

و له بعد ذلك كلام هو من أعجب ما قرع صماخ الدهر، و يعجز عن فهمه العقول العشر، و هو قوله: «بل ربّما يدّعى أنّ سقوطها أظهر في نزولها عن الافق الّذي هو أوفق [ظاهرا] بكلام المشهور» (3)، انتهى.

و بالجملة، فمن الواضح أنّ غروب الشمس معناه تواريها في الافق، و لا يشكّ فيه أحد من أهل اللسان، و مثله لفظ السقوط، و الغياب، و الوجوب، و نحوها، فدعوى الإجمال فيه سفسطة واضحة.

و حفظا لهذا الكلام عن هذه المجازفة ينبغي أن يرجع إلى:

الوجه الثاني: و هو أنّ الوقت هو غروب الشمس بعينها بالمعنى المفهوم منه عرفا، و لكن لا عن افق المصلّي، بل من افق آخر يلازم غروب الشمس عنه زوال الحمرة عن افق المصلّي، و يدّعى أنّ غروب الشمس مجمل من حيث الافق الّذي اعتبر الغروب فيه، و اللفظ و إن كان له ظهور في الغروب عن افق المصلّي، و لكن يرفع اليد عنه بما دلّ على اعتبار زوال الحمرة، و تلك الأدلّة تكون مبيّنة لهذا الاجمال، و مخصّصة لقولهم عليهم السّلام: «إنّما عليك


1- هو العالم الفقيه الربّاني السيّد علي الطباطبائي آل بحر العلوم قدّس سرّه.
2- في المصدر: يحكم معه بذلك.
3- البرهان القاطع في شرح المختصر النافع، المجلّد الثالث من الطبعة الحجريّة ص 39.

ص: 400

مشرقك و مغربك» (1) و مثبتة للعبادات الموقّتة بالغروب خصوصيّة لا توجد في غيرها من الموقّتات.

و هذا الوجه و إن لم أجده بهذا التقرير في ما يحضرني من كلماتهم، و لكن يمكن استفادته من استدلالهم بمثل قوله عليه السّلام: «فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا» على أنّه مختصّ بالكوفة و ما شابهها، و قوله (عليه السّلام): «إذا غابت الحمرة من هاهنا فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» (2).

و لكنّه في غاية البعد، بل دعوى القطع بعدمه غير بعيد، لوجوه لا تخفى على المتأمّل، و لا أظنّ أحدا يلتزم به، و إن لم يمكن تطبيق بعض كلماتهم إلّا عليه.

و يردّه مع ذلك أنّه بحسب الواقع تحديد لصلاة المغرب و نحوها بمقدار ما بعد الغروب بربع جزء، أو خمسة، أو غير ذلك، فأيّ داع يدعو إلى هذا التعبير عنه بما يشبه الاحاجي و المعمّيات؟

و لو سمع أحد قائلا يقول: «وقت الظهر طلوع الشمس أو غروبها» قاصدا بذلك طلوعها أو غروبها عن افق آخر يلازمان الزوال في هذا الافق لاستقبح ذلك جدّا، فكيف يجوز أن تحمل الأخبار المتواترة عن أهل العصمة، و إجماع الأمّة على هذا الحمل السخيف.

و أيضا الإجماع إنّما قام على كون وقت المغرب الغروب في افق المصلّي في افق آخر، و إلّا فالإجماع قائم أيضا على كون وقتها الطلوع و الزوال أيضا، كلّ بافق من الآفاق، بل جميع هذه الحالات الثلاث، و كلّ ارتفاع من ارتفاعات الشمس و انخفاضاتها أوقات لجميع الصلوات الخمس، فأيّ فائدة في هذا الإجماع و في نقله.

و أيضا يختلف مقدار مكث الحمرة بحسب الليالي اختلافا فاحشا، فلا يمكن أن يكون المناط افق بلد معيّن، و كذلك بحسب اختلاف البلاد، إلّا أن يلتزم بالاختلاف باختلاف الليالي و البلاد، و هو واضح الفساد. و يقرب من هذا:


1- وسائل الشيعة 4: 198 الباب (20) من أبواب المواقيت ح 2.
2- وسائل الشيعة 4: 172/ 1 و فيه: إذا غابت الحمرة من هذه الجانب يعني من المشرق ....

ص: 401

الوجه الثالث: و هو أنّ المراد غروب الشمس عن أفق المصلّي، و لكن لا عن سطح الأرض، بل من النصف الشرقي من كرة البخار، و هو لا يكون إلّا بزوالها.

و هذا الوجه كسابقه في البعد، و يرد عليه أكثر ما تقدّم، بتقريب لا يخفى على المتأمّل، و يمكن إرجاع الوجه الأوّل إليه أيضا.

الوجه الرابع: أن يقال إنّ الوقت هو الغروب عن سطح الأرض في افق المصلّي، و لكنّه مشروط بزوال الحمرة.

و هو غير مناف للأدلّة الدالّة على التوقيت بالغروب، إذ دلالتها على عدم اعتبار غيره لا يكون إلّا بالإطلاق، كما في سائر الشروط، فلو قيل: «أكرم زيدا إذا جاءك» فالّذي يدلّ عليه اللفظ بالوضع هو وجوب الإكرام عند المجي ء في الجملة، و أمّا عدم اشتراط الإكرام بشي ء آخر، أو عدم اشتراط المجي ء بكيفيّة خاصّة مثلا فثابت بالإطلاق الّذي يرفع اليد عنه بدليل آخر دلّ على التقييد بكونه راكبا مثلا، من غير أن يكون منافيا لأصل الدليل.

و يمكن استفادة أصل هذا الوجه من صاحب الرسائل، و لعلّه مراد الماتن و غيره ممّن عبّر في المقام بالإطلاق و التقييد، و هو خير من الوجه السابق، و قد تقدّم نظيره في مسألة الاشتراك، و لكن فيه مثل ما تقدّم من أنّ اعتبار مثل هذه الشروط إنّما يحسن في الامور الّتي يمكن تقدّمه على المشروط و مقارنته له، و أمّا ما يتأخّر وجوده عنه دائما- لا سيّما إذا كان من نوع المشروط- فلا ريب في قبح جعل المتقدّم وقتا، بل الوقت حقيقة هو الثاني لا الأوّل، لفقدان شرطه، و لذا لا يصحّ أن يقال: وقت الإمساك في الصوم غروب الشمس و هو مشروط بطلوع الفجر بعده.

و دعوى الفرق بين المقام و المثال بقصر المدّة في الأوّل و طولها في الثاني لا يصغى إليه.

هذا إذا اعتبر زوال الحمرة شرطا للوقت، و لو أخذ شرطا لجواز الصلاة لا لأصل الوقت فهو لا ينطبق على قواعدهم؛ لأنّ الوقت عندهم ما جاز وقوع الفعل فيه و لو على بعض الوجوه، كما تقدّم نقله عن المدارك.

و ما عرفت منّا في المقدّمات السابقة من إمكان تصوّر الوقت من غير إمكان وقوع الفعل فيه فإنّما هو مجرّد الإمكان العقلي، و جريانه في مثل المقام مشكل، و قد قلنا: إنّه لا بدّ في

ص: 402

اعتبار الوقتيّة من نكتة محسّنة له، و هو مفقود في المقام.

هذا كلّه مضافا إلى أنّ المصرّح في كلماتهم عدم دخول الوقت إلّا بزوالها، لا أنّه شرط لجواز الصلاة، فهذا الوجه على التقرير الثاني لا يجدى في دفع المناقضة.

الوجه الخامس: ما ذكره الشهيد في المقاصد العلّيّة، و تبعه في ذلك جماعة، و ملخّصه:

أنّ الاعتبار في الطلوع و الغروب إنّما يكون بالافق الحقيقي لا المحسوس، و لمّا كان طلوعها يتحقّق قبل بروزها للعين بزمان طويل غالبا، فكذلك غروبها يكون متأخّرا عن خفائها عن العين، بسبب اختلاف الأرض و كرويّة الماء (1).

و زاد في الروض على ذلك قوله: «و من ثمّ اعتبر أهل الميقات مقدارا في الطلوع يعلم به و إن لم نشاهدها» (2)، انتهى.

و فيه مؤاخذتان: إحداهما تخصّ الشهيد و من ماثله- و أنّى له المثيل من البارعين في العلوم العقليّة، و المتمسّكين بأفنان الفنون التعليميّة- و الاخرى تعمّ الجميع.

أمّا الاولى: فهي أنّ الاختلاف المحسوس بين الافق الحسّي و الحقيقي مختصّ بما دون فلك الشمس، إذ ليس لنصف قطر الأرض قدر محسوس بالنسبة إلى فوق فلك الشمس، كما تحقّق في محلّه.

نعم، يستخرج للشمس بالحساب اختلاف منظر جزئيّ غير محسوس- كما فصّل في السابع عشر من خامسة المجسطي- و هو لا يزيد على ثلاث دقائق- كما في تذكرة الهيئة- و لا يبلغ ذلك كما في الزيجات المتأخّرة عن زمان المحقّق الطوسي، و مقدار الزمان الّذي يكون بين طلوعها من الافقين لا يبلغ ربع دقيقة، و لو ضويق في اعتبار ذلك فلا إشكال في أنّ الشمس ترى قبل طلوعها و بعد غروبها بمدّة لا تقلّ عن دقيقتين، لانكسار الشعاع بسبب الزاوية الانعطافيّة، فالشمس ترى قبل وصولها إلى الافق الحقيقي طالعة، و بعده غاربة بمدّة هي أكثر ممّا بين طلوعها من الافقين زمانا كما عرفت.

هذا كلّه مع أنّ الفاصل بين نصفي الفلك المرئي و المخفي ليس الافق الحسّي، بل هو الافق


1- المقاصد العلّيّة 178- 179.
2- روض الجنان 2: 486.

ص: 403

المسمّى عندهم بالترسىّ، و قد أثبت ابن الهيثم في كتاب المناظر أنّ البصر إذا كان مرتفعا عن سطح الأرض مقدار قامة- أي ثلاثة أذرع و نصف- يكون انحطاط الافق الترسيّ أربع دقائق و كسر يقرب النصف، فعلى فرض كون الحسيّ فوق الحقيقي بثلاث دقائق- كما عرفت- يكون الترسيّ تحت الحقيقي بدقيقة واحدة، و ستعرف- إن شاء اللّه- أنّ المعتبر في الطلوع و الغروب شرعا و عرفا على مقارف الجدران و نحوها من الأشخاص القائمة على سطح الافق، و هي أكثر ارتفاعا عن مفروض ابن الهيثم، فالافق العرفي يكون تحت الافق الحقيقي بكثير.

و تلخّص ممّا ذكرنا إشكالان:

أحدهما: أنّ المعتبر في الطلوع و الغروب ليس الافق الحسيّ، بل المعتبر هو الترسيّ، و هو تحت الحقيقيّ كما عرفت، فالغروب الّذي هو المعتبر عند القائل به بعد الحقيقي.

و ثانيهما: أنّ الشمس تظهر للأبصار قبل وصولها إلى الافق الحسّي أيضا بانكسار الشعاع، و إذا اعتبرت الأمرين معا و عرفت ما نذكره قريبا في الافق العرفيّ يظهر لك أنّ الشمس تغيب عن الأبصار بعد تجاوزها عن الافق الحقيقيّ بكثير، و تظهر لها قبله كذلك.

و ما أجاب به في الذخيرة عن هذا الوجه بأنّ التفاوت بين افقى الحقيقيّ و الحسيّ مقدار دقيقة، فلا يناسب اعتبار زوال الحمرة الّذي هو أكثر منه بكثير (1).

ففيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، لأنّه إن أراد بالتفاوت المدرك بالحسّ و آلات الرصد فقد عرفت عدم التفاوت أصلا، و إن أراد المدرك بالحساب فهو يقرب من ثلاث دقائق، و إن أراد الزمان الّذي يقع بين الغروبين فقد عرفت أنّه لا يبلغ ربع دقيقة، و مع ذلك فاستبعاده في محلّه.

و دفعه الماتن بعدم القول بالفصل- و فيه ما لا يخفى- و بأنّه قدر غير منضبط مجهول لا يمكن إحالة المكلّفين عليه (2) و ضعفه ظاهر، إذ الدقيقة و نحوها على أنّها ممّا تحدّ بها الأشياء فلا تحد، كان من الممكن تحديدها بأشياء كثيرة أقرب إلى الواقع، و أولى بمراعات حال


1- ذخيرة الأحكام: 193.
2- جواهر الكلام 7: 117.

ص: 404

المكلّفين في الصيام، و دركهم فضل أوّل الوقت في الصلاة كما هو ظاهر.

و بالجملة، جميع ما ذكرنا ليس ممّا يخفى على الشهيد قدّس سرّه، و الاعتراف بعدم وصول الفكر القاصر إلى فهم مراده أولى.

و من المحتمل أن لا يكون مراده قدّس سرّه بالافق الحقيقي المعنى المصطلح، بل يكون المراد به العرفي، و عدم كونه مرئيّا لنا بواسطة وجود الأشياء الحائلة بين الناظر و الافق غالبا.

و هذا و إن كان بعيدا من أوّل كلامه، و لكن ربّما يقرّبه آخر كلامه لا سيّما في الروض، حيث علّل خفاء الافق بارتفاع الأرض و الماء (1).

و في بعض النسخ: «البناء» بدل «الماء» و هو أوضح دلالة على ذلك لو صحّت النسخة.

و يقرّبه ما ذكره في أمر الطلوع، فإنّه من المستعبد جدّا أن يقول مثله بكون الصبح قضاء مثلا قبل بروز الشمس للعين.

و كذلك ما نقله من أمر المقياس، فإنّك قد عرفت كون الافق العرفي تحت الافق الحقيقي قطعا، فكيف يصنع أهل الميقات مقياسا على خلاف ذلك؟ فمثل هذا ممتنع منعه، بخلاف المقياس الدالّ على طلوع الشمس، و بروزها للعين، فإنّه في غاية السهولة. و اللّه أعلم.

و أمّا المؤاخذة العامّة: فهي أنّ الأحكام الشرعيّة متى كانت تابعة للمصطلحات العلميّة؟

بل عهدنا بها و هي تابعة للموضوعات العرفيّة.

و الافق الحقيقي دائرة توهّم أهل العلم رسمها من فرض بصر في جوف الأرض ملاصق لمركزها، و إدارته دورة تامّة حتّى تحدث دائرة عظيمة منصفة للأرض و الأفلاك جميعا، و أين ذلك من موضوعات الأحكام؟

ثمّ إنّ الماتن في كتابه الكبير عند بيان موافقة أخبار الحمرة للاعتبار قال:

«ضرورة عدم بقاء الحمرة المشرقيّة مع فرض سقوط القرص عن الافق؛ لأنّه إن كان يبقى للشمس شعاع بعد سقوطها عن الافق فهو في مقابلها من جهة الغرب».

و هذا كما تراه من المصادرات الواضحة الفساد.


1- روض الجنان 2: 486.

ص: 405

ثمّ قال:

«و احتمال أنّ العبرة بسقوطها عن افق الناظر لا عن تمام الافق مقطوع بعدمه، خصوصا بعد قوله عليه السّلام: فإنّها تغيب [من] عندكم قبل ما تغيب عندنا» (1) و قوله عليه السّلام: «فإنّها تغيب و من شرق الأرض و غربها» (2) على أنّ المنساق من الغروب سقوطها عن تمام الافق، و هو إنّما يكون متأخّرا عن خفائها عن العين بسبب اختلاف الأرض و كرويّة الماء، كما صرّح به في المقاصد العلّيّة»، انتهى.

و قد ذكر في هذه العبارة لفظ «تمام الافق» في موضعين، و كرّره أيضا في أوّل المسألة و آخرها، و لا أدري ما ذا يريد بتمام الافق، و هو غير جار على الاصطلاح العلمي.

و الظاهر بقرينة استشهاده بالروايتين أنّه يريد به تمام الآفاق، و يزعم أنّ الشمس تغيب عن جميع الآفاق بعد زوال الحمرة. و يؤيّده أنّه يمنع كرويّة الأرض- كما صرّح به في كتاب الصوم (3) على ما ببالي- بتحقّق الغروب دفعة، فلا وجه لاعتبار الحمرة، و لو سلّمنا ذلك و لم نقل بكرويّة الأرض- الّتي قام عليها من البراهين ما أخرجها عن عداد النظريّات، و ألحقها بالبديهيّات- و قلنا: إنّها سطح مستو، لكان لازم ذلك تحقّق الغروب في جميع الأرض دفعة واحدة، فلا وجه أيضا لاعتبار الحمرة.

و لكنّ المستفاد من لفظ التمام في آخر كلامه بقرينة التعليل الّذي ذكره و الاستشهاد بعبارة المقاصد لا يناسب هذا المعنى من التمام. و بالجملة، فهو من غريب الكلام، و لم يظهر لنا مراده منه.

الوجه السادس: أنّ زوال الحمرة علامة لغروب الشمس، و التعبير بالعلامة هو المتعارف في كلام الفاضلين و غيرهم.

فإن أرادوا بذلك كونه علامة للغروب في غير افق المصلّي بالمعنى الّذي مرّت إليه


1- وسائل الشيعة 4: 176 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 13.
2- جواهر الكلام 7: 117- 116.
3- جواهر الكلام 16: 361 قال: لكنّه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون، إمّا لعدم كرويّة الأرض بل هي مسطحة، فلا تختلف المطالع حينئذ ....

ص: 406

الإشارة و يأتي التفصيل فيه فلا بدّ أن يرجع إلى أحد الوجوه المتقدّمة، و قد عرفت ضعفها.

و إن أرادوا أنّه علامة على الغروب العرفي في افق المصلّي، و أرادوا بالعلامة ما يراد بها في سائر الموارد من كونها مرجعا للشّاك، و أنّ بمراعاتها يحصل القطع بالوقت الّذي هو الغروب العرفي، فهو حقّ لا شكّ فيه، و يدلّ عليه البرهان و الاعتبار، و غير واحد من الأخبار، و هو مسلّم لا ينازع فيه أحد.

و إن أرادوا بها لزوم مراعاتها حتّى في صورة حصول العلم قبله فهو مستلزم لإناطة الحكم بها ابتداء، فيخرج عن كونه علامة، و يكون هو الوقت حقيقة، إذا لا معنى للعلامة إلّا ما يحصل بمراعاته العلم بوجود ذيها.

و بالجملة، اعتبار العلامة حتّى في هذه الصورة مناف لمعنى العلامة، و مستلزم لإناطة الحكم به ابتداء، فحينئذ يناقض التحديد بالغروب، و لا بدّ في دفعه من الالتزام بعدم كون المراد من الغروب الغروب العرفي عن افق المصلّي، و التمسّك بأحد الوجوه المتقدّمة الّتي عرفت الحال فيها.

ثمّ إنّ الماتن بعد ما نقل عبارة عن الرياض في الفرق بين الحمرة المشرقيّة و المغربيّة قبل الطلوع قال: «و هو جيّد لو لا ظهور النصوص و الفتاوى في كون الحمرة علامة للغروب نفسه لا يقينه» (1).

و لا أعرف محصّلا لهذا الكلام، إذ العلامة في جميع الموارد لها معنى واحد، و هي دائما تكون للشي ء المتعلّق به الحكم، و الإلزام بمراعاتها يكون لليقين به، و لا يبعد أن يكون مراده بقرينة المقام- و إن لم يساعده اللفظ- أنّ الحمرة مقارنة للغروب المعتبر شرعا، لا أنّ زوالها موجب للعلم بالغروب الحاصلة قبله، فليلاحظ.

و بالجملة، هذا ما وصل إليه النظر في دفع هذه المناقضة، و قد عرفت أنّ الجميع بين ما هو فاسد قطعا، أو ضعيف جدّا، فإذا فالأولى بمن يقول بمقالة المشهور أن لا يجمع بين العبارتين، و يقطع بعدم إمكان دفع الاختلاف على مذهبه من البين، و يطرح ناحية عنه هذه


1- جواهر الكلام 7: 120.

ص: 407

التعلّلات، و يصرّح بمنع الإجماع، و تعارض الأخبار، و يسعى في طلب المرجّحات القويّة، و كأنّي به و قد خانته المرجّحات القويّة، و لم يبق معه إلّا الضعيفان: الشهرة، و الحمل على التقيّة، و ستعرف منع الأوّل، و الكلام في الثاني قريبا.

ثمّ إنّ كثيرا من معتبري زوال الحمرة قسّموا الأخبار الدالّة على القول الآخر إلى قسمين، فاعترفوا بدلالة قسم منها على هذا القول، و هي الدالّة على التوقيت بعدم رؤية القرص و نحوها، و جعلوا القسم الآخر غير مناف لمذهبهم، بل قال الماتن: «إنّها في الحقيقة لنا، لا علينا» (1)، و هو ما دلّ على التوقيت بغيبوبة القرص و نحوها.

و الّذي أراه عدم الفرق بين هذين القسمين، فإنّ غروب الشمس معناه الظاهر العرفي مرادف لعدم رؤيتها، و سقوطها، و نحو ذلك، و لا يشكّ فيه أحد من أهل العرف، و لا زالت العرب تستعمل لفظ الغروب بهذا المعنى من قديم الزمان قبل ظهور الإسلام إلى هذا الزمان، بل و كذلك أهل بقيّة اللغات يستعملون مرادف هذا اللفظ على اختلاف لغاتهم، و لا يريدون به إلّا ما ذكرناه، و لا يكاد يشكّ أحد منهم في معناه إذا سمعه، و هذه الألفاظ في مرتبة واحدة من الظهور في معنى واحد.

و الاحتمالات المتقدّمة يمكن إجرائها في القسم الأوّل أيضا، فيقال مثلا: إنّ قوله عليه السّلام: «إذا نظرت إليه و لم تره» مجمل من حيث مكان الناظر، فلعلّ المراد كونه في بلد آخر، أو في مكان مرتفع عن سطح الأرض، و نحو ذلك.

فإن كان مثل هذا الاحتمال هو الظاهر من اللفظ فالجميع لهم لا عليهم، و إلّا فلا.

و أعجب من ذلك كلام شيخنا الفقيه في المصباح بعد ما نقل المناقشة في دلالة الأخبار الدالّة على التحديد بغروب القرص بأنّ غيبوبة القرص و غروب الشمس و نحو ذلك من العبائر مجملة قابلة للحمل على كلا القولين قال:

«و فيه ما لا يخفى، فإنّ إنكار ظهور مثل هذه الروايات في القول المذكور مجازفة محضة، بل المتبادر من غروب الشمس الّذي ورد به التحديد في الأخبار أيضا ليس إلّا استتار قرصها في الأفق.


1- جواهر الكلام 7: 118.

ص: 408

نعم، حمل الأخبار الّتي ورد فيها التحديد بالغروب على ما يطابق المشهور توجيه قريب، بخلاف الأخبار الّتي وقع التعبير فيها بغيبوبة القرص الّتي هي عبارة اخرى عن استتاره عن العين، فإنّ تطبيقها على مذهب المشهور تأويل بعيد (1)، انتهى.

و ممّا تقدّم يظهر ما فيه، على أنّه في أوّل كلامه اعترف بأنّ المتبادر من غروب الشمس استتار القرص، و أنّ انكاره مجازفة، و في آخر كلامه فصّل بين لفظ الغروب و الاستتار، فجعل التوجيه في الأوّل قريبا، و في الثاني بعيدا، و ذلك لا تخلو عن تهافت، فتأمّل عسى أن تجد به سبيلا إلى دفعه.

و قد ظهر ممّا ذكرنا الحال لمن أراد قصد السبيل، و في هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل.

و إن أردت الزيادة على ذلك و تحرير المسألة على النهج المعروف فاعلم أنّ المنسوب إلى مشهور الأصحاب عدم انتهاء وقت العصر و عدم دخول وقت المغرب إلّا بزوال الحمرة المشرقيّة، و مذهب جمع كثير من الأصحاب انتهاء وقت الاولى، و دخول وقت الثانية بغروب الشمس، و الظاهر أنّه المشهور عند قدماء الأصحاب.

و المتأخّرون قد تكلّفوا في تأويل عبائر جماعة منهم حتّى أرجعوها إلى القول الأوّل، تكلّفهم في الأخبار المتقدّمة، و أشدّهم إصرارا على ذلك الماتن حتّى أنّه لم يبق بزعمه أحدا سوى الصدوق في العلل، ثمّ قال: «و لا تحضرني عبارته [فيها] و ليس النقل كالعيان» (2). و نحن قد حضرتنا العبارة، فلنقدّمها إليه ليرى فيها رأيه.

قال الصدوق في العلل:

«باب العلّة الّتي من أجلها صار وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»، و أورد أوّلا الخبر المشتمل على التعليل بالإطلال، ثمّ أورد عدّة روايات تشتمل على التحديد بالغروب،

ثمّ قال:

«قال محمّد بن عليّ مؤلّف هذا الكتاب: إنّما أوردت هذه الأخبار على أثر الخبر الّذي في أوّل الباب، لأنّ الخبر الأوّل احتجت إليه في هذا المكان، لما فيه من ذكر العلّة، و ليس


1- مصباح الفقيه 9: 145- 146.
2- جواهر الكلام 7: 110.

ص: 409

هو الّذي أقصده من الأخبار الّتي رويتها في هذا المعنى، فأوردت ما أقصده و أستعمله و أفتي به على أثره، ليعلم ما أقصده من ذلك» (1)، انتهى.

فإن كانت الشهرة الّتي هي عمدة المستند لمعتبري زوال الحمرة تتمّ بمثل التأويلات الّتي ارتكبوها في باقي عبائر الأصحاب فمن اللازم أن يؤوّلوا هذه أيضا ليتمّ لهم دعوى الإجماع، و ليس تأويلها أصعب من تأويل باقى العبائر، و إن كانت الألفاظ لا تكلّف إلّا ما في وسعها من المعاني، فجميع تلك العبائر بعد ظاهرة، بل صريحة في خلاف مقالتهم.

و لو لا محذور الإطالة، و ما يورثها للسامع من الملالة لنقلنا تلك العبائر بنصوصها، و زيّنّا الأوراق بفصوصها، و لكن نكتفي منها بكلام شيخ الطائفة في المبسوط، قال قدّس سرّه: «إذا غابت الشمس عن العين علم غروبها، و في أصحابنا من يعتبر زوال الحمرة، و هو أحوط» (2).

و زعم الماتن أنّها غير صريحة في خلاف مقالته، و قال: «بل لعلّها إلى المشهور أقرب»، و لم يذكر له وجها إلّا أنّه قال بعد ذلك: «خصوصا إن قلنا: إنّ الاحتياط في عبارته للوجوب» (3)، انتهى.

و الشيخ قدّس سرّه صرّح في هذا الكلام بحصول العلم بالغروب بالغيبوبة عن العين الّتي اعترفوا بصراحتها في خلاف مقالتهم، و جعل حصول العلم منوطا بها، لا بغيرها، فسدّ بما عبّر به عن رأيه السديد جميع طرق التكلّف على المؤوّلين، فكيف ينكر الماتن صراحتها؟ ثمّ جعل القول الآخر مقابلا لهذا القول الّذي اختاره، فكيف يدّعي مع ذلك كونه أقرب إلى القول المشهور؟ و الاحتياط في كلامه للوجوب كان أو غيره لا يصلح ذلك، كما لا يخفى على المتأمّل.

و على هذه فقس سائر العبائر، و تأمّل في ما صنعوا بها حتّى تمّ لهم هذا الدعوى.


1- علل الشرائع 2: 142.
2- المبسوط 1: 74.
3- جواهر الكلام 7: 110.

ص: 410

ثمّ إنّ لهم مسامحة أخرى في كلمات الباقين، لأنّهم نسبوا القول باعتبار الحمرة إلى كلّ من ذكر أنّها علامة للغروب، أو أنّ الغروب يعرف بها.

و قد عرفت أنّ كونها علامة لذلك ممّا لا شكّ فيه، و لا ينازع فيه أحد، و الأخبار المعتضدة بصحيح الاعتبار دالّة عليه، و أين ذلك ممّا حاولوه من عدم دخول الوقت إلّا بزوالها؟ فإنّ هذه العبائر غير ظاهرة في ذلك، بل بما تقدّم في معنى العلامة يظهر للمنصف أنّها ظاهرة في القول الآخر، و حينئذ تنعكس هذه الشهرة، و ينحصر الخلاف من المتقدّمين بقليل منهم، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدّمة.

و يرشد إلى ذلك ما وقع في كلام غير واحد منهم من قولهم: «يعرف الزوال بزيادة الظلّ، و الغروب بذهاب الحمرة المشرقيّة»، و هذا مع ظهور لفظ «يعرف» في العلامة بالمعنى الّذي عرفت يجعله اتّحاد السياق مع الظلّ كالصريح في ذلك، إذ لا شكّ في أنّ زيادة الظلّ علامة صرفة لا يجب انتظارها، و أنّه يجوز أداء الظهر قبل استبانتها إن علم الزوال بطريق آخر.

و احتمال الماتن خلاف ذلك ستعرف أنّه من متفرّداته، و التكلّف في جعل المراد من زيادة الظلّ الأعمّ من المحسوس و غير المحسوس فيه من الضعف ما لا يخفى.

و بالجملة، فالمتّبع الدليل، و الأخبار الدالّة على الغروب غير محتاجة إلى النقل، لكثرتها و تواترها، و هي أضعاف ما ذكره صاحب الوسائل في المقام، و ما تداول نقله في كتب الفروع، و المتتبّع يجدها متفرّقة في تضاعيف الأبواب من كتب الحديث.

و أمّا دلالتها: فقد عرفت الكلام فيها، و معتبر الحمرة لا كلام له فيها إلّا دعوى الإجمال في بعضها- و قد عرفت الجواب عن ذلك مفصّلا- و حمل البقيّة على التقيّة، أو تضعيفها بإعراض المشهور، و على ما فيهما من العلات قد عرفت منع الثاني، و ستعرف الكلام في الأوّل.

و أمّا المستند في القول الآخر فهي أخبار قليلة ضعاف أكثرها في الأسناد، و كثير منها مجمل، لا يعرف منها المراد، و هي مع ذلك مختلفة المفاد، و جميع ذلك ظاهر لدى القائلين

ص: 411

بهذا القول، «و ما قلت إلّا بالّذي علمت سعد» (1).

و من الطريف أنّ الماتن علم قلّتها، و أنف من التصريح بعددها من مقابلة تلك الأخبار الكثيرة، فعبّر عن عددها بما يشبه الأحجيّة، فقال: «إنّه لا يخفى على من لاحظ الوافي و الوسائل في المقام و في الحجّ و الصوم بلوغها إلى أوّل عقود الأعداد أو أزيد».

و عرف ضعف أسانيد أكثرها، فقنع بقوله: «و فيها الصحيح أو الموثّق» (2)، و بقي عليه الاعتذار عن اختلاف المفاد، و لعلّه يقنع بمجرّد توهّم المخالفة لهذا القول و إن خالفت القول الآخر أيضا.

و تلك الأخبار على قسمين:

قسم منها يشتمل على ذكر الحمرة.

و قسم منها لا ذكر فيها للحمرة أصلا، و إنّما أرادوا استفادة اعتبارها منها بضروب من التوجيهات.

[الأخبار التي استدل بها المشهور]
أمّا القسم الأوّل: [ما يشتمل على ذكر الحمرة]

فمنها (3) ما رواه في الكافي بسند فيه سهل بن زيادة، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة، و تتفقّد الحمرة الّتي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (4).


1- صدره: «و تعذلني أبناء سعد عليهم» و البيت للحطيئة، راجع: أمالي المرتضى 4: 199.
2- جواهر الكلام 7: 111.
3- هامش هذا الموضع من النسخة الخطيّة مزيّن بتعليقة. بخطّ العلّامة الفقيه المحقّق الحاج آقا رحيم الأرباب قدّس سرّه و هي هذه: قال في الوافي: «باب أنّ علامة تمام استتار القرص ذهاب الحمرة من المشرق» و ذكر هذا الحديث. و الّذي يترجّح عندي بحسب ما يقتضيه السياق تصحيف الفرض بالقرص، أي وقت سقوط الصيام و وجوب الإفطار مجاوزة الحمرة قمّة الرأس، فإذا جازت فقد وجب الإفطار و سقط التكليف بالإمساك. «رحيم» وفّقه اللّه.
4- وسائل الشيعة 4: 173- 174 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 4.

ص: 412

و ما رواه الشيخان بعدّة أسانيد، في الجميع: القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب- يعني من المشرق- فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» (1).

و ما رواه في الكافي عن عليّ بن أشيم- و هو مجهول، و في المعتبر: إنّه ضعيف (2)- عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدرى كيف ذلك؟» قلت: لا، قال: «لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا، و رفع يمينه فوق يساره، فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا» (3).

و ما رواه بطريق فيه عليّ بن يعقوب، عن عمّار الساباطي- و الكلام فيه مشهور- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة الّتي من ناحية المغرب، و كان لا يصلّي حين يغيب الشفق» (4).

و ما رواه بطريق فيه سليمان بن داود- فإن كان المنقريّ فهو مختلف فيه، و إن كان غيره فهو مجهول- عن عبد اللّه ابن وضّاح قال: كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام: يتواري القرص و يقبل الليل ثمّ يزيد الليل ارتفاعا، و تستتر عنّا الشمس، و ترتفع فوق الجبل حمرة، و يؤذّن عندنا المؤذّنون، أ فأصلّي حينئذ و افطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة؟ فكتب إليّ: «أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة، و تأخذ بالحائطة لدينك» (5).

و موثّقتا يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في وقت الإفاضة من عرفات، في إحداهما قوله عليه السّلام: «إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب المشرقي». و في الاخرى قوله عليه السّلام:


1- وسائل الشيعة 4: 172 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 1.
2- المعتبر 2: 52.
3- وسائل الشيعة 4: 173 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 3.
4- وسائل الشيعة 4: 175- 176 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 10.
5- وسائل الشيعة 4: 176- 177 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 14 و فيه: و ترتفع فوق الليل.

ص: 413

«إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» (1) و أشار بيده إلى المشرق و إلى مطلع الشمس؛ و الظاهر اتّحادهما.

و منها: خبر محمّد بن شريح- و لا يحضرني الآن حال إسناده- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن وقت المغرب؟ فقال: «إذا تغيّرت الحمرة [في الافق]، و ذهبت الصفرة، و قبل أن تشتبك النجوم» (2).

و الجواب عن الجميع إجمالا سوى ما تعرف ما في متون أكثرها، أنّ هذه الروايات لا تدلّ إلّا على أنّ زوال الحمرة علامة للغروب، و هذا ممّا لا ننكره كما تقدّم، و بعض هذه الأخبار ظاهر في ذلك كالأوّلين، إذ جعل فيه ذهاب الحمرة وقتا لسقوط القرص.

و ظهور الثاني في ذلك غير محتاج إلى البيان، بل الخبر الثالث أيضا بناء على كون المتبادر من وقت المغرب مغرب الشمس لا صلاة المغرب، و هو الظاهر، إذ الثاني لا يتمّ إلّا بتقدير لفظ الصلاة و نحوه، و هو خلاف الأصل.

بل الخامس أيضا لما فيه من الاحتياط الظاهر في كون مراعاتها موجبة لحصول العلم، لا لعدم كون ما قبلها وقتا، إذ من الواضح أنّه لا يقال: لا تصلّ الظهر قبل الزوال و خذ الحائطة لدينك.

و هذا كلّه بناء على كون المراد من الحمرة فيه هي المشرقيّة، و إلّا فالرواية أجنبيّة عن المقام، و ستعرف الكلام فيه مفصّلا عند التعرّض لآحاد هذه الأخبار.

فهذه الروايات تكون شاهدة لهذا الجمع الّذي ذكرناه بين جميع أخبار الدالّة على الحمرة و الأخبار الدالّة على الغروب، فتحمل بقيّة الأخبار عليه.

على أنّ هذا الجمع مصرّح به في ما رواه القاضي في الدعائم عن جعفر ابن محمّد، عن آبائه عليهم السّلام: «إنّ أوّل وقت المغرب غياب الشمس، و هو أن يتواري القرص في افق المغرب


1- وسائل الشيعة 13: 557 الباب (22) من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة ح 3.
2- وسائل الشيعة 4: 176 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 12.

ص: 414

بغير مانع، من حاجز يحجز دون الافق، مثل جبل أو حائط أو غير ذلك، فإذا غاب القرص فذلك أوّل [وقت] صلاة المغرب، و [علامة سقوط القرص] إن حال حائل دون الافق أن يسودّ افق المشرق، و كذلك قال جعفر بن محمّد عليه السّلام» (1)

و كتاب الدعائم من أصحّ الكتب و أتقنها، و أخبارها لا تقصر عن مراسيل الكافي، بل تزيد على أخبار الكافي في إتقان ضبط ألفاظ الروايات، و كم من رواية معضلة مضطربة المتن في الكافي زال عنها الإعضال بمراجعة الدعائم، و تحقّق بذلك عندنا صحّة ما حدس به بعض مشايخنا- دام ظلّه- من أنّ نسخ الاصول الّتي كانت عند القاضي كانت أصحّ من الّتي كانت عند ثقة الإسلام.

و أمّا جلالة قدر مؤلّفه و كونه من أعاظم الطائفة فهو أمر لا ريب فيه، و من أراد التفصيل فليرجع إلى ما ذكره شيخنا قدّس سرّه في مستدرك الوسائل (2).

و ما ذكره المجلسي من أنّ هذا الجمع من صاحب الكتاب، و أنّ الأولى حمل أخبار زوال الحمرة على الاستحباب (3) واضح الضعف بعد تصريح مؤلّفه بخلاف ذلك في موضعين في أوّل الخبر و آخره، و لو فتح باب هذا الاحتمال لانسدّ باب الاستدلال بكثير من الأخبار.

و أيضا حمله هذه الأخبار على الاستحباب واضح الضعف، بل لا وجه له، نعم، ذلك حسن في بعض الأخبار الآتية في القسم الثاني كما ستعرف.

و أيضا ذكر صاحب كتاب فقه الرضا عليه السّلام: «إنّ أوّل وقت المغرب- سقوط القرص، و علامة سقوطه أن يسودّ افق المشرق» (4).

و قال في موضع آخر: «و الدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق، و في الغيم سواد المحاجر» (5).

و العبارتان ظاهرتان في ما قلنا بالتقرير الّذي عرفت، و قد زاد في الثانية علامة اخرى


1- دعائم الإسلام 1: 138.
2- مستدرك الوسائل، الخاتمة 1: 159- 128.
3- بحار الأنوار 80: 71- 70.
4- فقه الرضا عليه السّلام: 73.
5- فقه الرضا عليه السّلام: 104.

ص: 415

للغروب يرجع إليها عند عدم التمكّن من استعلام حال الحمرة.

و قال الماتن في كتابه الكبير بعد نقل العبارة:

«قيل: و أراد بسواد المهاجر سواد الافق أعلاه و أسفله مع سائر جوانبه، من حيث إنّ ذلك إنّما يكون بزوال الحمرة من جانب المشرق بالكلّيّة» (1)، انتهى.

و لفظ المهاجر لم يتحرر عندي بعد ضبطه، و لا أعرف معناه، و هو في بعض النسخ بالهاء، و في بعضها بالحاء، و لكن ما ذكره في تفسيره موجود في الحدائق (2)، و ما ذكره بعد ذلك لا أدري هل هو من كلامه، أو من بقيّة الكلام الّذي نقله؟

و على أيّ حال فصاحب هذا الكلام قد غفل عن مرام صاحب الكتاب، لأنّ صريحه ذكر علامة للصحو، و علامة اخرى للغيم، و هذا القائل أراد تطبيق علامة الغيم على علامة الصحو، فقال ما قال.

و اعلم أنّ هذا الكتاب عندنا من الوهن بمرتبة لا نرضى أن ينسب إلى من يعرف واضحات النحو و ضروريّات الفقه، لكثرة ما فيها من الأغلاط الشنيعة، و المخالفة لضروريّات مذهب الشيعة.

و قد كتب بعض العلماء الأعاظم من الأرحام (3) رسالة في إثبات كونه كتاب التكليف للشلمغانى، و استدلّ على ذلك بوجوه لطيفة لم يسبقه إليها أحد في ما أعلم.

و هو حسن لو لا أنّ مرتبة الشلمغانى في العلم أجلّ من هذا الكتاب، و إن كان فاسد المذهب.

و لكنّ أكثر المتأخّرين القائلين باعتبار الحمرة إمّا قائل باعتباره (4)، أو معترف بأنّه من المؤيّدات القويّة إذا وافق رواية اخرى، فتصريحه في موضعين بما ادّعيناه حجّة إلزاميّة.

و لا ينافي ما ذكره أيضا صاحب هذا الكتاب من قوله: «و قد كثرت الروايات في وقت


1- جواهر الكلام 7: 114.
2- الحدائق الناظرة 6: 195.
3- هو العلّامة آية اللّه السيّد حسن الصدر الكاظمي قدّس سرّه، و كتابه «فصل القضاء في عدم حجيّة فقه الرضا عليه السّلام» مطبوع في العدد (10) من مجلّة «علوم الحديث».
4- الضمير عائد إلى كتاب فقه الرضا عليه السّلام.

ص: 416

المغرب و سقوط القرص، و العمل من ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس» (1). فإنّ الظاهر أنّه من كلام صاحب الكتاب، و قد نشأ من عجزه من الجمع بين الروايات، فلا ينافي ما ذكره أوّلا لو كان رواية.

على أنّ مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد خارجي، بل نفس صدورها مع صدور أخبار الغروب كاف في ذلك، و الفهم العرفي أعدل شاهد عليه، كما كان يقوله بعض مشايخنا، و صدق في ذلك، فإنّ من سمع أنّ وقت الانصراف من باب الأمير إذا نام، ثمّ سمع هذا القائل يقول: «وقت الانصراف إذا خرج غلامه من محلّ نومه»، لا يشكّ في أنّ الأوّل هو الوقت، و أنّ الثاني علامة لمعرفته، و لا يرى بين الكلامين منافاة، و لا تحدثه نفسه بأنّ الثاني مبيّن لأنّ المراد من النوم ليس معناه الظاهر؟ أو أنّ المراد منه استغراقه في النوم الّذي لا يكون إلّا بعد مدّة، أو أنّه النوم الّذي يرى فيه أنهارا دافقة، و نخيلا باسقة.

و هذا ظاهر لدى كلّ منصف راجع العرف في المقام لدى هذا المثال و امثاله، و المقام أوضح منه، إذ عمدة أخبار الحمرة فيها التصريح بالوقتين معا، بل جعل الثاني علامة للأوّل- كما في الخبرين الأوّلين- فهذه الأخبار بمنزلة لو قيل: «وقت منام الأمير و جواز الانصراف أن يخرج غلامه».

فظهر لدى ذي الانصاف أنّ هذه الأخبار نحن بالاستدلال بها أجدر، و هي في ما نقوله أظهر، و أيّ فرق بين قول الصادق عليه السّلام في خبر عليّ بن حمزة: «إذا زاد الظلّ فقد زالت الشمس» و بين قوله في رواية بريد المتقدّمة: «إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس».

و من بارد الاعتراض قول بعض أهل العصر: «إنّ العلامة لا بدّ أن تكون مقارنة لذي العلامة»، فكأنّه لم يسمع قولهم: «إذا نزل الثلج فقد دخل الشتاء، و إذا غرّد الهزار فقد اعتدل الهواء»، و لم يلتفت إلى أنّ المقدار الّذي بين الزوال و الزيادة المحسوسة للظلّ- لا سيّما في بعض البلاد و الفصول- أزيد بكثير ممّا بين الغروب و ذهاب الحمرة، على أنّ لمعرفة الزوال طرق


1- فقه الرضا عليه السّلام 104.

ص: 417

اخرى أقرب إلى الزوال منها زمانا، و الطريق القطعي القريب إلى الغروب مع خفاء مغيب الشمس منحصرة بذهاب الحمرة في تلك الأزمنة.

و ربّما يتوهّم أنّ الغروب لمّا كان أمرا وجدانيا لا يحتاج إلى ذكر العلامة، و يجعل ذلك قرينة على صرف لفظ الغروب عن ظاهره.

و ليس كذلك، فإنّ هذه العلامة يحتاجها أكثر الناس في أكثر الاوقات، لأنّ الافق محجوب عمّن كان في البراري المحفوفة بالجبال، و عن الّذي يكون في البلاد إلّا في فرض نادر، و هو أن يكون على سطح مشرف على الافق، و لا يكون بينه و بين الافق حائل من الجدران العالية و الجبال و التلال، و مع ذلك فلا يستغني هو و من في البراري المنكشفة عنها كثيرا إن لم يكن غالبا.

و ذلك لأنّ الافق كثيرا ما يشتمل على القيوم المتكاثفة في نصف السنة تقريبا، و على الأبخرة و الأجزاء الأرضيّة الّتي تحملها الرياح العاصفة إليه في النصف الآخر، و الافق الغربي معرض للغيوم و نحوها أكثر من الشرقي- لنكتة ليس هنا محلّ ذكرها، و من شاء عرف ذلك بالتجربة- و الحمرة لارتفاعها عن الافق لا تمنع عن رؤيتها هذه الموانع غالبا، فكان بيانهم لها من أهمّ الامور لا سيّما لكثير من الناس الغافلين عن أنّ ذلك مقتضى الاعتبار.

بقي الكلام على امور تتعلّق بآحاد الروايات:

منها: أنّ الرواية الاولى الّتي هي أحسن روايات هذا الباب و عليها عمل القائلين بذهاب الحمرة قد اشتملت على تجاوز الحمرة عن سمت الرأس، و هو مخالف للوجدان و البرهان معا.

أمّا الأوّل: فظاهر لدى كلّ من تفقّدها، فإنّ الافق من جميع جوانبه يحمرّ عند غروب الشمس، و بعد الغروب لا تزال الحمرة ترتفع عن الافق، لا بنسبة واحدة، بل يكون ارتفاعها عن مقابل مغيب الشمس و أطرافه أسرع و أكثر، و لا تزال ترتفع عن الافق قيد رمح تقريبا، ثمّ يقلّ احمرارها، و لا تزال كذلك حتّى تضمحلّ بالكلّيّة.

و أمّا البرهان: فإنّ السبب في حدوثها هو انعكاس الشمس في أبخرة الافق، و إذا بعدت

ص: 418

عن مقابلة الافق و حواليه لا يقع من الشعاع البصري في كرة البخار مقدار صالح لحدوث الحمرة.

و تقرير هذا البرهان نظير ما ذكره أهل العلم في بيان السبب الّذي يرى الكوكب- و هو الافق- أعظم ممّا يرى و هو في سمت الرأس، مع أنّه في الأوّل أبعد عن موضع الناظر، و بيانه موجب للخروج عن مقتضى المقام، فليطلبه من شاء من محالّه.

و بالجملة، مخالفة الرواية للوجدان كاشفة عن أحد أمرين:

إمّا عدم صدورها، و إمّا كون المراد منها غير ظاهرها، فيجب ردّها إليهم عليهم السّلام.

ثمّ إنّ اشتمالها على الأمر بالوقوف بحذاء القبلة لم يظهر لنا وجه له، إلّا أن يحمل على البلاد الّتي قبلتها جهة المشرق، و هو بعيد.

و أحسن منه أن يقال: إنّ الشمس لمّا كانت جنوبيّة في غالب البلدان المعمورة فالحمرة تكون بين المشرق و الجنوب، و لذلك يكون تفقّدها لمستقبل القبلة في البلاد الّتي قبلتها طرف الجنوب أسهل.

و منها: أنّ الرواية الثانية مشتملة على غروب الشمس من شرق الأرض و غربها بزوال الحمرة، و هذا أيضا مخالف للوجدان و البرهان معا، و حملها على الغروب من بعض الآفاق دون بعض تحكّم، و قد عرفت فساد ذلك.

و قد روى الشيخ في التهذيب هذه الرواية بعد نقلها كما تقدّم عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية أيضا، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب- يعنى ناحية المشرق- فقد غربت الشمس في شرق الأرض» (1).

و لو صحّت النسخة فهذا أقرب إلى الاعتبار، لأنّ غروب الشمس عن بلد يستلزم غروبها عن الأماكن الشرقيّة عنه، و الروايتان متّحدتان قطعا، فلعلّ في النسخ الّتي فيها الزيادة تصحيف. و اللّه العالم.

و منها: أنّ الخبر الثالث مشتمل على إطلال المشرق على المغرب، و هو بظاهره مشكل.


1- تهذيب الأحكام 2: 31 ح 84 و فيه: فقد غابت الشمس من شرق الأرض.

ص: 419

قال في الوافي: «فإنّ المشرق ما ارتفع من الأرض، و المغرب ما انحطّ عنه» (1). و تفسير هذا الكلام أشكل من نفس الرواية، و لعلّ المراد فيها من المغرب هو الخطّ الفاصل بين قسمي الأرض، و المراد من المشرق ليس مثله في الطرف الآخر، بل من ذلك الخط إلى ارتفاع ما منه، و هو المشرق العرفي، فيصحّ الإطلال بهذا المعنى، فيكون الإطلال للمغرب على المشرق، و لكنّ الظاهر وقوع السقط في الثاني.

و منها: أنّ الخبر الخامس لا يخلو عن إجمال، و عدّها من أخبار الباب مبنيّ على كون الحمرة المذكورة فيه هي الحمرة المشرقيّة، و هو بعيد- كما اعترف به الشيخ قدّس سرّه في رسالة البراءة (2)- بل الظاهر أنّ المراد الحمرة الّتي تعلو المواضع العالية من انعكاس أشعّة الشمس عليها، و مورد السؤال الشكّ في غروب الشمس، و لهذه أمره بالاحتياط. و يكون المراد من تواري القرص استتاره عن نظر السائل، و لهذا قيّده بلفظ «عنّا»- كما في كثير من النسخ- و كرّره بقوله: «يستتر عنّا الشمس» الظاهر في ذلك، فإنّه عرفا يقال لتواري القرص بغير الغروب.

و مع هاتين القرينتين و قرينة اخرى كالجبل استقرب شيخنا الفقيه في المصباح كون المراد منها الحمرة هذه، و جعل غيرها احتمالا في غاية البعد عن سوق السؤال، بدعوى أنّ المقصود بذكر ارتفاع الحمرة كذكر ارتفاع الليل و سائر الفقرات المذكورة في السؤال ليس إلّا تاكيد ما ذكره أوّلا من مواراة القرص، فغرضه ليس إلّا الاستفهام عن أنّه هل تجوز الصلاة و الافطار عند مواراة القرص، أم يجب الانتظار إلى أن تذهب الحمرة الّتي يتعارف ارتفاعها بعد الغروب، و هي الحمرة المشرقيّة؟ (3) انتهى.

و فيه ما لا يحتاج إلى البيان، و هو قدّس سرّه أجلّ من أن يخفى عليه ذلك، و إنّما أوقعه في ذلك غلط وقع في نسخ الوسائل من تصحيف لفظ الجبل بالليل، و هو غلط قطعا، و كتب الحديث شاهدة بتلك، و لفظ «فوق الليل» كما في نسخ الوسائل عبارة ركيكة جدّا، و قد اعترف قدّس سرّه


1- كتاب الوافي 5: 266 و فيه: فإنّ المشرق ما ارتفع من الافق.
2- فرائد الاصول 2: 80.
3- مصباح الفقيه 9: 154.

ص: 420

بعد ذلك بعدم استبعاد ما ذكرناه لو كان متن الرواية «فوق الجبل» كما في بعض النسخ، و لكن ظنّ ذلك اختلاف نسخ الحديث. و قد عرفت أنّ سواه غلط وقع في الوسائل خاصّة، و لكن قال بعد ذلك: «و على هذا التقدير يدلّ على المطلوب أيضا كما لا يخفى» (1).

و قد خفي علينا وجه ذلك، إذ بعد تسليم كون المراد من الحمرة غير المشرقيّة تكون الرواية أجنبيّة عن المقام، فكيف تدلّ على مدّعاه؟ إلّا أن يزعم القطع باتّحاد المناط بين الحمرتين، أو الملازمة بينهما، و نحو ذلك ممّا هو واضح الضعف.

هذا، و لو كان المراد الحمرة المشرقيّة يتمّ الّذي ادّعيناه أيضا كما تقدّم، إذ زوال الحمرة علامة للغروب المشكوك حصوله في مفروض السؤال، و لهذا عبّر بالاحتياط.

و ما يقال من أنّ الاحتياط لازم في مفروض السؤال، لجريان استصحاب بقاء النهار و نحوه، و التعبير بمثل قوله: «أرى لك» يوهم الاستحباب، فقد كفانا الماتن مئونة الجواب عنه في كتابه الكبير (2)، على ما في بعضه ممّا لا يخفى على المتأمّل.

و بالجملة، فهذه الرواية على أظهر احتماليه أجنبيّة عن المقام، و على أبعدهما دليل لما اخترناه، و لكنّ المستدلّ بها على القول الآخر جعل مورد السؤال الحمرة المشرقيّة- و قد عرفت بعده- و جعل مفروضه العلم بغروب القرص، و ادّعى أنّ جهة السؤال الشكّ في الشبهة الحكميّة- و قد عرفت ما في ذلك- ثمّ اعتذر عن تعبير الإمام بالاحتياط بأنّه للتقيّة.

فهذا الاستدلال متوقّف على اختيار أبعد الاحتمالين من أبعد الاحتمالين أيضا، مع تكلّف دعوى التقيّة بمجرّد الاحتمال.

هذا حال معظم الأخبار الّتي استدلّوا بها على الحمرة، و قد عرفت ما هي عليه من ضعف الأسانيد، و الاختلال في المتون، و لو رفعنا النظر عمّا أوضحناه من المراد منها يشكل


1- مصباح الفقيه 9: 154.
2- جواهر الكلام 7: 114. و فيه: ضرورة أنّ قوله: «أرى» إلى آخره إمّا لعلمه بابتلاء السائل بها، أو لأنّه عليه السّلام اتّقى من الأمر به، لا للاحتياط، و إلّا فالإمام لا يأمر عند السؤال عن الحكم الشرعى بالاحتياط، إذ هو طريق الجاهل بالحكم لا الإمام عليه السّلام.

ص: 421

إثبات حكم مثل ذلك بأخبار حالها في الضعف سندا و متنا ما عرفت، و أحسنها جميعا موثّقة يونس، و اتّحاد حكمي الإفاضة من عرفات و الصلاة ممّا لا دليل عليه، و احتمال الفرق لا دافع له.

و لهذا كان بعض مشايخنا يستدلّ على اعتبار الحمرة بخبر ابن أبي عمير، و يجعل الموثّقة مؤيّدة لها، ثمّ الخبر الرابع. و لكن مجرّد أمره عليه السّلام أبا الخطّاب بتأخير المغرب عن زوال الحمرة لا يوجب عدم دخول الوقت قبلها من وجوه كما لا يخفى.

سلّمنا ظهور الجميع في الوقت بالمعنى الّذي أرادوا، و لكنّها لا تعارض الأخبار الدالّة على دخوله بالغروب، فقصاراها أنّ زوال الحمرة أوّل وقت ما، و لا ينفي ذلك عدم الوقت قبله مطلقا، كما مرّ مفصّلا في المقدّمات.

الطائفة الثانية من الأخبار الّتي استدلّ بها المشهور: [ما لم يشتمل على ذكر الحمرة]

منها: خبرا زرارة المشتملان على كون وقت افطار الصائم إذا بدت ثلاثة أنجم.

و هما كما ترى أجنبيّان عمّا نحن فيه، و إن قال الماتن في كتابه الكبير: «ضرورة مناسبته لذهاب الحمرة دون استتار القرص» (1)، و لو تمّ الاستدلال بهما كان دخول الوقت بأمر آخر غير ما قالوا.

و قلنا: إنّ ظهور ثلاثة من الكواكب ليس من الامور المقارنة لزوال الحمرة غالبا ليكون كناية عنها، إذ مع صفاء الجوّ و طلوع الكواكب الدريّة كالسعدين من السيّارات، و الشعرى و نحوها من الثوابت ترى قبل زوال الحمرة الثلاثة و أكثر، و مع عدمها و كدورة الجوّ لا ترى إلّا بعد زوالها بمدّة.

و في رواية أبان عن زرارة بعد قوله: «حتّى تبدو ثلاثة أنجم» قوله: «و هي تطلع مع غروب الشمس».

و الظاهر أنّ الجملة الأخيرة لبيان وجه كونها علامة، و أنّ ظهور ثلاثة أنجم مقارنة


1- جواهر الكلام 7: 112.

ص: 422

لغروب الشمس، لا أنّ المراد تقييد النجوم بخصوص الطالعة مع الغروب كما فهمه جماعة، إذ هو- مضافا إلى كونه بعيدا جدّا- لا تبدو إلّا بعد زوال الحمرة بمدّة طويلة، لوقوعها في أبخرة الافق المتكاثفة.

و لو صحّ لأهل هذا القول الاستدلال بها بدعوى ضرورة مناسبتها لزوال الحمرة لا استتار القرص صحّ لنا أن نستدلّ بالأخبار الواردة على ظهور كوكب واحد على مطلوبنا، و ندّعي الضرورة في مناسبته لذلك، كصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله سائل عن وقت المغرب؟ قال: «إنّ اللّه تعالى يقول [في كتابه] لإبراهيم فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي (1) فهذا أوّل الوقت» (2).

و ظهور كوكب واحد مع غروب الشمس غالبا ممّا لا ينكر، مضافا إلى أنّ الكوكب الّذي رآه ابراهيم عليه السّلام كان الزهرة، كما رواه في العيون عن الرضا عليه السّلام (3)، و هي ترى مع الغروب مع صفاء الجوّ قطعا.

و من الغريب استدلال الماتن بهذه الصحيحة مع أنّها بكلام خصمه ألصق، و هو بها أولى و أحقّ.

و لكنّ الاولى ترك الاعتماد على هذه الأخبار، و إن كان الأوّلان صحيحين، و الثالث لا يبعد أن يكون حسنا، لا ضعيفا- كما زعم الماتن- و ذلك لما ورد من تكذيبهم لمضمونها.

قال الصباح بن سيّابة و أبو اسامه: سألوا الشيخ عليه السّلام عن المغرب، فقال بعضهم: جعلني اللّه فداك، ننتظر حتّى يطلع كوكب؟ فقال: «خطّابيّة؟ إنّ جبرئيل نزل بها على محمّد صلّى اللّه عليه و آله حين سقط القرص» (4).

فيظهر بذلك الوهن في هذه الأخبار، و يظهر أنّها و أمثالها من دسّ ابن الخطّاب و


1- الأنعام: 76.
2- وسائل الشيعة 4: 174 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 6.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 400.
4- وسائل الشيعة 4: 190 الباب (18) من أبواب المواقيت ح 16.

ص: 423

أصحابه في اصول أصحابنا، فإذا جعلوا انتظار كوكب خطّابيّة فالثلاثة بطريق أولى، إذ هو الأقرب إلى المعروف من مذهبه من الاشتباك.

و حمل الكوكب في الرواية على الكوكب الخاصّ الّذي كانوا يسمّونه «القيداني» بعيد.

و قال المحقّق في المعتبر:

«لا يستحبّ تأخير المغرب، و في بعض رواياتنا: «تؤخّر حتّى تظهر النجوم»، و قد أنكرها الصادق عليه السّلام و نسبها إلى كذب أبي الخطّاب، فهي إذا متروكة» (1)، انتهى.

و الظاهر أنّ مراده بالنجوم الثلاثة منها، و أنّه يشير بهذه الأخبار، و ذلك لعدم وجود ذلك في ما نعلم من رواياتنا.

و الّذي يظهر من مجموع الروايات أنّ أبا الخطّاب كان يرى مطلق التأخير، و كان حدّ ذلك أو حدّ الأفضل عنده اشتباك النجوم و غروب الشفق.

و من ذلك يظهر ضعف استدلالهم بما دلّ على الأمر بالإمساك، كموثّق يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مسّوا بالمغرب قليلا، فإنّ الشمس تغيب [من] عندكم قبل أن تغيب [من] عندنا» (2).

و قوله عليه السّلام في رواية جارود: «يا جارود! ينصحون فلا يقبلون، و إذا سمعوا بشي ء نادوا به، و إذا حدّثوا بشي ء أذاعوه، قلت لهم: «مسّوا بالمغرب قليلا» فتركوها حتّى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص» (3).

و لو لا ما عرفت كان من اللازم الحكم باستحباب الإمساء بمقدار ما يصدق الاسم، أو بمقدار طلوع نجم إلى ثلاثة بحمل ما دلّ على ظهور كوكب أو ثلاثة على أنّه تقدير للإمساء.

و عليه ينطبق ما في خبر ابن عبد ربّه من قوله: «يا شهاب، إنّى احبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا» (4).


1- المعتبر 2: 41.
2- وسائل الشيعة 4: 176 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 13.
3- وسائل الشيعة 4: 177 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 15.
4- وسائل الشيعة 4: 175 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 9.

ص: 424

و به صرّح جماعة و حملوا أخبار زوال الحمرة على ذلك، و لسان هذه الأخبار ناطق بالاستحباب، فإنّ التعليل بغيبوبة الشمس عند الراوي قبلهم لا يناسب إلّا ذلك، فإنّه يختصّ ببلد الراوي و ما وافقه في ذلك، بل و لا يجري في بلد الراوي دائما أيضا، لأنّه كوفيّ- كما صرّح به الشيخ في كتاب الرجال (1)- و الكوفة و إن كان أطول من المدينة و لكن بين طوليهما قليل جدّا، و عرض الكوفة أزيد كثيرا منها، ففي أكثر الأيّام الّتي تكون الشمس في البروج الشماليّة تغيب في الكوفة قبل المدينة.

و من المنكر جدّا أن يختلف الوقت الأصليّ للصلاة الّذي هو عامّ لجميع المكلّفين هذا الاختلاف لمثل هذا التعليل، فالوجه من هذه الرواية إن صحّت لا بدّ أن يكون أمرا خارجا عن الوقت، كمراعاة وقوع الصلاة من الناس مقارنا لصلاة إمامهم، ليكون ذلك سببا لسرعة قبولهما منهم، أو مزيد فضلها، و نحو ذلك.

و هذا و أمثاله لا يكون وجها لحكم وجوبي أبدا، و لهذا ما كان الإمام بنفسه يفعل ذلك، بل يصلّي مع سقوط القرص كما رواه عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«صحبني رجل كان يمسي بالمغرب و يغلس بالفجر، و كنت أنا أصلّي المغرب إذا غربت الشمس، و اصلّي الفجر إذا استبان [لي] الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا، و تغرب عنّا و هي طالعة على قوم آخرين، فقلت:

إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، و إذا طلع الفجر عندنا، و [ليس علينا إلّا ذلك، و] على اولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم» (2).

و قد ينافي ذلك خبر جارود المتقدّم، فإنّه يظهر منه أنّه كان يمسي قبل أن يذاع ذلك، و لكن تركه ذلك دليل آخر للاستحباب.


1- رجال الطوسى: 218 شهاب بن عبد ربّه الأسدي مولاهم الصيرفي الكوفي.
2- وسائل الشيعة 4: 180- 179 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 22.

ص: 425

و الشيخ في التهذيب حمل ظهور النجوم على بعض المحامل البعيدة (1). و في المدارك على صورة الاشتباه (2)، و لا يبعد ذلك بأن يكون علامة عند عدم التمكّن من معرفة الغروب، و لا علامته الّتي هي زوال الحمرة، كما ربّما يشهد له مكاتبة عليّ بن الريان، و سؤاله عن صلاة المغرب إذا كان في دار يمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب، و في الجواب: «يصلّيها إذا كان على هذه الصفّة عند قصر النجوم». قال الشيخ: [معنى] قصر النجوم بيانها (3).

و لكنّ الحمل على الاستحباب هو الأولى، لما عرفت من ظهورها فيه لو لا الوهن الّذي عرفت فيها، و هو قوّة كونها من دسّ أبي الخطّاب أو أصحابه لها في كتب الأصحاب، و إن كان هذا الاحتمال غير جار في خبر جارود، و لكنّه لا يمكن إثبات الحكم به فقط، مع معارضته بعدّة أخبار كثيرة فيها التصريح بلعن من أخّر المغرب طلبا لفضلها، و نحو ذلك.

و قد طال بنا الكلام في هذه الأخبار، و على أيّ حال الإمساء سنّة كان أو بدعة، مكروها أو مستحبا أيّ ربط له بكون الوقت زوال الحمرة؟ و لكنّ القائل بذلك يتكلّف بجعل قوله: «مسّوا بالمغرب قليلا» بمعنى «أخّروها عن زوال الحمرة»، و بجعل صلاة الصادق عليه السّلام عند السقوط صلاة خارجة عن الوقت، للتقيّة و خوفه عليه السّلام بسبب إذاعة الشيعة ذلك الحديث، و ما كان أغناه عن هذا القول الّذي لا يتمّ إلّا بمثل هذه التكلّفات.

و منها: خبر محمّد بن علي قال: صحبت الرضا عليه السّلام [في السفر] فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق- يعنى السواد- (4).

و هذا أيضا أجنبيّ عن مدّعاهم، إذ لا نعقل لهذه الفحمة معنى إلّا ارتفاع الحمرة من الافق، و ظهور لون الافق- و هو السواد- في ذلك الوقت، لغروب الشمس و عدم استضاءته به، و هذا مقارن لتمام الغروب، لأنّ الحمرة عند وصول الشمس إلى الافق الغربي يكون على


1- تهذيب الاحكام 2: 34- 32.
2- مدارك الاحكام 3: 52.
3- تهذيب الأحكام 2: 279 ح 1038.
4- وسائل الشيعة 4: 175 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 8.

ص: 426

الافق الشرقي تقريبا، و هي عند ذلك أشدّ ما يكون من الاحمرار، لوقوعها في أشدّ ما يكون من تكاثف الأبخرة. ثمّ لا يكمل الشمس غروبها إلّا و الحمرة مرتفعة عن الافق، يرى الافق و ما بينه و بين الحمرة أسودا، ثمّ لا يزال الحمرة ترتفع و القطعة السوداء بينها، و الافق تكبر حتّى تضمحلّ و تذهب.

و ليس في الرواية إلّا مجرّد الإقبال الّذي عرفت أنّه حاصل بحصول الغروب، فإن كان معنى إقبال الفحمة ما فهمناه فهذا الخبر أولى بالدلالة على القول بالغروب، و إن كان غير ذلك فعليهم أن يبيّنوا المراد حتّى تنظر فيه.

و منها: صحيح ابن همّام أو موثّقته، قال: رأيت الرضا عليه السّلام- و كنّا عنده- لم يصلّ المغرب حتّى ظهرت النجوم، فصلّى بنا على باب دار ابن أبي محمود (1).

و هذه الرواية استدلّ بها الماتن تبعا لغيره في المقام، و هي أجنبيّة عن المقام أصلا، بل هي مناسبة لباب آخر وقت المغرب، و بيان جواز تأخيرها عن اشتباك النجوم.

و مثلها رواية داود الصرمي الآتية الّتي استدلّوا بهما معا على ذلك، و ظهور النجوم ظاهر في اشتباكها الّذي لا شكّ في عدم كونه الوقت، و حمله على ظهور الثلاثة بعيد عن ظاهر اللفظ جدّا، و لو حمل على ذلك فالحال فيه كالحال في الخبرين المتقدّمين.

و الماتن في كتابه اعتذر عن كونه حكاية فعل- فلعلّه فعله لعذر- بأصالة (2) عدم العذر- فلينظر ما هو الأصل- و بظهور نقل الراوي عنه ذلك (3)، فلينظر ما معناه.

و بعدّ هذا الخبر و أمثاله بلغت أخبار اعتبار الحمرة عنده أوّل العقود، و لو شاء القائل بالغروب عدّ مثل ذلك لتجاوز عدد أخبار الغروب الالوف، و لكنّه مستغني عن ذلك، و الحمد للّه.


1- وسائل الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 9.
2- متعلق باعتذر قال: و كونه حكاية فعل فلعلّه عليه السّلام فعل ذلك لعذر لا لأنّه وقت موظّف قد يدفعه بعد أصالة عدم العذر ....
3- جواهر الكلام 7: 112.

ص: 427

تنبيهات مهمّات
التنبيه الأوّل: النهار و الليل عند معتبر الحمرة بمعنى آخر غير المعنى العرفي،

و لا بدّ من الالتزام بالحقيقة الشرعيّة، إذ عدم اعتبار زوال الحمرة عند أهل العرف ظاهر لا يحتاج إلى البيان، و كذلك عند سائر أرباب العلوم و الملل، و لكنّ السيّد الداماد نقل أنّه العمل على كون النهار من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة عند أصحابنا و أساطين الإلهيّين و الرياضيّين من حكماء يونان.

و الماتن لشدّة إعجابه بهذا الكلام نقل في غير مقام ذلك عنه، مستجودا له، و بشّر الناظرين في كتابه بأنّه ينقل كلامه بتمامه عند الفراع من البحث في الأقوال المتعلّقة بالظهرين (1).

و لكن هذا النقل خطأ قطعا، أمّا الرياضيّون منهم فظاهر لدى جميع أهل العلم أنّ الّذي تقرّر عليه اصطلاحهم و عليه مبنى الإرصاد و كتب العمل هو اعتبار مركز الشمس في جميع الأحوال، فمبدأ النهار عندهم طلوع المركز، و آخره غروبه، فيكون النهار عندهم أقصر من النهار العرفي بمقدار حركة تمام جرم الشمس من الطرفين.

و كذلك علماء الهيئة، و لهذا يحكمون باستواء الملوين في الآفاق الاستوائيّة، و باستوائهما في الآفاق المائلة في الاعتدالين، إلى غير ذلك، و لو كان بين الطلوعين و الغروبين داخلا فيه لانتقضت هذه الأحكام بأسرها.

و كذلك أرباب أحكام النجوم، فإنّه ظاهر أنّ الّذي عملهم عليه في جميع أحكامهم هو اعتبار مراكز الكواكب، و لا يعنون بالكوكب النهاري و الليلي إلّا الّذي كان فوق الافق أو تحته، و هكذا يستخرجون السهام، و يعيّنون ما يختلف في الليل و النهار من الأحكام.


1- جواهر الكلام 7: 109.

ص: 428

و أمّا زوال الحمرة و بقائها فلا ذكر له في كتبهم، و لا يترتّب عليه أثر عندهم، و هذه كتب الهيئة و الرصد و الأحكام و علم آلات الرصد شاهدة بذلك.

و أمّا أرباب علم الإلهيّين فإنّ مثل ذلك خارج عن موضوع فنّهم أصلا، و لا يتعلّق لهم غرض بذلك، و ذلك واضح لا يحتاج إلى البيان، و لكنّه حدس ذلك أو رأى في بعض الكتب أنّ الفجر و الحمرة من آثار استضاءة كرة البخار بالشمس، فولد من ذلك هذا الخطأ الفاحش.

سلّمنا أنّ أطولوقس صرّح بذلك في أحكام الكرات المتحرّكات، و أبلينوس في أحكام قطوع المخروطات، فأيّ فائدة لاصطلاح حكماء اليونان في أحكام أهل الايمان؟ و متى كانت أحكام الشرعيّة العربيّة يتبع مصطلحات اليونانيّة؟.

و أمّا النهار عندنا فآخره منطبق على النهار العرفيّ، و تسمع الكلام في أوّله أيضا، فإنّه كذلك بالبيان الآتي، فيتحقّق الغروب عندنا بغيبوبة تمام القرص عن سطح الأرض، و عن تمام الأشخاص القائمة عليها من القامات و الجدران و الأشجار و غيرها المتعارفة في الطول، فلا يتحقّق الغروب بمجرّد خفائه عن البصر الملاصق لسطح الأرض مع عدم غروبه عن بصر الواقف، و لا يتحقّق للّذي في الدار مع عدم غروبها عن الّذي على السطوح المتعارفة، كالطلوع فإنّه يطلع على القاعد بمجرّد رؤية القائم لها، و للّذي في الدار برؤية الواقف على السطوح المتعارفة لها، دون الأشخاص الخارجة عن المتعارف في الارتفاع كالجبال الشامخة، و العمارات العالية.

و ذلك واضح لمن راجع العرف، فإنّ من رأى الشمس على سطح متعارف، أو رأى شعاع الشمس على شجر يحكم بطلوعها في ذلك الافق مطلقا، دون الأشخاص الخارجة عن المتعارف في الاعتدال.

و كذا في الغروب، فلكلّ موضع من الأرض افق خاصّ يتبع متعارف ما فيها من الأشخاص.

و إن شئت التعبير عن الافق العرفي بالاصطلاح العلمي قلت: إنّه الافق الترسي الّذي

ص: 429

يرسم من فرض بصر منطبق على الأشخاص القائمة على سطح الأرض المتعارفة في الطول، فهو نوع من الترسي.

و لازم ما ذكرناه أن يختلف الافق بوجود الجدران و الأشجار و عدمهما، بل اختلافه في مكان واحد بحسب إيجاد مرتفع فيه، و رفعه عنه.

و لعلّ الناظر يستبعد ذلك و يجعل ذلك دليلا على فساد ما ذهبنا إليه من القول بالغروب، و بمقايسته إلى الطلوع و الرجوع إلى العرف يرتفع الاستبعاد.

و يظهر بذلك الجواب عمّا أورده جماعة على المختار، و ينحلّ به ما زعموا من الإشكال في عدّة من الأخبار و عدّة من أعاظم الاصحاب.

أمّا الأوّل: فقد قالوا: إنّ لازم القول بالغروب جواز الصلاة مع بقاء شعاع الشمس على الحيطان، و هو قطعىّ الفساد، و الالتزام بلزوم ذهاب الشعاع إحداث قول ثالث، و هو خلاف الإجماع، كما في الرياض (1)

و قال الماتن:

«و بعد كون القول المقابل للمشهور قطعيّ الفساد و كون اعتبار بعض المتأخّرين ذهاب الشعاع قولا محدثا تعيّن قول المشهور».

و بمثل ذلك ردّ عدّة من أخبار القول بالغروب و قال:

«إنّ مقتضاها دخول الوقت بمجرّد ذهاب القرص [عن النظر] و إن بقي ضوؤه على الجدران و المنارة و الجبال- إلى أن قال- و هو في غاية الوضوح من الفساد، و إلّا لزم اختلاف الوقت باختلاف الأمكنة علوا و سفلا من البئر إلى المنارة» (2).

قلت: و بما ذكرنا في معنى الافق العرفي ظهر الجواب عن جميع ذلك، و نقول مع ذلك توضيحا:

إن أراد بالحيطان و نحوها المتعارف منها فنحن نلتزم بلزوم ذهاب الشمس عنها، لما عرفت من أنّ الافق العرفي يكون بحسبه، و غروب الشمس و غيبوبة القرص و نحو ذلك-


1- رياض المسائل 2: 216.
2- جواهر الكلام 7: 118- 117.

ص: 430

ممّا ورد في النصوص و حكمنا بمقتضاها- ليس الغروب عن شخص دون شخص، و لا من حال دون حال.

فالافق للنائم هو الافق للقاعد، و للقاعد هو الافق للقائم، و افق الّذي في البيت افق الّذي على السطح، و لكلّ مكان افق واحد بحسب ما فيها من الأشخاص و العمارات المتعارفة، يصدق الغروب عنه بغروبه عن الجميع، كما أنّه يصدق بطلوعه على بعض طلوعه على الجميع، فما دام القرص طالعا على الّذي هو قائم على سطح متعارف لا يصدق أنّ الشمس غابت عن هذا المكان، و لا غربت عنه، و لا أنّه لا يرى فيه، و نحو ذلك من الألفاظ الواردة في النصوص، كما أنّه بالطلوع على بعض يصدق جميع ذلك فيه.

و ذلك ظاهر بالنظر إلى العرف، و ما ذا يقول الخصم في الطلوع؟ و أيّ شي ء يعتبره في آخر وقت الصبح؟ و نحن نعتبر مثله في أوّل المغرب، فإن حكم بكون الصبح قضاء بظهور الشعاع على الجدران، و برؤية من على السطح القرص قلنا: إنّ وقت العصر باق مع ظهور القرص لمن على السطح، و لم يدخل وقت المغرب بعد.

و إن قالوا: «إنّ لكلّ بصر حكمه» فقد لزمهم اختلاف الوقت من البئر إلى المنارة في بقاء وقت الصبح، فليلزمنا مثله في الظهرين، و هذا مورد المثل: «شاركني بالفعل و أفردني بالتعجّب».

و إن أرادوا بالعمارات و الجبال الخارجة عن المتعارف في الارتفاع كمنارة إسكندريّة- إن صحّ ما ينقل من ارتفاعها- فنحن نلتزم بعدم الاعتداد بها، و نحكم بقضاء الظهرين و أداء المغرب معها، و الوجه فيه ما عرفت من أنّ الافق العرفي يتبع المتعارف.

و من الممكن أن يصل ارتفاع المرتفعات إلى حدّ لا تغيب عنها الشمس مع إقبال الظلام و اشتباك النجوم لمن تحتها، فهل يلتزم أحد مع ذلك ببقاء النهار و عدم الليل؟

هذا هو التحقيق، و [يرد] النقض عليهم بالطلوع كما تقدّم، فإنّ الشمس تشرق عليها حال الطوع قبل غيرها بالمقدار الّذي يتأخّر غروبها عنها بعينه، فإن اعتبروها في الطلوع اعتبرناها في الغروب، و إلّا فلا، فالحال واحد، و التحقيق ما عرفت.

ص: 431

و يرد عليهم- زيادة على ما تقدّم- أنّ من الجبال ما لا تغيب عنه الشمس إلّا بمدّة هي أكثر ممّا بين غروب الشمس و زوال الحمرة، و كذلك المنارة لو فرض طولها ميلا و نحوه، فاعتبار الحمرة لا تجديهم في الجواب عن هذا الإشكال.

فما نقله في الرياض عن قدماء الأصحاب القائلين بالغروب [من] دخول الوقت مع بقاء شعاع الشمس مطلقا (1) ليس على ما ينبغي، و هم منزّهون عن ذلك قطعا، ففرحة الماتن بتعيّن مختاره حيث تردّد قول خصمه بين مقطوع الفساد، أو خلاف الإجماع (2) لا تتمّ أبدا.

و أمّا الثاني: فإنّه روى الصدوق و غيره عن زيد الشحّام، قال: صعدت جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب و إنّما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بذلك، فقال لي: «و لم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت، ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة [تظلّها] و إنّما عليك مشرقك و مغربك، و ليس على الناس أن يبحثوا» (3).

قالوا: إنّها لا تنطبق على القولين معا، أمّا على القول باعتبار الحمرة فظاهر، و أمّا على القول الآخر فلأنّه لا خلاف بين القائلين به في لزوم انتفاء الحائل، و عدم الاعتبار بعدم رؤية الشمس للحائل.

و حملها جماعة على التقيّة و هو كما ترى.

و قرّر ذلك التقيّ المجلسيّ بأنّ غرض الراوي كان إثارة الفتنة بأن يقول: إنّهم يفطرون و يصلّون قبل أن تغيب الشمس، و كان ذلك مظنّة لأن يصل الضرر إليه و إلى غيره منهم، و يكون المراد من قوله: «إنّما عليك مشرقك و مغربك» أنّك لا تحتاج إلى صعود الجبل، إذ يمكنك استعلام الطلوع و الغروب بالحمرة (4).

و فيه ما لا يخفى من البعد و التكلّف في موضعين. و الوجه في هذه الرواية يظهر ممّا


1- رياض المسائل 2: 207.
2- جواهر الكلام 7: 118.
3- وسائل الشيعة 4: 198 الباب (20) من أبواب المواقيت ح 2.
4- راجع: روضة المتّقين 2: 69.

ص: 432

عرفناك من أنّ بقاء الشمس على قلل الجبال العالية لا ينافي غروبها لمن كان دون الجبل لتعدّد الافقين.

و من القريب جدّا أن يكون الناس قد صلّوا المغرب بعد غروب الشمس، و الراوي لمّا رأى الشمس و هو على الجبل زعم أنّهم يصلّون لتواريها خلف الجبل، و أنّ عدم رؤيتهم لها لحيلولة الجبل، لا للغروب، جهلا منه بأنّ ذلك لاختلاف افقه و هو على الجبل مع افقهم، و أنّ الشمس غاربة عنهم حقيقة، و إن كانت طالعة عليه. و قد أفصح الصادق عليه السّلام بذلك حيث قال: «إنّما عليك مشرقك و مغربك».

و قوله عليه السّلام: «ليس على الناس أن يبحثوا» لعلّ المراد منه: ليس عليهم أن يبحثوا عن غير افقهم.

و قوله عليه السّلام: «خلف جبل غابت أو غارت» إنّما هو من باب التعبير على طبق ما يعتقده الراوي، لصعوبة بيان حقيقة ذلك له، بل تعذّر إفهامه بعد توقّف فهم ذلك على مقدّمات كثيرة تتوقّف على الاطّلاع على دقائق العلوم التعليميّة، و لهذا استثنى عليه السّلام تجلّلها بالسحاب و الظلمة، إذ لا خصوصيّة لهما، و من المعلوم أنّ الغرض بيان المثال لمطلق الحائل الّذي من أظهر أفراده الجبل، و بذلك بيّن عليه السّلام الواقع لمن كان من أهل الاصطلاح مع إفادة الراوي أصل الحكم.

و قد بيّنّا شرح هذا الحديث في المجلّد الأوّل من مجلّدات النكاح من كتاب «ذخائر المجتهدين».

و من غريب الكلام ما ذكره الماتن في توجيه هذا الخبر، قال:

«و يمكن أن يكون نهيه عن التجسّس بعد زوال الحمرة، كما يؤمى إليه قوله عليه السّلام: «و إنّما عليك مشرقك و مغربك» إذ لو كان المراد ذهاب القرص لم يكن لذكر المشرق ثمرة» (1)، انتهى. المقصود من كلامه رحمة اللّه.

و فيه مواقع للكلام يطول بذكرها المقام، فلينظر ما معنى بقاء الشمس على أبي قبيس مع


1- جواهر الكلام 7: 117.

ص: 433

ذهاب الحمرة من دون الجبل؟ مع أنّ ارتفاعه لا يوجب من الاختلاف إلّا ما هو أقلّ منه بكثير.

ثمّ كيف يجديه ذلك مع أنّه يرى جواز صلاة المغرب مع بقاء شعاع الشمس قطعيّ الفساد، و لا يتفاوت في ذلك بقاء الحمرة أو زوالها، إلى غير ذلك ممّا لا ثمرة في التعرّض لها.

و مثله: موثّقة سماعة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في المغرب إنّا ربّما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو سترها الجبل، فقال: «ليس عليك صعود الجبل» (1).

و التقريب فيها كما في سابقها، فتأمّل.

و مثلهما: ما رواه في المجالس عن الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهما، قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر، إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه، [حتّى صلّى ركعة و نحن ندعو عليه] و نقول: هو شابّ من شباب المدينة، فلمّا اتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام فنزلنا و صلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلّي؟ فقال: «إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت» (2).

و الوجه فيها ما عرفت، إذ الظاهر أنّهم رأوا شعاع الشمس على بعض الجبال العالية و زعموا منافاة ذلك لغروب الشمس عمّن ليس في سفحه، جهلا منهم باختلاف الافقين.

و هذه الرواية من أعظم ما استفاد منها القائلون التقيّة و أنّ تأخير المغرب كان مركوزا في أذهان الشيعة، و قد ظهر من ذلك أنّ تعجّبهم لم يكن إلّا لبقاء شعاع الشمس الّذي لا يقول بجواز الصلاة مع بقائه مطلقا حتّى العامّة في ما يحضرني الآن من كلماتهم، بل في حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم من الشافعيّة التصريح باشتراط ذهاب شعاع الشمس من الجبال و نحوها، فعلى هذا فصلاة الصادق عليه السّلام مع بقاء الشعاع كان مخالفا لمعتقدهم.


1- وسائل الشيعة 4: 198 الباب (20) من أبواب المواقيت ح 1.
2- وسائل الشيعة 4: 180 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 23.

ص: 434

ثمّ لو سلّمنا أنّه كان ذلك مركوزا في أذهانهم فأيّ ثمرة لهم فيه مع تكذيب الإمام ما في أذهانهم بقوله و فعله معا؟ إلّا أن يتمسّك بذيل سمل التقيّة، و يجعل صلاته عليه السّلام صلاة في خارج الوقت لأجلها.

و فيه مطلقا ما ستعرف، و خصوصا ما عرفت من اشتراط ذهاب الشعاع عندهم، مع أنّ مذهبهم دخول الوقت بالغروب، لا عدم جواز تأخيره عنه، بل الوقت عند أكثرهم باق إلى ذهاب الشفق، فأيّ تقيّة في تقديمها على ذهاب الحمرة، مع أنّ كثيرا من صلواتهم يقع بعدها قطعا، إذ ليس كلّ أحد منهم مستجمع للشرائط فاقد للأعذار أوّل الغروب.

و يظهر الوجه بما بيّنّاه في ما فرّعه الشيخ في المبسوط على هذا القول من أنّه إذا غابت الشمس عن البصر، و رأى ضوئها على جبل يقابلها، أو مكان عال مثل منارة اسكندريّة، أو شبهها فإنّه يصلّي و لا يلزمه حكم طلوعها (1)، انتهى.

و تعجّب منه جملة من المتأخّرين، و بعض تلامذة الماتن قال في كتابه:

إنّ هذا من مزخرفات العامّة، و أصحابنا مبرّءون عن أمثالها، و الشيخ أعرف بمراده (2).

قلت: قد أفصح الشيخ- طاب ثراه- عن مراده أبلغ إفصاح، و أوضحه غاية الإيضاح، فإنّه ترك المثال بالجدران و الأشجار و نحوها ممّا يتّحد افقه العرفي مع ما دونه، و مثّل بالجبل، ثمّ قيّد المكان بالعالي، و لم يقنع بذلك حتّى مثّل له بمنارة اسكندريّة المعروفة بالطول الخارج عن المتعارف، ثمّ أردفها بقوله: «و ما أشبهها» أي في الطول تأكيدا لئلّا يتوهّم من كلامه الإطلاق، فما ذنبه إن خفي عليهم الوجه في كلامه، زاد اللّه في علوّ مقامه.

التنبيه الثاني: في ذكر المرجّحات الّتي ذكروها لأخبار الحمرة على أخبار الغروب،

و إن كنّا في غنى من ذلك، لما عرفت من انطباق جميع الروايات على القول بالغروب، و عدم التعارض بينهما أصلا، و لكن لا بأس بذكرها تكثيرا للفائدة، فنقول:


1- المبسوط 1: 74.
2- البرهان القاطع، المجلّد الثالث من الطبعة الحجريّة: 41.

ص: 435

قال الماتن في كتابه الكبير:

«إنّ تلك النّصوص معتضدة بالأصل، و الشغل، و الشهرة العظيمة، و الموافقة لما سمعت من آي الكتاب، و المخالفة للعامّة، و الاشتمال على التعليل بكون المشرق مطلّا على المغرب، و بأنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا» (1)، انتهى.

أمّا تسمية تلك الأخبار بالنصوص غريب مع ما عرفت من التكلّفات الّتي ارتكبوها في بيان دلالة أكثرها، و مع الغضّ عن ذلك، أمّا الترجيح بالأصل، ففيه ما تقرّر في علم الاصول، و الشغل وحده لو كان مرجّحا لها من حيث أداء المغرب فهو مرجّح لأخبار الغروب من حيث الظهرين.

و أمّا آي الكتاب، فلا أدري ما يريد منها، إذ لا يوجد بين الدفّتين من أوّل البسملة إلى آخر المعوّذتين آية واحدة تدلّ على ذلك، فضلا عن آيات متعدّدة، بل الموجود في الكتاب العزيز ما يمكن أن يستدلّ على خلافه، كقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ (2) بناء على كون الدلوك هو الغروب، كما هو مذهب جماعة.

و قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ (3).

و قوله تعالى: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهٰا (4) بناء على كون المراد منهما صلاة الفجر و العصر، إلى غير ذلك.

و لم يتقدّم منه دعوى ذلك كي يقول هنا: «لما سمعت» و لعلّه يريد بذلك قوله تعالى:

فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً (5) بضمّ ما في صحيح بكر المتقدّم، و إن كان ذلك فهو من أعجب الكلام، إذ عدم دلالتها بنفسها على ما له أدنى ربط بالمقام ظاهر.

و إن أراد بضمّ ما في الخبر إليه فواضح الضعف، إذ كونه أوّل الوقت من كلام الإمام، لا بعنوان أنّ المراد من الآية، فهذا ترجيح بالرواية لا الآية، على أنّ هذا الخبر من تلك الأخبار الّتي يريد ترجيحها بموافقة الكتاب، فهو دور صريح.


1- جواهر الكلام 7: 115.
2- الإسراء: 78.
3- هود: 114.
4- طه: 130.
5- الأنعام: 76.

ص: 436

و أمّا الشهرة، فقد عرفت أنّ مبناه على نسبة هذا القول إلى كلّ من ذكر أنّ ذهاب الحمرة علامة للغروب، و على تأويل كلمات المصرّحين بالغروب بما هو مقطوع العدم، و إن شئت فتذكّر عبارة المبسوط و تأويله لها لتعرف ما صنع بعبائر الأصحاب حتّى تمّ له هذا الادّعاء.

و قد اقتصر هنا على دعوى الشهرة، و لكن قبل ذلك بقليل ادّعى الزيادة عليها، فقال:

«على أنّ أكثر المتأخّرين القائلين بالغروب ممّن لا يبالي بالشهرة في جنب الخبر الصحيح كائنة ما كانت، كما يشهد له ما في هذا المقام الّذي قارب أن يكون ضروريّا في زماننا، بل لعلّه كذلك، بل يمكن دعواه حتّى في الزمن السابق، كما يؤمى إليه خبر الربيع، و ابن أرقم السابق، بل سواد المخالفين يعرفون ذلك منّا أيضا فضلا من الموافقين، كما أنّ سوادنا بالعكس، حتّى أنّهم إذا أرادوا معرفة الرجل من أيّ الفريقين امتحن بصلاته و إفطاره» (1)، إلى آخر كلامه قدّس سرّه.

أمّا طعنه على المتأخّرين بما ذكر، فلا يهمّنا الجواب عنه، و أمّا دعوى الضرورة في زمانه، فلا أدري كيف صحّ له مع مخالفة الأستاذ الأكبر (2) و جمع من تلامذته المعاصرين للماتن، و أمّا الزمان السابق، فمن عصر الأئمّة إلى هذا اليوم لم يزل في كلّ عصر منه جماعة من أكابر الطائفة و شيوخها قائلين بالغروب، و إثبات ذلك موجب لطول الكلام، و فيمن نقل عنه ذلك في الكتب المعروفة كفاية، و ما في غيرها أكثر.

و أمّا خبر الربيع، فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلا قريبا.

و أمّا معرفة سواد المخالفين ذلك، فلو سلّمت فأيّ حجّة في ما يزعمه الأعداء الجاهلين بمذاهب الشيعة، و كتبهم مشحونة بالافتراءات الشنيعة عليهم، و فتح هذا الباب موجب لما لا يخفى على ذوي الألباب.

على أنّ الّذي رأينا من علمائهم- كأحمد بن تيميّه و غيره- النسبة إلى الشيعة وجوب تأخير المغرب إلى غروب الشفق، جهلا منهم بالفرق بين الغلاة الخطّابيّة و الفرقة الإماميّة،


1- جواهر الكلام 7: 110.
2- هو العلّامة المجدّد البهبهانى قدّس سرّه، راجع: الحاشية على المدارك 2: 303- 302.

ص: 437

أو تعمّدا بالكذب و الافتراء، و كيف يكون ضروريّ المذهب معلوما عند هؤلاء الأعداء، مجهولا عند أكابر الطائفة القائلين بهذا القول؟

و بالجملة، فالاستدلال بما تنسبه العامّة إلى الخاصّة على الشيعة عجيب، و لكنّه ليس بأعجب من الاستدلال بمعتضد العوام على الخواص، و من المعلوم لدى كلّ منصف أنّ الاشتهار عند العوام إنّما نشأ من تقليدهم للقائلين بذهاب الحمرة، و هو عند مقلّدي غيرهم بالعكس.

و بالجملة، ما أجدر الكتب العلميّة بأن يحذف منها أمثال هذا الاستدلال، و لو لا تعرّضه رحمه اللّه له و اعتماده عليه لتركنا ذكره بالكلّيّة، و لكن علمنا بأنّ هذا و أمثاله عمدة مستند القائلين بذهاب الحمرة أوجب الإطناب، و شرطنا ترك ذلك في غير هذه المسألة من مسائل هذا الكتاب، إن شاء اللّه.

و أمّا الحمل على التقيّة، فظاهر أنّه لا يصار إليه بمجرّد الاحتمال، و إن كان ذلك بدعوى وجود القرائن عليها كدعوى المغروسيّة في أذهان الشيعة، و بعض الأخبار، فقد عرفت الجواب عن الجميع.

و أمّا كثرة وقوع السؤال عن وقت المغرب، فالوجه ما بلغهم من أخبار أبي الخطّاب و أصحابه الّذي قال الرضا عليه السّلام: «إنّه كان قد أفسد عامّة أهل الكوفة فكانوا لا يصلّون حتّى تغيب الشفق» و كانوا حينئذ مخلوطين بالشيعة، فأوجب نقلهم و فعلهم إكثار السؤال عن الأئمّة، و لزمهم عليه السّلام بيان كذبهم بأقوالهم و أفعالهم.

على أنّ بعض الأخبار المستدلّ بها للمشهور منقول في رواياتهم كخبر إقبال الفحمة، و أخبرني خطيب كربلاء المشرّفة- و هو من أفضل من رأيت من علمائهم- أنّ عليه عمل أكثر الشافعيّة إلى هذا الزمان.

و مع ذلك كلّه فالحمل على التقيّة آخر جميع المحامل، و هو أضعفها جميعا، لا يصار إليه إلّا في بعض الأخبار الشاذّة إذا خالفت الأخبار الكثيرة المعتبرة في مسائل خاصّة، و بيان ذلك لا يناسب هذا الشرح، و لعلّنا نبيّنها في رسالة مفردة.

و أشدّ المصرّين على حمل هذه الأخبار على التقيّة شيخنا الفقيه في المصباح، فإنّه أطال

ص: 438

بيانه و بالغ فيه حتّى أنّه صدر منه كلامان ما كنت أحبّ صدور مثلهما من مثله:

أحدهما: عدم اعتبار أصالة عدم التقيّة في المقام الّذي يظنّ فيه الدواعي إليها، حتّى قال:

«إنّه لو كانت أخبار الغروب سليمة عن المعارض و مخالفة المشهور لم يكن استكشاف الحكم الواقعي منها خاليا عن التأمّل» (1).

و لا يخفى أنّ تخصيص أصالة عدم التقيّة بمورد فقدان الدواعي- مع الغضّ عمّا في أصله من الضعف- موجب لتطرّق الخلل إلى أكثر الأحكام المشتركة بين الفريقين، و هو معظم المسائل، إذا المسائل الّتي تخالفهم الشيعة قليلة جدّا- كما نبّه عليه العلّامة و غيره- فإذا رفعنا اليد عن أصالة عدم التقيّة لزم عدم حجّيّة تلك الأخبار الدالّة على تلك الأحكام، و فيه ما لا يخفى على ذوي الأفهام.

و الثاني: ما احتمله من كون الوقت الواقعي هو زوال الحمرة، و جعله معرّفا للغروب نشأ من معروفيّة التحديد بالغروب بين العامّة، بحيث لم يجدوا [أي الأئمة عليهم السّلام] بدّا من الاعتراف به و تأويله إلى الحق (2).

و قد سمعت أيضا ذلك منه قدّس سرّه، و لا يخفى ما فيه من مخالفة الإجماع السابق بظاهره، و تأويله ممكن مع التكلّف، يرجع إلى ما في كلام الماتن.

و أمّا ترجيح أخبار الحمرة باشتمالها على التعليل، فمثل هذين التعليلين إن لم يكونا سببا للوهن لا يكونان موجبين للقوّة، و ذلك لما عرفت من عدم رجوعهما بظاهرهما إلى معنى معقول، إلّا أن يكون المراد منها ما عرفت، و ذلك يناسب الغروب لا ذهاب الحمرة، فتأمّل، و راجع.

التنبيه الثالث: إنّ أدلّة اعتبار الحمرة- على تسليم دلالتها، و الغضّ عن جميع ما عرفت- لا تدلّ على أزيد من إلزام الشارع للمكلّفين بتأخير الإفطار و صلاة المغرب،

صيانة لهاتين العبادتين من الفساد الواقعي، فكيف جاز لهم تجويز تأخير الظهرين اختيارا عن غروب الشمس


1- مصباح الفقيه 9: 156.
2- مصباح الفقيه 9: 156.

ص: 439

الّذي هو آخر النهار العرفي؟ و ليس في تلك الأخبار ما يدلّ على ذلك، و أين الأمر بالإمساء بالمغرب و انتظار نجمة أو ثلاثة أنجم و نحو ذلك من تحديد آخر الظهرين؟

و أقوى ما فيها أخبار الطائفة الأولى، و هي تدلّ على كون زوال الحمرة لازما لجواز الإفطار و الصوم لو سلّم ذلك بأىّ تقرير كان، و أين ذلك من جواز تأخيرهما عن الغروب؟

بل خلوّ هذه الأخبار عن ذلك و الاقتصار فيها على ذكر الصوم و المغرب لعلّه دليل على العدم، و لا ملازمة بين انقضاء وقت الظهرين و جواز المغرب.

و دعوى أنّ المفهوم منها أنّ النهار حقيقة شرعيّة في ذلك مطلقا، أو أنّ لهذه الأخبار حكومة على أخبار الغروب، أو أنّه يستفاد منها كون الغروب قبل زوال الحمرة مشكوكا، فيكفي في جواز تأخيرهما الاستصحاب، لا يخفى ضعف جميع ذلك على من تأمّل في تلك الأخبار، إذ غاية ما يمكن استفادته منها لزوم تأخير المغرب، و كون زوال الحمرة علامة للغروب المبيح لصلاة المغرب، و يلزم مراعاتها مطلقا، لا أنّ عدمه علامة للعدم.

و العجب من جماعة من المحشّين حيث سوّدوا حواشي هذا الكتاب و سائر الرسائل العمليّة باحتياطات كثيرة لا منشأ لها إلّا خبر ضعيف بلا قائل به، أو قول نادر بلا خبر يدلّ عليه، و تركوا ذكر الاحتياط في ما عدى تأخير مثل الظهرين الّذين أحدهما الوسطى، مع أنّ حال المسألة بحسب الدليل ما عرفت. و شيخنا الفقيه ذكر الاحتياط في كتابه المعدّ للفتاوى (1)، و ترك ذكره في حاشية هذا الكتاب المعدّ لعمل المقلّدين، و اللّه العالم.

التنبيه الرابع: كما أنّه بعد الغروب تبقى حمرة في ناحية المشرق كذلك تحدث حمرة في طرف الغرب قبل الطلوع،

و القائل بعدم دخول الوقت للمغرب إلّا بذهاب الحمرة يلزمه القول بقضاء فرض الصبح بمجرّد حدوثها، لوضوح أنّ الغروب و الطلوع متقابلان.

و قد تنبّهوا لهذا الإشكال، و أجابوا عنها بوجوه لا يخفى ضعفها على من راجعها:

منها: ما ذكره الماتن من إمكان الفرق بين الحمرتين، خصوصا بعد قوله: «المشرق مطلّ


1- مصباح الفقيه 9: 157.

ص: 440

على المغرب» و احتمال كون هذه الحمرة كالحادثة قبل الطلوع في مشرق الشمس، و الباقية بعد الغروب في مغربها، و إن اختلفا في طول الزمان و قصره من جهة ظهور المشرق، و انخفاض المغرب (1)، انتهى.

و فيه من مخالفة الوجدان و البرهان ما هو غنىّ عن البيان.

و منها: أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

قلت: كلّا، و لكنّ التفريق بينهما سفسطة و مخالفة للحسّ.

و منها: ما في الرياض من أنّ أقصاه الشكّ في الطلوع، و هو لا يقطع الاستصحاب، بخلاف الغروب، فإنّ الاستصحاب هناك بقاء النهار، فلا يقطعه إلّا الطلوع الحسّي (2)، انتهى ملخّصا.

و فيه ما لا يخفى، فإنّ المعيار في الطلوع و الغروب إن كان الافق العرفي فالعلم حاصل بعدم الطلوع معها، و حصول الغروب بعدها، و إن كان غيره فحدوثها و بقائها مستلزم للعلم بهما في الحالين.

و بالجملة، هذا لا يتمّ مع الإلزام بعدم دخول الوقت حقيقة إلّا بزوال الحمرة.

نعم، له وجه بناء على ما عرفت منّا في التنبيه السابق من القول بلزوم تأخير المغرب و الإفطار إلى زوالها تعبّدا، مع التنزّل عمّا عرفت من المختار، و لكنّهم لا يلتزمون به كما عرفت في أوّل المبحث.

و ربّما نسبوا الالتزام بقضاء فرض الصبح بظهور الحمرة المغربيّة إلى الشهيد في المقاصد العلّيّة، و هذه النسبة غير صحيحة، و الشهيد يجلّ عن ذلك، و كلامه تقدّم سابقا منّا و الكلام عليه، فتذكّر.

و من الطريف ما نقل لي أحد علماء العصر عن بعضهم من أنّ جرم الشمس بعضه مستنير، و بعضه غير مستنير، فهو أكبر من المرئي، و الجزء المظلم منه واقع في شرقي المستنير منه، و حيث كان الغروب المعتبر غروب جميع القرص لا يكفي خفائه عن البصر، و يعلم


1- جواهر الكلام 7: 120- 119.
2- رياض المسائل 2: 210.

ص: 441

غروب الجميع بزوال الحمرة المشرقيّة، و الأمر في الطلوع بالعكس، إذ المعتبر فيه طلوع أوّل جزء منه، و هو من النصف المستنير.

قلت: إن صحّ ذلك كان جوابا حسنا، و لكنّه من الحكمة الّتي ادّخرها أبرخس و بطليموس لهذا الخلف الصالح.

المسألة الثانية اختلف الأقوال في آخر وقت المغرب،

و بعض المعتنين بجمع الأقوال من معاصري الماتن (1) أنهاها إلى اثنى عشر قولا، و لكنّ الظاهر أنّ ما ذكره ناش من الجمود على ألفاظ العبارات، و إلّا فهي أقلّ من ذلك بكثير.

فالشيخ في الخلاف و إن أطلق القول بأنّ آخره غروب الشفق (2) و لكنّه يريد الوقت للمختار قطعا، إذ لا يظنّ به الذهاب إلى كونه وقتا مطلقا حتّى للمضطرّ و نحوه، مع تظافر الأخبار على خلافه.

و من قال بجواز التأخير إلى ربع الليلة للمسافر إذا كان في طلب المنزل لا يرى خصوصيّة لطلب المنزل، و إنّما ذكره مثالا، فيتّحد هذا القول مع القول بجواز التأخير إليه للمسافر إذا جدّ به السير، بل و مع القول بالربع لمطلق المعذور بعد ظهور أنّ ذكر السفر أيضا من باب المثال، و كونه أحد أفراد العذر غالبا.

و هكذا الكلام في غير واحدة من تلك العبارات، و لو استعمل هذا الجمود لزادت الأقوال على ما ذكره. و المنسوب منها إلى المشهور ما تقدّم في المتن، و التقييد بما إذا بقي من النصف مقدار العشاء مبنيّ على الاختصاص، و على الاشتراك فالنصف أيضا آخر المغرب مع أهمّيّة العشاء لدى التزاحم آخر الوقت كما مرّ بيانه.


1- هو العلّامة الفقيه السيّد جواد العاملي، راجع: مفتاح الكرامة 5: 93- 88.
2- الخلاف 1: 261.

ص: 442

و الوجه في هذا القول روايات كثيرة مرّ بعضها في مسألة الاشتراك و الاختصاص، و حمل الروايات الواردة على التحديد بغروب الشفق على كونه آخر وقت الفضل، و غيرها- كالربع و الثلث- على سائر المراتب.

قلت: أمّا ما دلّ على التحديد بغير سقوط الشفق فهذا الحمل متّجه فيه، مطابق لما قرّرناه في المقدّمات، و كذلك في كثير ممّا دلّ على التحديد بسقوطه، لو لا أمور ثلاثة:

أحدها: التصريح بلفظ الفوت في صحيح الفضيل و زرارة، قالا: قال أبو جعفر عليه السّلام: «إنّ لكل صلاة وقتين غير المغرب فإنّ وقتها واحد، و وقتها وجوبها و وقت فوتها سقوط الشفق» (1).

و قد عرفت في المقدّمات السابقة أنّ لفظ الفوت و نحوه متى تعلّق بنفس الصلاة يكون ظاهرا في عدم كون ما بعده وقتا مطلقا، إذ لا يصدق فوت الصلاة حقيقة إلّا بانقضاء جميع مراتبها.

ثانيها: الأخبار المتظافرة الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين إلّا المغرب، و أنّ جبرئيل لم يأت النبي صلّى اللّه عليه و آله للمغرب إلّا بوقت واحد (2).

فالتصريح بوحدة وقتها و إثبات هذه الخصوصيّة لها بين سائر الفرائض مع التصريح في بعضها بأنّ ذلك الوقت الواحد حدّه سقوط الشفق، يجعلها كالصريح في أنّ ما بعد الشفق ليس وقتا لها.

و لا ينافي هذه الأخبار ثبوت وقت آخر لها لخصوص المعذور، بعد وضوح كون مصبّ هذه الأخبار الوقت لعامّة المكلّفين لا بملاحظة خصوصيّات العوارض، كما لا ينافي ثبوت وقت ثالث كذلك لما له وقتان كما سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- مع زيادة بيان له.

كما لا ينافيها صحيح عبد اللّه بن سنان المشتمل على أنّ لكلّ صلاة وقتين (3) من غير


1- وسائل الشيعة 4: 187 الباب (18) من أبواب المواقيت ح 2.
2- وسائل الشيعة 4: 187- 189 الباب (18) من أبواب المواقيت ح 11- 1.
3- وسائل الشيعة 4: 208 الباب (26) من أبواب المواقيت ح 5.

ص: 443

استثناء المغرب، فإنّه من قبيل العامّ المخصّص بهذه الأخبار.

و من الغريب استدلال صاحب المدارك به على المشهور الّذي هو مختاره (1) و الغفلة عن هذه الأخبار المستفيضة المخصّصة له، بل الحاكمة عليه في وجه، على أنّه لو أغمضنا عن ذلك و حملنا الخبر على عمومه و قلنا: إنّ المغرب له وقتان- ليوافق الشهرة المنقولة- فمن المحتمل قريبا أن يكون آخر الوقت الأخير هو سقوط الشفق، كما يستفاد من مرسلة الكافي، قال بعد نقل الصحيح المتقدّم: «و روي أنّ لها وقتين، آخر وقتها سقوط الشفق» (2).

و لا منافاة بينها و بين ما دلّ على وحدة وقت المغرب كما بيّنه ثقة الإسلام بعد نقلها، و بيانه بتوضيح منّا: أنّ ما بعد الغروب إلى مقدار ما- و لعلّه مضىّ مقدار المغرب بحسب المتعارف أو غير ذلك- لوحظ تارة وقتا مستقلّا، و ما بعده إلى السقوط كذلك، نظرا إلى اختلافهما في الفضل، أو لكون كلّ منها وقتا بمجي ء جبرئيل عليه السّلام في اليومين، كما يستفاد من خبر ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«أتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال: صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر، و صلّ الاولى إذا زالت الشمس، و صلّ العصر بعيدها، و صلّ المغرب إذا سقط القرص، و صلّ العتمة إذا غاب الشفق، ثمّ أتاه من الغد، فقال: أسفر بالفجر، فأسفر، ثمّ أخّر الظهر، حين كان الوقت الّذي صلّى فيه العصر، و صلّى العصر بعيدها، و صلّى المغرب قبل سقوط الشفق، و صلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل، ثمّ قال: ما بين هذين الوقتين وقت» (3).

و لوحظ المجموع تارة وقتا واحدا، لعدم التفاوت الّذي يعتنى به بين الوقتين، أو لقلّة مقدار مجموعهما بحيث لا يزيد على مقدار أداء نفس الفريضة إذا أدّيت كما ينبغي، كما ذكر ثقة الإسلام أنّه جرّب ذلك مرارا.

و كيف كان، لو قيل بأنّ له وقتين لكان آخر الثاني أيضا غروب الشفق، و لا منافاة بين


1- مدارك الاحكام 3: 55.
2- وسائل الشيعة 4: 187 الباب (18) من أبواب المواقيت ح 3.
3- وسائل الشيعة 4: 158 الباب (10) من أبواب المواقيت ح 8.

ص: 444

رواية ذريح و سائر الأخبار الدالّة على أنّ جبرئيل عليه السّلام أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله في اليوم الثاني أيضا حتّى سقوط القرص، لوجوه كثيرة، ذكرها- و إن كانت لا تخلو عن فائدة- خروج عمّا يقتضيه المقام.

ثالثها: أنّ ما دلّ على أنّ ما قبل النصف وقتا لا يدلّ على أزيد من كونه وقتا في الجملة، من غير تعرّض لكونه لخصوص ذوي الأعذار، أو مطلق المكلّفين إلّا بالإطلاق، فيرفع اليد عنه بما ورد من التصريح في غير واحد من الأخبار بتقييده بذوي الأعذار، كموثّق جميل، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ قال:

«لعلّة، لا بأس» (1).

و صحيح ابن يقطين، قال: سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أ يؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال: «لا بأس بذلك في السفر، و أمّا في الحضر فدون ذلك شيئا» (2) يعني قبل غروب الشفق.

إلى غير ذلك من الأخبار المفصّلة القاطعة للشركة. و أكثر ما استدلّوا بها على جواز التأخير من هذا القبيل. و الخالي من ذلك أخبار تتضمّن حكاية الفعل الّذي لا يدلّ إلّا على الجواز في الجملة، كما ثبت في محلّه:

أوّلها: خبر إسماعيل بن جابر المتضمّن لحكاية صلاة الصادق عليه السّلام بعد السقوط (3)، و مورده السفر الّذي هو أحد الأعذار، كما هو المعلوم الّذي يدلّ عليه غير واحد من الأخبار.

و ثانيها: رواية داود الصرمي، قال: كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السّلام فجلس يحدّث حتّى غابت الشمس، ثمّ دعا بشمع و هو جالس يتحدّث، فلمّا خرجت من البيت نظرت و قد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب، ثمّ دعا بماء فتوضّأ و صلّى (4)


1- وسائل الشيعة 4: 197 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 13.
2- وسائل الشيعة 4: 197/ 15.
3- وسائل الشيعة 4: 195 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 7.
4- وسائل الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 10.

ص: 445

ثالثها: صحيح ابن همام (1) الّذي استدلّ به الماتن في أوّل وقت المغرب، و عرفت أنّه بمسألتنا هذه ألصق.

و لعلّ الروايتان حكاية عن فعل واحد للرضا عليه السّلام و لفظ أبي الحسن الثالث تصحيف، صوابه: الثاني، فإنّ داود الصرمي هو ابن مافنة الّذي هو من أصحاب الرضا عليه السّلام، فراجع (2)

و كيف كان، فهو حكاية فعل، فلعلّ التأخير كان لأمر مهمّ يخشى في تأخير الحديث به إراقة دماء محقونة، و نهب أموال مصونة. و اعتذار الماتن عن ذلك بأصالة عدم العذر يلزم الاعتذار عنه إن أمكن.

و بالجملة، فهذه الامور الثلاثة ينافي الحمل المذكور، لا سيّما مع كونها مؤيّدة بمثل قوله في حكاية ابن صهران المتقدّمة: «إنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة» فإنّ مثل هذا التعبير لم نعهده في غير المغرب من الفرائض.

و بما ورد من التبرّي و اللعن لمن أخّر المغرب عن ذلك أو عن اشتباك النجوم (3) و إن كان من المحتمل كونها تعريضا بأصحاب أبي الخطّاب، أو بمن يفعله طلبا للفضل، فلا محيص بحسب قواعد الصناعة عن القول بأنّ آخر وقت المغرب سقوط الشفق للمختار.

نعم، ما بعده وقت لذوي الأعذار، و يجوز التأخير إليه لهم بلا ريب، كما هو المصرّح به في هذه الأخبار و غيرها كثيرة، و يظهر منها كون ذلك وقتا لمن كان له أدنى مراتب العذر، من غير فرق بين المسافر و غيره، و من غير فرق بين سائر أقسام العذر.

قال عمر بن يزيد: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت المغرب؟ فقال: «إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك و كنت في حوائجك فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل» (4).

و صحيحته أيضا، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أكون مع هؤلاء و أنصرف من عندهم


1- وسائل الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 9.
2- رجال النجاشي: 161.
3- وسائل الشيعة 4: 188- 189 الباب (18) من أبواب المواقيت ح 8- 6.
4- وسائل الشيعة 4: 195 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 8.

ص: 446

عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأقيمت الصلاة، فإن أنا نزلت أصلّي معهم لم أستمكن من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة، فقال: «ائت منزلك، و أنزع ثيابك، و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ و صلّ، فإنّك في وقت إلى ربع الليل» (1)، إلى غير ذلك من الروايات الّتي يستفاد منها التوسعة في العذر، و أنّ العذر أعمّ من الشرعيّ و العرفيّ، فيجوز التأخير إذا كان فيه مصلحة عائدة إليه، أو إلى غيره.

و بالجملة، فالمستفاد من مجموع الأخبار اختلاف أصل الوقت بحسب وجود العذر و عدمه، و أنّ ذلك من باب تنويع الموضوع، و اختلاف الحكم بحسبه، و قد مرّ في المقدّمات بيان لذلك، و إن كان لوضوحه غنيّا عن البيان.

و ربّما يستبعد ذلك، و يجعل ذلك قرينة على حمل هذه الأخبار على التأكيد في تقديم الفريضة مع بقاء الوقت بعده، و هذا الاستبعاد ناش من عدم التأمّل في اختلاف المصالح الّتي توجب اختلاف موضوعات الأحكام، و في نظائره الواردة في الشرع، كالسورة الّتي هي جزء واجب لصلاة غير المستعجل، دون غيره، إلى غير ذلك.

و إذا كان الاضطرار موجبا لتوسيع الوقت إلى الفجر، و اختلاف حكمه مع العامد عند الماتن و أكثر المتأخرين فليكن العذر الّذي هو مرتبة من مراتبه مثله.

و قال الماتن في كتابه الكبير:

لا يخفى رجحان ما تقدّم من الأخبار بالموافقة لظاهر الكتاب، و للشهرة العظيمة، و الإجماع المحكيّ المؤيّد بما عرفته في ما تقدّم، و بالمخالفة للعامّة، و بسهولة الملّة و سماحتها [و غير ذلك عليها]، خصوصا مع [ملاحظة] اختلافها بالربع و الثلث، و اشتباك النجوم، و عدم تقدير الضرورة فيها، بل تارة يذكر فيها العلّة، و اخرى العذر، و اخرى الحاجة، و اخرى السفر، بل في تضمّنها نفسها بعض الأعذار الّتي لا تصلح أن تكون سببا لتأخير مطلق الواجب عن وقته- فضلا عن مثل الصلاة، و فضلا عن مثل صلاة المغرب- أقوى دلالة على المطلوب، إلى غير ذلك من القرائن و الإمارات الّتي


1- وسائل الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 11.

ص: 447

يمكن أن تشرف الفقيه على القطع، بل قد عرفت في الظهرين ما يدلّ على المطلوب بوجوه (1)، انتهى.

قلت: أمّا الأخبار، فقد عرفت الكلام فيها، و عرفت أنّه ليس فيها خبر واحد يدلّ على جواز التأخير من غير عذر، و الترجيح فرع وجود رواية كذلك، و على فرضه فالآية الدالّة على النصف الّتي جعل موافقتها من المرجّحات لا نعرف أيّ الآي مراده؟ فإن كان قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ (2) فهي أجنبيّة عن مسألتنا هذه، و إنّما تناسب مسألة آخر العشاء، إلّا أن يضمّ إليها شيئا من الشهرة و نحوها، فيخرج حينئذ عن الترجيح بموافقة الكتاب.

و أمّا الترجيح بموافقة الشهرة، و الإجماع المنقول، و مخالفة العامّة، فهي امور لا تخصّ هذه المسألة، فلا زال رحمه اللّه يكرّرها، و نكرّر عنها الجواب في هذا الكتاب، فليراجع.

و أمّا موافقتها للسماحة و سهولة الملّة، فمن الامور الضعيفة الّتي لا تقوّى بها الضعيف من الأدلّة.

و جميع هذه الوجوه قد ذكرها أوّل المسألة، و لا أدري ما الّذي دعاه إلى إعادتها.

و أمّا طعنه على هذه الأخبار بالاختلاف، فظاهر أنّها متّفقة في الدلالة على مسألتنا هذه، و هي وجوب التقديم على غروب الشفق و إن اختلف في آخر الوقت المطلق، أو لخصوص ذوي الأعذار، و هي مسألة اخرى، و فيها خلاف آخر، و الماتن لا يرى طرحها، بل يحملها على بعض المحامل الّتي لا تنافي النصف كما ستعرف.

فالقائل ببقاء الوقت لذوي الأعذار بعد الشفق له أن يقول فيها بمثل مقال القائل ببقاء الوقت المطلق بعده. نعم، في رواية واحدة منها عدم جواز التأخير عن اشتباك النجوم، و هذا ليس ممّا يخالف غيرها، لأنّهما غير متباينين.

و من جعل في مسألة أوّل وقت المغرب بدوّ النجوم الثلاثة، و إقبال السواد من المشرق، و


1- جواهر الكلام 7: 153- 152.
2- الاسراء 78.

ص: 448

الإمساء- مع الاختلاف الكليّ بين مفاهيمها جميعا- كناية عن غروب الحمرة المشرقيّة، كيف لا يجوّز في هذه المسألة أن يكون لفظ واحد- و هو الاشتباك- كناية عن غروب الحمرة المغربيّة؟ مع أنّ الملازمة الغالبيّة بينهما ظاهرة، و يظهر من غير واحد من الأخبار إطلاقه عليه، فراجع.

و أمّا عدم تقرير الضرورة فيها، فالوجه فيه كونها أحد الموضوعات العرفيّة الّتي لا يلزم الشارع بيانها، بل هي من الموضوعات الّتي لا يمكن ضبطها، لاختلافها بحسب الموارد أشدّ الاختلاف، و في أكثر الموارد الّتي علّق بها حكم لم يبيّن مقدارها، بل أرجع فيها إلى تشخيص المكلّف المبتلى بها.

و أمّا اختلاف الألفاظ الوارد فيها من العلّة، و العذر، و الحاجة، و غيرها فاختلاف في مجرّد اللفظ، و بيان بعض أفراد العذر في بعضها، و فرد آخر في البعض الآخر، و المراد من الجميع ما عرفت بشهادة الروايات الّتي تقدّم بعضها.

و أمّا الطّعن فيها بتضمّنها بعض الأعذار الّتي لا تصلح لكونه سببا لتأخير الواجب، فهو كذلك و لكنّه لا ندري على من يرد هذا الإيراد؟ و من الّذي جوّز تأخير الواجب عن وقته؟

أمّا خصمه فمدّعاه كون ما بعد الشفق وقتا حقيقيّا لذوي الأعذار، كالّذي قبله لغيرهم، و إلّا فحاشا كلّ مسلم أن يجوّز تأخير أدنى الواجبات الموقّتة عن وقتها.

و لعلّه رحمه اللّه يريد بهذا الكلام الاستبعاد المتقدّم، و إن لم تساعده العبارة، فإن كان ذلك فالجواب ما تقدّم.

هذا، و لم نعرف وجه خصوصيّة المغرب في قوله، لا سيّما بعد اعترافه بكون الوسطى الظهر، و لا نعرف غير ذلك خصوصيّة اخرى لفريضة ما بين سائر الفرائض، فليلاحظ.

و بالجملة، هذه الامور بمراحل عن حصول أدنى مراتب الظنّ بها فضلا عن أن تشرف على القطع، و المسألة بحسب قواعد الصناعة كما عرفت، و هي خلافيّة.

و الإجماع الّذي ادّعاه في المختلف يريد به الإجماع على اتّحاد الحال في الظهرين و

ص: 449

العشاءين من حيث الاشتراك و الاختصاص (1) و إلّا فكيف يدّعي الفاضل ذلك مع أنّه نقل في المختلف بعينه هو هذا القول عن هؤلاء الشيوخ، و الماتن قد ناقش فيه هناك، و إن استدلّ هناك.

و بعض مشايخنا المعاصرين يذهب إلى وجوب التقديم، و بقاء الوقت بعد ذلك، و إن عصى في التأخير، و قد حكى لي ذلك عن بعض الأساطين الّذين أدركنا عصرهم، و هو و إن كان ممكنا- كما مرّ في المقدّمات- بل واقعا- كما تعرف قريبا- و لكنّه يصعب استفادته من الأدلّة، فالأحوط عدم التعرّض للأداء و القضاء إن أخّرها عنه لغير عذر.

و بالجملة، فالمسألة إن لم يكن الأقوى فيها ما عرفت فهي من أولى المسائل بالاحتياط.

و الشيخ قدّس سرّه في كتاب الصلاة قال: «إنّ الاحتياط في هذه المسألة المشكلة لا ينبغي تركه» (2). و لا أدري لما ذا ترك ذكره في الحاشية. و كذا شيخنا الفقيه في المصباح ذكر الاحتياط في كتابه (3) و تركه في الحاشية. و من المحشّين جماعة دأبهم الاحتياط بأدنى وجود منشأ له من خبر ضعيف، أو قول نادر، فما بالهم تركوه في هذه المسألة؟ مع أنّها من أولى المسائل بذلك، و ينبغي تقديمها حتّى لذوي الأعذار أيضا، و تقديم أمر اللّه سبحانه على امورهم إن لم يكن ذلك الأمر ممّا يعود إلى رضاه سبحانه، كالاشتغال بقضاء حوائج المؤمنين.

و نحوها روي في قرب الإسناد مسندا عن صفوان بن مهران، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ معي شبه الكرش المنثور، فأؤخّر صلاة المغرب حتّى عند غيبوبة الشفق، ثمّ أصلّيهما جميعا، يكون ذلك أرفق بي، فقال: «إذا غاب القرص فصلّ المغرب، فإنّما أنت و مالك للّه» (4).


1- مختلف الشيعة 2: 46- 45.
2- كتاب الصلاة 1: 87.
3- مصباح الفقيه 9: 222.
4- وسائل الشيعة 4: 193 الباب (18) من أبواب المواقيت ح 24.

ص: 450

هذا، و أمّا آخر الوقت لذوي الأعذار فالأقوى ما ذهب إليه المشهور، و الأخبار الدالّة على التحديد بالربع و الثلث لا تعارض ما دلّ على النصف- لما مرّ في المقدّمات- على أنّها على فرض المعارضة، فأخبار النصف أصحّ سندا، و أكثر عددا من غيرها، و قد مرّ بعضها في مسألة اشتراك الظهرين.

المسألة الثالثة أوّل وقت العشاء على المختار أوّل المغرب للمختار و غيره،

و قد تقدّم في الظهرين بعض الأخبار الدالّة على ذلك، و ذهب جماعة منهم الشيخان إلى أنّ أوّل وقتها بعد غروب الشفق إلّا لعذر.

و المستند لهم في الأوّل أخبار كثيرة كصحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه متى تجب العتمة؟ قال: «إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة» (1).

و صحيح بكر بن محمّد، و فيه: «أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل» (2).

و في الثاني خبر عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن تغيب الشفق» (3).

و ما في موثّقة جميل من قوله: صلّيت العشاء الآخرة قبل أن يغيب الشفق، فقال: «لعلّة، لا بأس» (4).


1- وسائل الشيعة 4: 204 الباب (23) من أبواب المواقيت ح 1.
2- وسائل الشيعة 4: 185 الباب (17) من أبواب المواقيت ح 6.
3- وسائل الشيعة 4: 202 الباب (22) من أبواب المواقيت ح 1.
4- وسائل الشيعة 4: 197 الباب (19) من أبواب المواقيت ح 13.

ص: 451

و لو لا الأخبار الصريحة في جواز التقديم مطلقا- لعذر كان أو غيره- لكان الحال في هذه المسألة كالحال في سابقتها، فإنّ الأخبار الدالّة على دخول الوقتين بالغروب لا تدلّ بصريح اللفظ على أزيد من دخول الوقت في الجملة، و بالإطلاق على دخول الوقت لمطلق المكلّفين.

و مفاهيم هذه الأخبار كانت تقييدها بذوي الأعذار، و لكن تلك الأخبار الصريحة قد دلّت بمنطوقاتها على دخول الوقت بالغروب مطلقا، و هي أقوى من هذه المفاهيم من وجوه كثيرة، فتكون قرينة على تأكيد التأخير لغير ذوي الأعذار.

و من تلك الأخبار ما رواه الشيخ في الموثّق أو الصحيح عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة، و صلّى بهم المغرب و العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علّة في جماعة، و إنّما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك ليتّسع الوقت على أمّته» (1).

و موثّق إسحاق بن عمّار، سئل الصادق عليه السّلام عن الجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ فقال: «لا بأس» (2) إلى غير ذلك.

و قد روي الجمع بين العشاءين من غير تعيّن لأنّه هل كان بتقديم العشاء على غروب الشفق، أو تأخير المغرب عنه؟ مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين و] جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علّة بأذان [واحد] و إقامتين» (3).

فإن تمّ ما ذكرناه في المسألة السابقة من عدم جواز تأخير المغرب عن سقوط الشفق اختيارا كان هذا الخبر و أمثاله من أدلّة المختار في هذه المسألة، و إلّا ففي غيره الكفاية.


1- وسائل الشيعة 4: 139 الباب (7) من أبواب المواقيت ح 6.
2- وسائل الشيعة 4: 204 الباب (22) من أبواب المواقيت ح 8.
3- وسائل الشيعة 4: 220 الباب (32) من أبواب المواقيت ح 1.

ص: 452

المسألة الرابعة آخر العشاء نصف الليل كما هو المشهور،

لظاهر الآية، و صريح الروايات المتقدّمة، و غيرها و هي كثيرة، و ما دلّ على الثلث يحمل على بعض مراتب الفضل- كما تقدّم- إذ ليس فيها ما ينافي ذلك، و على فرض التعارض فأخبار النصف أرجح منها عددا، و سندا، و اعتضادا بموافقة الأصحاب و ظاهر الكتاب، و يأتي زيادة بيان لهذه المسألة، إن شاء اللّه.

المسألة الخامسة أثبت جماعة من الأصحاب وقتا اضطراريّا للعشاءين آخره طلوع الفجر،

إمّا لخصوص النائم و الناسي و الحائض، أو لمطلق المضطرّ، و لا ينافي ثبوته ما دلّ على كون آخر الوقت النصف، و لا ما دلّ على أنّ للعشاء وقتان بعد ظهور كون مصبّ تلك الأخبار الوقت الاختياري الّذي يلاحظ فيه الطوارئ و العوارض من حالات المكلّفين. فالإشكال على هذا القول بذلك كما عن بعض المتأخّرين لا موقع له.

و أمّا ثبوته لخصوص النائم و الناسي و الحائض فهو مورد غير واحد من النصوص، منها: صحيح عبد اللّه بن سنان و غيره، و قد تقدّم في مسألة اشتراك العشاءين.

و منها: المستفيضة الواردة في الحائض الدالّة على وجوب الصلاتين عليها إذا طهرت قبل الفجر (1).

و لا ينافيها ما ورد من الذمّ في من نام عن صلاة العشاء (2)، فإنّه على تسليم كون الذمّ فيه ذمّ تحريم لا يدلّ على أزيد من وجوب التقديم، و عدم جواز النوم لمن خاف من عدم


1- وسائل الشيعة 2: 364 الباب (49) من أبواب الحيض ح 12- 10.
2- وسائل الشيعة 4: 214 الباب (29) من أبواب المواقيت.

ص: 453

الاستيقاظ، و هو خارج عن محلّ الكلام، و منه يظهر أنّ ثبوت الكفّارة لمن نام عنها إلى بعد النصف لا يدلّ على أزيد من الوجوب.

و لا مرفوعة ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» (1)، لأنّ القضاء فيها غير ظاهر في المعنى المصطلح، بل لعلّه من قبيل قوله تعالى: فَإِذٰا قُضِيَتِ الصَّلٰاةُ (2).

و لو سلّم ظهوره في ذلك فظهور تلك الأخبار في كونه أداء أقوى، لا سيّما قوله في الصحيح المتقدّم: «و إن خاف أن يفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء»، و على فرض ظهور لفظ القضاء في المعنى المصطلح يكون المقام من التعارض، و هذه الأخبار أقوى سندا، و أكثر عددا.

و قد طال في الحدائق الكلام في ردّ هذا القول، و أورد وجوها خمسة زعم أنّها طاهرة البيان، ساطعة البرهان (3)، على أنّ منشأ هذا القول عدم التأمّل في الأخبار، و الخروج عن القواعد المقرّرة عن أهل العصمة، و لعمري إنّه لم يأت بشي ء أصلا، إذ تلك الوجوه الخمسة اتّضح الجواب بما تقدّم عن ثلاثة منها، و هي: مخالفتها للكتاب، و منافاتها لتثنية الوقت، و معارضتها بما دلّ على ذمّ النائم عن العشاء إلى النصف.

و أحد الباقين هو موافقتها للعامّة، و قد عرفت في مسألة أوّل المغرب و غيرها أنّه ليس كلّ خبر موافق معهم يلزم طرحه.

و الآخر و هو أنّه لو كان وقتا لتضمّنت الأخبار الواردة في المواقيت الإشارة إليها، فإن أراد من أخبار المواقيت مطلق الأخبار الواردة فيها ففي هذه الأخبار التصريح بدل الإشارة، و إن أراد أخبارا خاصّة كالأخبار العامّة و المشتملة لنزول جبرئيل عليه السّلام و نحوها فقد عرفت أنّها مسوقة لبيان أوقات المكلّفين فعلا لا لغيرهم.

و لهذه الوجوه تردّد الماتن في كتابه الكبير بل مال إلى الخلاف (4)، و قال هنا:


1- وسائل الشيعة 4: 185 الباب (17) من أبواب المواقيت ح 5- 215 الباب (29) من أبواب المواقيت ح 6.
2- الجمعة: 10.
3- الحدائق الناظرة 6: 188- 183.
4- جواهر الكلام 7: 160- 158.

ص: 454

(و الأولى عدم التعرّض للأداء و القضاء) لا سيّما لغير الثلاثة من أقسام الاضطرار، كما ذكره الشيخ الأستاذ في الحاشية اقتصارا على موارد النصّ.

و أمّا الوجه في قوله: (بل الأولى ذلك حتّى في العامد) فهو احتمال أن يكون الوقت باقيا له إلى الفجر، و إن وجبت له المبادرة إليها قبل النصف، و الاضطرار الوارد في النصوص لعلّه من باب المثال للتأخير، فيكون أداء، مع احتمال الخصوصيّة للمضطرّ، فيكون قضاء.

و السيّد الأستاذ- دام ظلّه- قد جزم بالأوّل، و لهذا قال في حاشيته على العبارة المتقدّمة من المتن: «بل و كذا العامد و إن أثم في التأخير».

و الوجه في بقاء الوقت مع العمد ما عرفت، مضافا إلى بعض الأخبار المطلقة كخبر عبيد بن زرارة: «لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر» (1).

و ما قيل من أنّ المراد مجموع صلاة الليل، لا خصوص العشاءين يفيد جدّا.

و الوجه في حكمه- دام ظلّه- بالإثم في التأخير يظهر ممّا تقدّم من ثبوت الكفّارة بالتأخير، و الأمر بالاستغفار في المرفوعة المتقدّمة، و ما ورد من الذمّ على من نام عنها إلى الانتصاف الدالّ على غيره بالأولويّة.

و هذه الوجوه و إن أمكن المناقشة فيها و لكن أصل الحكم لعلّه من القطعيّات الّتي لا ينازع فيها أحد، و ما في بعض الكتب من نقل القول بذلك فالظاهر- كما قيل- أنّه للعامّة و اختيار بعض المحشّين جواز التأخير جرأة عظيمة.

و بالجملة، فالأقوال في المسألة بين إفراط و تفريط، و لعلّ الأصوب التوسّط، و هو بقاء الوقت لخصوص ذوي الأعذار دون غيرهم، و اللّه أعلم.

و قواعد الصناعة و إن كانت لا تأبى عن بقاء الوقت إلى الفجر، إذ مقتضى المقدّمات كسابقة العمل بخبر عبيد المتقدّمة، و ما دلّ على الانتهاء بالنصف لا يدلّ على أزيد من كونه آخر الوقت الّذي أمر اللّه بإيقاع الصلاة فيه، و إطلاقه غير ناظر إلى صورة العصيان، و لكن


1- وسائل الشيعة 4: 159 الباب (10) من أبواب المواقيت ح 9.

ص: 455

في النفس من ذلك شي ء، إذ خبر عبيد غير نقيّ السند، و الأصحاب لم يعلموا به، و الأدلّة كأنّها ظاهرة في انتهاء مطلق الوقت بالنصف، فالتوسّط المتقدّم أصوب.

و الاحتياط حسن على كلّ حال، و هو يحصل بترك نيّة الأداء و القضاء معا إذا لم يكن عليه صلوات فائتة سابقة، و كذلك لو كانت عليه و قلنا بعدم اشتراط الترتيب.

و أمّا مع القول بالاشتراط فالاحتياط يحصل بما ذكره أحد أعلام العصر- دام ظلّه- في حاشية المقام و هو: «مع مراعات الترتيب بينهما و بين غيرهما من الفوائت لو كانت عليه إن أمكن، و إلّا فيحتاط بالجمع بين الإتيان في الوقت المزبور و القضاء بعد ذلك مترتّبا على تلك الفوائت».

و من كان من المحشّين يذهب إلى وجوب الترتيب كان عليه أن ينبّه ما نبّه عليه- دام ظلّه- إلّا أن يكون قد اكتفى بما ذكره في محلّه، معتذرا بأنّ البحث في المقام من حيث بقاء الوقت و عدمه فقط.

(ثمّ) ينقضي الوقت الاضطراري للعشاء (و يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر) الثاني، و هو (الصادق) اللسان بالإخبار عن عين الشمس، و هو (الّذي كلّما زدته نظرا أصدقك بزيادة حسنه المستطير في الافق).

و قوله: (أي المعترض) إن كان تفسيرا للمستطير فهو غبر جيّد، نعم، هو (المنتشر فيه كالقبطيّة البيضاء، و كنهر سورى، لا) الفجر الأوّل (الكاذب) و هو (المستطيل في السماء المتصاعد فيها الّذي يشابه ذنب السرحان) في استطالته و دقّة طرفه.

و قوله: (على سواد يتراءى من خلاله) إن كان المراد منه ضعف الضوء فهو كذلك، و إن كان غيره فلا أعرف وجهه.

(و) أمّا السواد من (أسفله) فوجهه ظاهر ممّا ثبت في محلّه من أنّ الشمس إذا قربت من الافق الشرقىّ مال مخروط ظلّ الأرض نحو المغرب، فيكون المرئي من الشعاع المحيط به أوّلا ما هو أقرب إلى البصر، و الأقرب إلى البصر هو الجانب الّذي يلي الشمس، و يمرّ سطح بمركزي الشمس و الأرض و بسهم المخروط، و ليحدث مثلّث حادّ الزوايا، قاعدته على

ص: 456

الافق، و ضلعاه على سطح المخروط، و لا شكّ أنّ الأقرب من الضلع الّذي يلي الشمس إلى الناظر يكون موقع العمود الخارج من البصر الواقع على ذلك الضلع، لا موضع اتّصال الضلع بالافق، فإذا أوّل ما يرى نور الشمس يرى فوق الافق كخطّ مستقيم منطبق على الضلع المذكور، و يكون ما يقرب من الافق مظلما.

كذا في التذكرة للمحقّق الطوسى قدّس سرّه و بيان ذلك و ذكر المباحث النفيسة المتعلّقة به خروج عن مقتضى المقام بما لا يتسامح فيه.

و ممّا نقلناه ظهر الوجه في استطالته أوّل ما يبدو. ثمّ إذا كثر الضوء يأخذ في الاعتراض و ينبسط الشعاع على الافق (و لا يزال) الفجر الكاذب يعترض و يقوّي حتّى يصير فجرا صادقا، لا أنّه لا يزال (يضعّف حتّى ينمحى أثره) كما توهّمه.

(و يمتدّ وقته إلى طلوع أوّل جزء من قرص الشمس) لا إلى طلوع مركزها- كما اختاره في العناوين (1)- فضلا عن جميعه (في افق ذلك المصلّي) بالمعنى الّذي حقّقناه في مسألة الغروب، فراجعه فإنّه مفيد نافع جدّا، و لا تكاد تجده في غير هذا الكتاب.

هذا، و امتداد وقت الصبح إلى الطلوع في الجملة ممّا لا إشكال فيه، و المشهور أنّه وقت للمعذور و غيره، و ذهب جماعة منهم الشيخ في بعض كتبه إلى أنّه للمختار طلوع الحمرة المشرقيّة، و للمعذور طلوع الشمس (2).

و الوجه للقول المشهور أخبار كثيرة، منها: ما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (3) إلى غير ذلك من الروايات.

و للقول الآخر روايات لو كانت ظاهرة في التقييد لكان هذا القول متعيّنا بمقتضى المقدّمات السابقة، و لكنّها ليست كذلك، بل بعضها ظاهر في جواز التأخير مع كراهة تعمّد


1- العناوين 1: 197.
2- كتاب المبسوط 1: 75.
3- وسائل الشيعة 4: 208 الباب (26) من أبواب المواقيت ح 6.

ص: 457

التأخير، كصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لكلّ صلاة وقتان، و أوّل الوقتين أفضلهما، و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنّه وقت من شغل، أو نسي، أو سها، أو نام» (1).

هذا، و قد تقدّم نسبة القول بأنّ آخره ظهور الحمرة المغربيّة إلى الشهيد، و عرفت ما فيها و فيه.

و يظهر من كاشف اللثام الميل إليه (2) و قد عرفت أنّه لا محيص لمعتبري زوال الحمرة المشرقيّة في الغروب عن اعتبارها في الطلوع، و لكن أكثرهم لا يقولون به.

و أمّا على ما حقّقناه من جعل زوال الحمرة المشرقيّة علامة للغروب فالفرق بين الحمرتين ظاهر، إذ زوال المشرقيّة علامة لتقدّم الغروب عليه، و مقتضاه أن يكون حدوث المغربيّة متقدّما على الطلوع.

نعم، لو وصلت إلى نفس الافق كانت علامة للطلوع، لما ذكره المجلسي من التجربة (3) و يساعده الاعتبار.

و المراد من اشتراك الوقت بين الظهرين و العشاءين في جميع الوقت مع اشتراط الترتيب بين كلّ من الاوليين و شريكتها، و أولويّة كلّ من الاخريين بآخر الوقت عند التزاحم قد مرّ بيانه.

و أمّا (الاختصاص) في أوّل الوقت و آخره فمعناه عند الماتن: (عدم صحّة خصوص الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبة الوقت مطلقا، من غير فرق بين السهو و عدمه، و القضاء و عدمه).

أمّا بطلانها في أوّل الوقت- كما لو شرع أوّل الزوال في العصر- فظاهر، لأنّه صلاة وقعت قبل الوقت فتبطل، و كذلك بناء على الاشتراك مع التمكّن من الظهر، و بقاء شرطيّة تقديمها،


1- وسائل الشيعة 4: 208 الباب (26) من أبواب المواقيت ح 5.
2- كشف اللثام 3: 51.
3- بحار الأنوار 80: 74.

ص: 458

و تصحّ متى سقط الشرط أو الشرطيّة- كما لو فرض عدم تمكّن المكلّف من خصوص الظهر- أو نسي الترتيب، لكونه شرطا مع التذكّر، و هذا إحدى الثمرات بين القول بالاشتراك و الاختصاص، بل هي عمدتها.

و يظهر من المدارك إنكار هذه الثمرة، حيث استدلّ على الاختصاص بأنّه لا معنى للوقت إلّا ما جاز إيقاع الصلاة فيه و لو على بعض الوجوه، و لا ريب أنّ إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع، و كذا مع النسيان على الأظهر، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه (1)، انتهى.

و هذا يتمّ على كون الترتيب شرطا واقعيّا، و لكنّه خلاف اتّفاق الأصحاب، و خلاف مذهبه قدّس سرّه، و لازم كونه شرطا واقعيّا بطلان العصر قبل الظهر في الوقت المشترك أيضا، و لا يقول به، و بالجملة، لم يظهر لنا معنى لهذا الكلام.

و الفريد الأصفهاني (2) بيّن الوجه في ذلك في حاشيته (3) بما هو أشكل منه، و لعلّنا نعيد النظر و البحث فيه في مسألة اشتراط الترتيب، إن شاء اللّه تعالى.

و كتب السيّد الأستاذ- دام ظلّه- في حاشية المقام: «إنّ الأقوى صحّة الشريكة مع السهو» و مقتضاه القول بالاشتراك، و لكنّه خلاف ما سمعت منه- دام ظلّه- و لمّا ذكرت له عدم إمكان الجمع بين القول بالاختصاص و تصحيح الشريكة الواقعة في الوقت المختصّ سهوا، أجاب بأنّه يقول بالاختصاص، لكن لا بالمعنى المشهور، و أحال بيانه إلى وقت آخر، و لم يتّفق ذلك إلى الآن، و لعلّه يريد اختصاص الوقت الفعلي بالاوليين- كما عرفت تحقيقه منّا- و لكنّه بحسب الواقع قول بالاشتراك، و إن أفادنا وجها غير ذلك ألحقناه بهذا الموضع، إن شاء اللّه.

و أمّا بطلان الأوليين في آخر الوقت أداء فظاهر، و لكنّهما تصحّان على القول بالاشتراك


1- مدارك الاحكام 3: 36.
2- هو العلّامة المجدّد محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني المتوفّى سنة 1205 ه.
3- راجع: الحاشية على مدارك الأحكام 2: 279.

ص: 459

كذلك مع السهو، بل و مع العمد و إن حصل العصيان بترك الأهمّ- كما تقدّم- و هذا ثمرة اخرى للخلاف.

و أمّا وقوعهما قضاء فلا مانع منه، إذ غاية ما دلّت عليه مرسلة ابن فرقد- على ما فهموا منها- عدم كون هذا المقدار من الوقت وقتا للظهر، و أنّ نسبته إلى الظهر نسبة ما قبل الزوال إليها، و أنّه لا خصوصيّة بينه و بينها، و لا اقتضاء فيه لها، و جميع ذلك غير مناف لوقوعها قضاء، بل لا معنى للقضاء إلّا ذلك.

و أمّا كونه مانعا من صحّة الصلاة و اقتضائه للعدم فلا تدلّ عليه المرسلة قطعا، و لا نعهد مثله في جميع أجزاء الزمان، إذ هي بين ما لها خصوصيّة لفرض خاص، فيكون فيه أداء، و بين ما ليس لها ارتباط خاصّ، فيكون فيه قضاء.

و أمّا ما يكون له اقتضاء المنع و الفساد من حيث الوقتيّة لفرض خاصّ فممّا لا نعهد له مثالا، و الاوقات الّتي تكره فيها الصلاة لا ربط لها بالمقام، كما هو واضح بعد التأمّل.

و بالجملة، الحكم بعدم وقوع الشريكة حتّى قضاء ممّا لم أجده في كلام من تقدّم على الماتن و من تبعه، و ضيق المجال يمنع من التتبّع التامّ، و لا أعرف له وجها إلّا ما يظهر من كتابه في مسألة ما لو صلّى العصر في آخر الوقت المشترك نسيانا، فإنّه- بعد ما صحّح وقوع الظهر بعده أداء بأنّ المنساق إلى الذهن اختصاص العصر بذلك المقدار إذا لم يكن المكلّف قد أدّاها، اقتصارا على المتيقّن خروجه من الأدلّة- قال ما لفظه:

«إنّه لو اريد جريان حكم الاختصاص عليه و إن كان قد ادّي لم يصحّ فعل الظهر مطلقا، لا أداء و لا قضاء، أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني فلأنّ معنى الاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه قضاء، إذ هي لا تكون فيه إلّا كذلك، ضرورة خروج وقتها، فمن ترك العصر في وقت اختصاصه و أراد صلاة الظهر فيه قضاء لم يصحّ، و إلّا مضت ثمرة الاختصاص، و احتمال أنّ المراد بالاختصاص عدم وقوع الشريك فيه أداء [خاصة، لا أداء و] قضاء- فمن صلّى الظهر حينئذ في وقت اختصاص [العصر] و الفرض أنّه لم يكن صلّى العصر صحّت ظهره قضاء، بناء على عدم النهي عن الضدّ- يدفعه ظهور لفظ الاختصاص في غير ذلك، و أنّ الأدائيّة و القضائيّة ليستا من القيود الّتي تكون

ص: 460

موردا للنفي، ضرورة عدم كونها من المكلّف، بل هي أوصاف من لوازم الفعل المكلّف به من غير مدخليّة للأمر، فلا يتوجّه نفيه إليها، فتأمّل جيّدا فإنّه دقيق، و إن كان بعد التأمّل واضحا» (1)، انتهى.

قلت: أمّا تخصيص الاختصاص بصورة عدم أداء صاحبة الوقت فممّا لا وجه له بعد إطلاق الدليل، و عدم دليل صالح للتقييد، و ما ذكره من كونه المنساق إلى الذهن فالأمر فيه موكول إلى الناظر، أمّا نحن فلا نجد فرقا بين الصورتين في شمول المرسلة و نحوها لهما معا.

على أنّ الظاهر كونه خلاف اتّفاق كلمة الأصحاب، إذ هم- في ما نعلم- بين قائل بالاشتراك مطلقا، و بين قائل بالاختصاص كذلك، فالتفصيل إحداث قول ثالث، و مثله يتحاشى عن مثله.

و لم يذكر وجها لما ادّعاه من عدم ظهور كلمات الأصحاب في الاختصاص في هذه الصورة، فهو مجرّد ادّعاء لا يكاد يثبت.

هذا كلّه مع أنّ مبنى كلامه- كما يظهر من مواضع من كلامه- على كون أدلّة الاشتراك عمومات تخصّصها المرسلة، و قد عرفت ما فيه.

و أيضا لا تجمع هذا الدعوى مع ما تقدّم منه و من غيره في تأويل أدلّة الاشتراك- من كون المراد دخول وقت المجموع لا الجميع، أو دخول الوقتين على نحو التوزيع- إلّا بالتكلّف، فليتأمّل.

و أمّا ما ذكره من انتفاء ثمرة الاختصاص، ففيه أنّ الحال في المقام كالحال في تحديد سائر المواقيت الّتي يكفي ثمرة لها كون الفعل فيه أداء موجبا للثواب و درك مصلحة الوقت، و في غيره موجبا للعقاب و فوات مصلحة الوقت، و نقصان الأجر و الفضل، و نحو ذلك، و أيّ فرق بين تحديد آخر وقت الظهر بمقدار الأربع الباقي من النهار، و بين تحديد آخر الصبح مثلا بطلوع الشمس.

و ما ذكره في باقي كلامه، لو سلّمنا وضوحه، و رفعنا النظر عن ما فيه من الكلام الموجب


1- جواهر الكلام 7: 93.

ص: 461

ذكره الخروج عن المقام، فإنّه لم يظهر لنا وجه ارتباطه بالمقام، و هو أجنبيّ عن المرسلة و نحوها من أدلّة الاختصاص الّتي لا تدلّ على أزيد من تحديد الوقت.

فكأنّ مبنى كلامه قدّس سرّه على وجود دليل دلّ على بطلان الصلاة في آخر الوقت، فأراد أن يستفيد منه بهذا البيان عدم الصحّة مطلقا، على تقدير شموله صورتي أداء صاحبة الوقت و عدمه- و نحن لا نعرف ذلك الدليل حتّى نبحث عنه.

اللّهم إلّا أن يكون خبر الحلبي المتقدّم، و تفسير قوله: «فيكون قد فاتتاه جميعا» بالبطلان، و لكن فيه ما هو غنيّ عن البيان، فإنّ لفظ الفوت لا يدلّ على أزيد من عدم كون الصلاة صلاة في وقتها، كما هو المتبادر من لفظ الفوت، و هو المصطلح عليه المستعمل فيه في سائر الموارد.

و بالجملة، أدلّة الاشتراك لا تدلّ إلّا على انتهاء الوقت إذا بقي مقدار الأربع، و كون نسبة ما بعده إلى الفرض الأوّل نسبة سائر أجزاء الزمان إليه، و ذلك لا ينافي القضاء، بل لا معنى للقضاء إلّا ذلك كما عرفت، و لا أظنّ أحدا يلتزم بأنّ الشريكة لا تصحّ قضاء فيه، (أمّا صلاة غير الشريكة فيه قضاء مثلا) تصحّ كذلك، فتكون الشريكة أسوأ حالا من الأجنبيّة.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق كلامه عدم صحّة قضاء الشريكة في الوقت المختصّ بشريكتها مطلقا- سواء كان صلاة ذلك اليوم، أو الأيّام السابقة عليه- و هذا أشدّ استبعادا، بل دعوى القطع بفساده غير بعيد، فينبغي تقييد كلامه بفريضة ذلك اليوم، و لكن يبعّده- مع خلوّ كلامه عمّا يدلّ على التقييد- أنّ الظهر مثلا في الفرض المتقدّم يقع عنده أداء، فلا يبقى مورد لما ذكره من بطلان القضاء. اللّهم إلّا في صورة عدم فعل العصر أصلا، و إرادة عدم اتيانه عصيانا، و قضاء الظهر في وقت العصر المختص، فليتأمّل.

و فذلكة الكلام في هذا الفرع أنّه لو أوقع العصر في آخر الوقت المشترك فعند القائل بالاشتراك يكون الظهر أداء بعده، و كذلك عند الماتن، لاختصاص الاختصاص عنده بغير هذه الصورة، و على القول بالاختصاص يصحّ، و يقع قضاء على ما استظهرنا، و عند الماتن يبطل مطلقا، فلا يقع لا أداء و لا قضاء.

ص: 462

و لو قلنا باختصاص آخر الوقت المشترك بالظهر أيضا كما تكرّر نقله عن بعض الأصحاب بطل العصر، لوقوعه في غير وقته، إلّا أن يتمّ ما ذكره في القواعد من أنّ العصر يقترض من الظهر وقته و يعوّضه بوقت نفسه (1). و لكن فيه ما لا يخفى.

و لو لم يصلّ العصر قبل الأربع من آخر الوقت عمدا أو نسيانا وجب عليه العصر خاصّة على جميع الأقوال. و لو عصى بتركه و أراد الظهر صحّ عندنا أداء و إن عصى بترك العصر، و صحّ قضاء عند القائل بالاختصاص- على ما استظهرنا منهم- مع العصيان بترك العصر أيضا إن قالوا بصحّة الضدّ المهم، و بطل عند الماتن.

هذا، و الشيخ قدّس سرّه استشكل في الحاشية في صحّة قضاء غير الشريكة فيه أيضا، و هو كما ترى، إلّا أن يكون لجهة اخرى خارجة عن المقام، كاحتمال استفادة النهي من بعض الأخبار الآتية في محلّه، و يغني عن البحث فيه كونها مضروبة عليها في أكثر النسخ.

و ممّا عرفت من اختصاص الاختصاص عنده بصورة عدم أداء صاحبة الوقت ظهر لك الوجه في قوله: (أو صلاة الشريكة فيه أداء بعد فرض أداء صاحبته بوجه صحيح، فالظاهر الصحّة).

و ظهر أيضا الوجه لقول الشيخ قدّس سرّه في الحاشية: «إنّ الأحوط عدم التعرّض فيها للأداء و القضاء» إذ الأمر مردّد عنده بين عدم شمول دليل الاختصاص لهذه الصورة- كما ادّعاه الماتن- فيكون أداء، و بين شموله لها، فيكون قضاء.

و منها يمكن استفادة عدم صحّة الحاشية السابقة عليها، إذ هي مبنيّة على بطلان القضاء مطلقا، بخلاف الثانية كما لا يخفى، إلّا أن يفرّق بين الشريكة و غيرها بعكس ما فرّق الماتن بينهما، أو يكون لجهة اخرى خارجة عن حيث الوقت كما مرّ.

ثمّ اعلم أنّ المرسلة لو تمّت دلالتها على تخصيص الوقت الأصلي لكان لازمها عدم دخول وقت الشريكة إلّا بمضيّ مقدار الشريكة المقدّمة، وقعت الاولى قبلها بأقلّ من ذلك


1- القواعد و الفوائد تأليف الشهيد الأوّل 1: 87.

ص: 463

أم لا، و لكن أكثر القائلين بالاختصاص- و منهم الماتن- لا يلتزمون به، فلو وقع مجموع الظهر إلّا التسليم قبل الزوال صحّ الظهر كما سيأتي، و جاز عندهم الشروع في العصر بلا فصل، و لا يخفى على المتأمّل أنّه خلاف ظاهر المرسلة و نحوها.

و لا يمكن إصلاح ذلك بمثل ما تقدّم من الماتن من انصراف دليل الاختصاص، إذ المدّعى هنا شمول الدليل و ثبوت الاختصاص، و لكنّه لا بمقدار معيّن، و يلزم عندهم مضىّ مقدار الأربع في صورة عدم وقوعها قبله، فلو صلّى العصر قبل الظهر سهوا يبطل لو وقع في مقدار الأربع، و يصحّ لو وقع بعده.

و ما ذكروه في الفرع الأوّل يناسب ما فهمناه من الرواية من تخصيص الوقت الفعلي لا الأصلي، و أنّ الاختصاص ليس لعدم صلاحيّة الوقت، بل هو لأجل المزاحمة، فمتى ارتفعت ارتفع المانع، و صحّت الاخرى، و ما ذكروه في الثاني يناسب تخصيص الوقت الأصلي، و عدم صلاحيّة الوقت للشريكة الاخرى ذاتا.

و استفادة كلا المعنيين من كلام واحد لا يخلو عن صعوبة، بل الظاهر عدم إمكانه، فالمختار عندهم على علامة لا ينطبق على شي ء من أدلّة الطرفين، بل هو قول بالاشتراك، لكنّه بغير ما ينبغي من البيان، و عدم الالتزام بلوازمه في بعض الموارد.

و أولى من ذلك- و إن كان بيّن التكلّف- أن يقال: إنّ وقت الاختصاص هو مقدار جميع الأربع مطلقا، لكنّه من وقت يصحّ فيه الظهر لا الزوال، و يدّعى أنّ المفهوم من صحّة الصلاة الّتي وقع بعضها في الوقت تقدّم الوقت بمقدار البعض الآخر، و يدّعى أنّ لفظ الزوال في المرسلة كناية عن ذلك، و إنّما وقع التعبير به أوّل الوقت لغالب المكلّفين، فتأمّل.

ثمّ إنّه دلّ غير واحد من الصحاح على صحّة الشريكة الثانية إذا وقعت قبل الاولى سهوا كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «فإن كنت صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب» (1) و غير ذلك.


1- وسائل الشيعة 4: 291 الباب (62) من أبواب المواقيت ح 1.

ص: 464

و تلك الأخبار بترك الاستفصال دالّة على بطلان ما ذكروه في الفرع الثاني، و لكنّهم حملوها على وقوع الثانية بعد الوقت المختصّ بالاولى بدعوى استبعاد نسيان الاولى في أوّل الوقت.

و فيه ما لا يخفى على المنصف، و ظاهر لديه انطباق تلك الأخبار على ما اخترناه، بل كونها دالّة عليه.

ثمّ إنّ وقت الاختصاص له اختلافات اخر في المقدار من غير الجهة السابقة، و هو اختلافه باختلاف ثقل اللسان و خفّته، و باختلاف حالات المكلّف من السفر و الحضر و الخوف، و أقلّه عندهم مقدار تسبيحتين الّذي هو مقدار صلاة الخوف، بل تسبيحة واحدة كما في كلام بعضهم، و أكثره ينتهي إلى حدّ يستوعب الوقت المشترك، بل يزيد عليه أيضا.

و اختلفوا أيضا في دخول مقدار ما ينسى من الأجزاء و صلاة الاحتياط، بل سجدتي السهو.

و اختلفوا أيضا في صورة التقدير في أنّه هل يعتبر فيه مقدار أقلّ الواجب، أو يلاحظ فيه المستحبّات الّتي جرت عادته المواظبة عليها، أو يلاحظ المتوسّط؟ و هل يعتبر خفّة اللسان، أو الوسط بين الخفّة و الثقل؟ و نحو ذلك من الأقوال و الاحتمالات و الفروع الكثيرة الّتي نحن لوضوح أمر الاشتراك في غنى منها، و لكن لا عذر للماتن في ترك التعرّض لها، للاحتياج إليها في صورة التقدير، و فرض وقوعها ليس بأبعد من كثير من الفروع الّتي جرت عادته على التعرّض لها.

ثمّ إنّ المصرّح في كلماتهم دخول مقدار تحصيل الشرائط الوجوديّة في الوقت المختصّ، دون المقدّمات العلميّة، و الظاهر عدم التزامهم بدخولها فيه، و سمعت من بعض أعلام العصر دخولها فيه أيضا، و عليه لو بقي من النهار مقدار خمس صلوات أو أكثر إلى ما دون الثمان مع اشتباه القبلة لزمت صلاة واحدة أو أكثر إلى ما دون الأربع للظهر إلى أيّ جهة شاء المكلّف، و إتيان العصر أربعا إلى الجهات الأربع.

و بالعكس، لو قلنا بعدم دخولها فيه فاللازم إتيان الظهر أربعا إلى الجهات الأربع، و

ص: 465

الاكتفاء من العصر بما أمكن، و كذلك على القول بالاشتراك، كما لا يخفى على المتأمّل.

ثمّ إنّ معنى الاختصاص عندهم عدم جواز الابتداء بالشريكة الاولى في الوقت المختصّ بالثانية، و لا بأس بوقوع بعضها في وقت اختصاص الاخرى (كما) لو شرع في الفرض الأوّل و لم يحصل الفراغ منه إلّا في الوقت المختصّ بالآخر، فإنّه (يصحّ) الأوّل، و إن تحقّقت (مزاحمة الشريكة للاخرى)، و عليه (إذا فرض بقاء ركعة من الوقت) المشترك لا مانع من الاولى (فتصلّي حينئذ و إن وقع الجملة منها في وقت الاختصاص).

و لكنّ العبارة لا تصحّ على إطلاقها، إذ هي شاملة لما لو بقي للمسافر من نصف الليل مقدار ثلاث ركعات، مع أنّ أداء المغرب حينئذ موجب لتفويت العشاء، فلا بدّ من تقييدها بما لا يلزم منه ذلك.

(فلو بقي) للحاضر (من المغرب خمس ركعات، أو من نصف الليل) له أيضا كذلك (صلّى الظهرين) في الفرض الأوّل، (و العشاءين) في الفرض الثاني.

و هذا الحكم كأنّه من المسلّمات عندهم، و لكنّه مبنيّ على عموم قاعدة الإدراك، و القول بعدم اختصاصها بالصبح، و سيأتى الكلام فيه، و لهذا ناقش فيه صاحب الحدائق (1) و غيره ممّن منعها في غيره.

و مبنيّ أيضا على أحد أمرين: إمّا جواز تأخير الصلاة إلى أن يدرك ركعة من الوقت فقط لغير عذر، أو جعل مثل ذلك من الأعذار، و الظاهر عدم التزامهم بالأوّل، و الثاني لا يخلو عن إشكال، فالحكم بحسب قواعد الصناعة لا يخلو عن خفاء، و سيأتي- إن شاء اللّه- ما يظهر به الحال في هذه المسألة و نظائرها.

و كذلك يشكل الحكم في الفرض الّذي ذكرناه، أعني المسافر الّذي بقي له عن نصف الليل مقدار ثلاث ركعات، و يحتمل بناء على الاشتراك- بل و على الاختصاص في وجه أيضا- سقوط الترتيب، فيأتي أوّلا بالعشاء، ثمّ بالمغرب، لكنّه مبنيّ على ما مرّ.


1- الحدائق الناظرة 6: 279.

ص: 466

و مختار السيّد قدّس سرّه على ما سمعنا من ثقات أصحابه صلاة العشاء في أثناء المغرب، بأن يشرع في المغرب أوّلا فيأتي بركعة منها، ثمّ يشرع في العشاء، و بعد الفراغ منها يأتي بالباقي من المغرب، نظير ما ورد في صلاة الآيات مع اليوميّة.

و هذا الحكم عنده على طبق القاعدة، و لهذا لم يقتصر فيه على مورد النصّ، و عليه فالمتعيّن ذلك في الفرض الّذي ذكره الماتن، أعني ما لو بقي من الوقت مقدار الخمس، بناء على الاختصاص الّذي يذهب إليه، بل و على الاشتراك أيضا في وجه، فكان عليه قدّس سرّه بيان ذلك في الحاشية، و الفرق بين المسألتين و إن كان ممكنا لكنّه لا يخلو عن تكلّف، فتأمّل، و انتظر تحقيق الحال فيهما و في نظائرهما.

(و) بناء على جواز الابتداء بالشريكة في الوقت المختصّ بالاخرى (لا يصلّي المغرب لو لم يبق إلّا مقدار أربع ركعات) بل و لا مقدار الثلاث في الفرض الّذي ذكرناه، بناء على الاختصاص، بل و على الاشتراك أيضا في وجه.

(و يعلم الزوال بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب معتدلا) يريد به القائم على السطح (في الأرض المعتدلة) يريد به سطح الافق الحسّي، و لا خصوصيّة للأرض، بل يكفي قيامه على سطح قائم على سطح الافق، و الزيادة المعتبرة هي الّتي تكون (بعد نقصانه) و ذلك في غالب البلاد دائما، و غالبا في جميعها (أو حدوثه بعد انعدامه) و ذلك في نادر من الأيّام في بعض البلاد، و ظاهر لدى أهله اختصاص ذلك بغير عرض تسعين.

و أرباب الكتب في ما أعلم قد اقتصروا في معرفة الزوال على هذا الظلّ المسمّى عند أهل العلم بالظلّ الثاني و المستوي، و يمكن معرفته أيضا بالظلّ الأوّل المعكوس، بأن يعتبر نقصانه بعد زيادته، بل هو أولى من الأوّل- أعني الثاني- لسرعة تبيّن نقيصته بعد الزيادة، بخلاف زيادة الظلّ المبسوط بعد النقيصة، فإنّها لا تظهر للحسّ إلّا بعد مدّة طويلة، لا سيّما في بعض الفصول في بعض البلاد، و جميع ذلك ظاهر لدى أهله.

نعم، تحصيل مقياس الظلّ الثاني لعلّه أسهل من غيره لغالب الناس، و لهذا ورد في النصوص، دون الأوّل.

ص: 467

و يمكن معرفته أيضا بطرق اخرى ذكر بعضها الأصحاب، و في الساعات المتعارفة في هذا الزمان مع استعلام مقادير الأيّام من التقويم ما يغني عن جميع ذلك، و أحسن منها المزاول الشمسيّة بأقسامها المعروفة لدى أهلها.

و في المقام أمران غريبان:

أحدهما: ما يظهر من بعض معاصري الماتن حيث زعم أنّ تلك العلائم امور تعبّديّة خلافيّة، فقال: إنّه يعرف عند المفيد في المقنعة بثلاثة امور: بالاسطرلاب [و ميزان الشمس] و الدائرة الهندسيّة (1) (كذا بخطّه رحمه اللّه)، و عند الشيخ في النهاية بأربعة (2)، و عنده في المبسوط بشي ء واحد (3)، و هكذا إلى آخر كلامه الّذي بناه على هذا الخطأ الواضح، و فيه ما هو غنيّ عن البيان.

ثمّ أورد في آخر كلامه على من ذكر من الأصحاب صفة المقياس، و كيفيّة تسوية الأرض و نصبه عليها بأنّ الزوال أمر عرفي، و ليس المرجع فيه إلى علماء الرياضيّ حتّى يعتبر ما اعتبروه من كون المقياس مخروطا محدّد الرأس، إلى آخر كلامه. و لا يخفى على كلّ أحد ما فيه.

ثانيهما: ما ذكره الماتن في كتابه حيث قال بعد ذكر بعض طرق معرفة الزوال:

«قلت: و يمكن استخراجه بغير ذلك، إنّما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد ما علّقه الشارع على الزوال الّذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتّى أنّه أخذ فيه استبانته كما سمعته في الخبر السابق، و أناطه بتلك الزيادة الّتي لا تخفى على أحد، على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتّبة على بعض الامور الخفيّة بالامور الجليّة كي لا يوقع عبادة في شبهة، كما سمعته في خبر الفجر، بل أمر بالتربّص و صلاة ركعتين و نحوهما انتظارا لتحقّقه، فلعلّ الأحوط مراعات تلك العلامة المنصوصة في معرفة الزوال، و إن تأخّر تحقّقها عن ميل الشمس عن خطّ نصف النهار بزمان، خصوصا و الاستصحاب و شغل الذمّة و غيرهما موافقة لها» (4).


1- المقنعة: 93.
2- النهاية و نكتها 1: 277.
3- المبسوط 1: 73.
4- جواهر الكلام 7: 103.

ص: 468

قلت: من المعلوم أنّ لفظ الزوال موضوع للزوال الواقعي، و ليس للشارع فيه اصطلاح خاصّ، و المفهوم منه عرفا ليس إلّا ما عرفت، و عدم معرفة أهل العرف ذلك إلّا بعد مضيّ مدّة لا ينافي كونه موضوعا لذلك الأمر الواقعى، كيف و كثير من الألفاظ موضوعة لذلك، و إن لم يكن لأهل العرف طريق إلى معرفته تحقيقا، فتراهم عند تعلّق أغراضهم بها يكتفون بالتقريب تارة، و يأخذون بالاحتياط تارة اخرى بحسب اختلاف الموارد و الأغراض.

و كذلك أكثر الأحكام الشرعيّة، فإنّ الشارع جعل موضوعاتها الامور الواقعيّة، و نصب للجاهل بها طرقا إن أمكنت، و جعل مرجع الشاكّ فيها الاصول العمليّة.

و الحال في الزوال كالحال في نصف الليل الّذي تسمع قريبا منه عدم الحدّ الشرعيّ له، و تسمع منّا حال العلامة المنصوصة له.

و من ذلك يظهر لك ما في أوّل كلامه و آخره، فإنّ الشارع لم يعلّق دخول الوقت الواقعي إلّا على الزوال الواقعيّ في ما نعلم من الأدلّة، و ما ادّعاه من عادة الشارع قد عرفت خلافه.

و أمّا استدلاله بقوله عليه السّلام: «فإذا استنبت الزيادة فصلّ الظهر» (1) على عدم دخول الوقت قبله، و بما ورد في الفجر و نحوه، فممّا لا ربط له بما ادّعاه أصلا، لأنّ مفادّها مفادّ سائر الأخبار الدالّة على عدم جواز الصلاة إلّا بعد اليقين بدخول الوقت، كما هو واضح.

و بالجملة، فهذا الاحتياط لا وجه له أصلا، و لم أجد أحدا من الأصحاب احتمل ذلك غيره، نعم، آخر كلام معاصره المتقدّم يقرب منه، بل لعلّه يرجع إليه، نعم، رأيت ذلك في بعض شروح التقريب من كتب الشافعيّة.

هذا، و قد عرفت سابقا أنّه لا إشكال و لا خلاف في أنّه (يعلم المغرب بذهاب الحمرة المشرقيّة) و الماتن قد تبع في هذا التعبير جماعة من المتقدّمين القائلين باستتار القرص، و لكن أراد منه ما لا يستفاد منه أصلا، و هو عدم دخول الوقت إلّا به، و لهذا قال: (على الأصحّ).


1- وسائل الشيعة 4: 162 الباب (11) من أبواب المواقيت ح 1.

ص: 469

و أيضا قد عرفت سابقا أنّ الحمرة لا تصل إلى سمت الرأس أصلا، و على تقدير وصولها ينبغي أن يكون اعتبار ذهابها عن سمت الرأس مفروغا عنه عند معتبري الحمرة، لما عرفت سابقا من أنّ ارتفاعها عن نفس الافق حاصل بغروب الشمس و غيره من سائر ارتفاعاتها الجزئيّة ممّا لا انضباط لها، و لا نعرف قائلا بها. فقوله: (بل يقوى اعتبار ذهابها إلى أن تتجاوز سمت الرأس) فيه ما لا يخفى، على غضاضة في اللفظ أيضا.

نعم، يظهر من كلام الشيخ قدّس سرّه في الرسالة وقوع الخلاف في ذلك (1) و لكنّه لم يبيّن الأقوال و لا القائلين بها، فليراجع من شاء مظانّ ذلك من كلماتهم.

هذا، و لكن اعتبار ذلك في غاية الضعف في نفسه و بحسب الدليل، لأنّ الروايات جميعا خالية عن ذلك، ما عدا المرسلة الّتي عرفت سابقا مخالفتها للوجدان و البرهان معا، و أمّا سائر الروايات فلا تدلّ إلّا على اعتبار ذهابها عن المشرق الّذي لا يفهم منه عرفا إلّا الافق و ما يقرب منه، و قد عرفت أنّه حاصل بغروب الشمس.

فأخبار الحمرة ليست مخالفة لأخبار الغروب، بل هي له من العلائم المقارنة تقريبا، و حمله على تمام الربع الشرقيّ خلاف المفهوم منه عرفا، و على فرضه لا يخفى ما في قوله: (بل الأحوط مراعاة ذهابها من المشرق الّذي هو تمام ربع الفلك) لاتّحاده مع ما تقدّم. و لهذا أحسن من قال من المحشّين: «هذا هو الأقوى» و إليه يرجع التجاوز عن سمت الرأس.

و لعلّه أراد من العبارة الاولى معنى آخر غير المعنيين المتقدّمين، أو أنّ الذهاب عن المشرق بالمعنى الثاني يحصل بالوصول إلى سمت الرأس، و في الثانية اعتبر- زيادة على ذلك- التجاوز عنه.

و على فرض التعدّد فالوجه في الاحتياط ما ذكره في كتابه من أنّه ظاهر كلّ ما دلّ على اعتبار زوال الحمرة من المشرق، ضرورة إرادة ربع الفلك منه (2).

قلت: قد عرفت أنّ المفهوم من لفظ المشرق عرفا غير ذلك، و على فرض ظهور الأدلّة


1- فرائد الاصول 2: 80.
2- جواهر الكلام 7: 121.

ص: 470

فيها فأيّ وجه للاكتفاء بغيره و جعله أحوط؟ إلّا أن يكون الوجه فيه عدم الجزم بكونه ظاهر الأدلّة، كما يقرّ به لفظ لعلّ قبل الكلام الّذي نقلناه، و إن كان يبعّده دعوى الضرورة الّتي في آخر كلامه.

و فسرّه شارح البغية (1) بأنّه ربع الفلك الشرقيّ، لا نصفه حتّى يراعى من جانب القبلة و عكسها، فليتأمّل في مراده من ذلك، و في المراد من قوله بعد ذكر اعتبار التجاوز عن سمت الرأس: «و لو قيل: إنّ المدار على هذه الحمرة المعهودة، و زوالها بذهابها عن محلّها المعتاد لكان وجيها» انتهى.

و فذلكة المقام أنّ لفظ المشرق في الروايات إمّا أن يكون المراد منه نفس الخطّ الفاصل بين المرئي و غير المرئي من الفلك، أو ما هو أوسع منه دائرة، و هو المشرق العرفي، أو ربع الفلك، أو ما بينه و بين المعنى الثاني.

و لا يمكن إرادة الأوّل، لأنّه غير المفهوم من اللفظ عرفا، و لأنّه يحصل قبل استكمال الغروب، كما لا يخفى على الراصد و المطّلع على قواعد العلم.

و المعنى الثاني مقارن لغروب الشمس، و هذا خلاف مرام معتبري الحمرة.

و الرابع لا انضباط له، و من المستبعد جدّا أن يعتبر أحد بعض ارتفاعاتها الجزئيّة كما عرفت، فالثالث هو المتعيّن. فعليه لا وجه لما قال الماتن إلّا أن يوجّه بما عرفت، و لا لكلام شارح البغية إلّا أن يكون إشارة إلى ما عرفت من عدم وصول الحمرة إلى سمت الرأس أصلا، و بيانا لأنّ المعتبر زوالها بمعنى انعدامها عن الارتفاع الّذي جرت العادة بوصولها إليه، و لا لما عرفت من ظاهر كلام الشيخ قدّس سرّه، فليتأمّل في ذلك كلّه.

هذا، و في خبر ابن شريح الّذي استدلّوا به على ذهاب الحمرة اعتبار الصفرة أيضا، فكان


1- «بغية الطالب في معرفة المفروض و الواجب»، رسالة عملية اقتصر فيها على ذكر مجرّد الفتاوى للشيخ الأكبر الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي النجفي، مرتّب على مطلبين: أوّلهما في اصول العقائد، و ثانيهما في فروع الأحكام. خرج منه من أوّل الطهارة إلى آخر الصلاة ... و شرح الشيخ موسى بن الشيخ الأكبر البغية مزجا إلى آخر صلاة الجماعة و سمّاه «منية الطالب» الذريعة: 3/ 134- 133.

ص: 471

من اللازم اعتباره أيضا، و لا أقلّ من الاحتياط فيه، فإنّه لورود النصّ على اعتباره أولى من الاحتياط الّذي ذكره في كتابه و هو: تأخير الصلاة في بعض أيّام الغيم عن ذهاب الحمرة الّتي تعلو ما كان منه في جانب المشرق إذا احتمل أنّها من شعاع الشمس (1).

فإنّه ليس في الأدلّة ما يوهم اعتبار ذلك إلّا خبر ابن وضّاح الّذي عرفت الكلام فيه، بل دعوى القطع بعدم اعتباره غير بعيد، و مراعاتها موجبة لتأخير المغرب في بعض الأوقات عن غروب الشفق أيضا، كما نبّه عليه كاشف العظاء قدّس سرّه على ما ببالي (2).

و قوله: (و ليس لنصف الليل حدّ في الشّرع معلوم) يريد به أنّه لا يراد منه في الشرع إلّا المعنى الواقعي، أو أنّه لا علامة له تعبّديّة، كما يدلّ عليه حرف الاستدراك في قوله: (و لكن يعرف بالنجوم) الّتي درجات ممرّها مساوية لدرجة ممرّ نظير الشمس، فإنّ زوالها ملازم لانتصاف الليل لو كان المعتبر نصف الليل إلى طلوع الشمس.

و أمّا بناء على اعتباره إلى طلوع الفجر- كما سيصرّح به- فلا يكاد يعرف بمجرّد زوالها أصلا، إلّا أن يستعان في معرفة التفاوت بالساعات و نحوها من الآلات الصالحة لذلك، و لكنّ المتمكّن منها يستغني بها عن ذلك.

و من حملها على النجوم الّتي تطلع مع غروب الشمس ففي كلامه ما لا يخفى، إذ المعتبر اتّحاد درجة الممرّ، و مع حصوله لا يضرّ تقدّم الطلوع أو تأخّره، و مع عدمه لا تنفع مقارنة الطلوع لغروب الشمس أصلا، إلّا أن يحمل على الآفاق الاستوائيّة أو على التقريب.

و أعجب منه حمل الماتن لها على ما ترى في البلدان في بدوّ ظهورها فوق الأبنية و الجدران. ثمّ قال:

«و الظاهر أنّها متّصل إلى دائرة نصف النهار قبل انتصاف الليل، فلذا اعتبر انحدارها


1- جواهر الكلام 7: 121.
2- قال في كشف الغطاء: الرابع: وقت صلاة المغرب. و يدخل بغروب الحمرة المشرقيّة الأصليّة، لا العارضيّة لمقابلة سحاب أو عروض بخار أو غبار، فإنّها قد تستمرّ إلى وقت العشاء من جانب المشرق. كشف الغطاء 3: 117.

ص: 472

بحيث يحصل [منه] الاطمئنان بصيرورة النصف» (1) إلى آخر كلامه الّذي لم أقع منه على محصّل أصلا، فليراجعه من شاء.

و قال في آخر كلامه:

«إنّ المراد انحدار غالب النجوم، لا كواكب مخصوصة، لأنّ الظاهر أنّ كثرة النجوم تكون في النصف الأخير في جهة الغرب» (2)، انتهى.

و يظهر من كلامه الأوّل أنّه يرى معنى انحدار النجوم غير معناه الظاهر الّذي يعرفه أهل اللّغة، و هو الميل من العلوّ إلى السفل الّذي هو عبارة اخرى عن زوالها.

و من كلامه الثاني أنّه يرى تراكم النجوم و كثرتها في طرف المغرب في النصف الأخير من الليل، و ضعفه واضح لدى من عرف واضحات أوضح العلوم التعليميّة.

و بالجملة [تحديد] نصف الليل بالنجوم متعسّر جدّا، بل متعذّر غالبا (و) الرجوع إلى (غيرها) كالساعات الصحيحة مع استخراج مقدار كلّ ليلة من التقويم و غيره أولى و أسهل.

(نعم، منتهاه طلوع الفجر الصادق لا طلوع الشمس، فالانتصاف حينئذ يلاحظ إليه.

و ابتداء الفضل في الظهر الزوال، و منتهاه بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص.

و منتهى فضيلة العصر المثلان، و الأحوط ابتداؤها من المثل لا من الزوال، فيكون له حينئذ وقتا إجزاء: قبل المثل، و بعد المثلين، و إن كان الّذي يقوى أنّ من الفضل فعلها إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام أي أربعة أسباع الشاخص بمعنى القامة، كما أنّ من الفضل فعل الظهر إذا بلغ الظلّ قدمين.

و على كلّ حال فيستحبّ التفريق بين الظهر و العصر بما يحصل به مسمّاه، و في الاكتفاء فيه بمجرّد فعل النافلة وجه، لكنّ الأقوى خلافه.

و وقت فضل المغرب من الغروب إلى غيبة الشفق الّذي هو الحمرة، دون الصفرة و نحوها.


1- جواهر الكلام 7: 229.
2- جواهر الكلام 7: 230.

ص: 473

و العشاء من ذهاب الشفق إلى الثلث، فيكون له حينئذ وقتا إجزاء: قبل الشفق، و بعد الثلث.

و الصبح من طلوع الفجر إلى أن يسفر، و يتجلّل بأن تطلع الحمرة في المشرق، لا المغرب، و الغلس بها أفضل من غيره، كما أنّ التعجيل في جميع أوقات الفضيلة أفضل من غيره، بل هو في وقت الإجزاء كذلك.

و وقت نافلة الزوال من حينه إلى أن يبقى من الذرع الّذي هو سبعا الشاخص مقدار الفريضة.

و كذلك نافلة العصر بالنسبة إلى الذراعين، فإن بلغ من الظلّ ذلك و لم يكن قد صلّى شيئا منها فالأولى له البدأة بالفريضة، و إن كان قد تلبّس بشي ء منها و لو ركعة زاحم بها الفريضة، و أتمّها مخفّفة بالاقتصار على الحمد خاصّة و نحو ذلك، و يجوز الاقتصار على فعل بعضها كغيرها من النوافل.

و لا تقدّم نافلة الزوال فضلا عن نافلة العصر على الزوال إلّا في يوم الجمعة، فإنّه يجوز تقديم العشرين عليه، بل هو الأفضل، و ينبغي له حينئذ تفريقها: ستّا عند انبساط الشمس، و ستّا عند ارتفاعها، و ستّا قبل الزوال، و ركعتين عنده.

و وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى ذهاب الشفق المغربي، و الظاهر جريان حكم المزاحمة فيها على حسب ما سمعته في سابقتها.

و يمتدّ وقت الوتيرة بامتداد وقت العشاء، نعم ينبغي ملاحظة تعقّبها له في الجملة، كما أنّه ينبغي جعلها خاتمة نوافله، فلو فرض إرادة فعل بعض الصلوات الموظّفة في بعض اللّيالي بعد العشاء جعل الوتيرة بعد ذلك.

و وقت نافلة الصبح الفجر الأوّل، و يمتدّ وقتها إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار الفريضة.

و يجوز رخصة دسّها في صلاة الليل قبل ذلك، و لو عند النصف، بل لا يبعد جواز تقديمها عليه مع صلاة الليل، إلّا أنّ الأفضل إعادتها حتّى لو صلّيت في الفجر الأوّل إذا نام بعدها، و تجري أيضا فيهما المزاحمة السابقة.

ص: 474

و وقت صلاة الليل انتصافه إلى الفجر الصادق على الأصحّ، و السحر أفضل من غيره، و الظاهر أنّه أوسع من السدس الأخير، بل لا يبعد كون الثلث الأخير كلّه سحرا.

نعم أفضله القريب من الفجر.

و لا يجوز تقديمها على النصف إلّا للمسافر، و الشابّ الّذي يصعب عليه فعلها في الوقت، بل يلحق به الشيخ، و خائف البرد و الاحتلام و النوم، و المريض، و غيرهم من ذوي الأعذار الّتي يصعب معها ادراكها في الوقت.

و ينبغي لهم نيّة التعجيل لا الأداء، و قضاؤها أفضل من التقديم المزبور، و لو انتبهوا في الوقت بعد التقديم المذكور فالأحوط عدم إعادتها، بل هو الأقوى.

و لو طلع الفجر و لم يكن قد تلبّس بشي ء منها فالأولى صلاة ركعتي الفجر ثمّ الفريضة.

و إن كان قد طلع و قد صلّى منها أربع ركعات أتمّها مخفّفة بقراءة الحمد وحدها.

و لو كان قد ظهر له الضيق بعد أن زعم السعة، و لم يكن قد أكمل الأربع فالأولى له إكمال ما في يده، و الاشتغال بالفريضة و نافلتها.

و لو ظنّ الضيق صلّى، فإن أحرز الأربع زاحم، و إلّا أخّرها إلى ما بعد الفريضة، و يجوز له في الفرض المزبور صلاة ما اتّسع له الوقت، فإذا طلع الفجر أوتر و أخّر.

و الأمر في ذلك كلّه سهل عندنا، لأنّ الحق جواز التطوّع مطلقا في وقت الفريضة ما لم يتضيّق، من غير فرق بين الفائتة و الحاضرة، و بين القضاء للنفس أو الغير، و إن كان الأحوط خلافه خصوصا في الحاضرة).

(نعم) لو قلنا: إنّ المفهوم من أدلّة حرمة التطوّع منافاة وصف الاستحباب للصحّة، لا عدم مشروعيّة أصل النافلة ذاتا ف (لو أوجب) المكلّف (التطوّع) لا بعنوان التطوّع- إذ النذر كذلك غير معقول- و المراد أن يوجب ما هو تطوّع بالذات عليه (بسبب من الأسباب كالنذر و نحوه) أو يوجب عليه من تجب عليه اطاعته كالمالك و غيره (خلص من الإشكال عن أصله).

ص: 475

و في صحّة العبارة إشكال، و لو بدّل موضعي حرفي الجرّ لكان خلص عن الإشكال من أصله.

و الوجه في صحّة النافلة مع النذر ما ذكره في كتابه: من خروجه حينئذ عن موضوع المسألة، لتغيّر الوصف الّذي عليه المدار، إذ احتمال الاكتفاء بما كان عليه قبل الوصف من التطوّع في غاية البعد (1)، انتهى.

و عليه إشكال مشهور عسر الزوال جدّا، و هو أنّ تغيّر الوصف و زوال المرجوحيّة فرع صحّة النذر، و صحّة النذر تتوقّف على كون متعلّقه غير مرجوح، بل يلزم فيه الرجحان، فيلزم الدور، و بعبارة اخرى: لا بدّ من تقدّم موضوع الحكم على الحكم و لو رتبة، فلا يمكن إثبات الموضوع بالحكم أو ما هو ناش منه، كما تقرّر في محلّه.

و قد تنبّه الماتن لهذا الإشكال في صورة تقييد النذر بما قبل الفريضة، و التزم بالبطلان، فقال في كتابه:

«نعم، ينبغي تقييد النذر مثلا بما إذا لم يقيّده في وقت ما هو متلبّس به من الحاضرة أو الفائتة، بل نذره مطلقا و إن كان قد صدر منه النذر في وقت خطابه بهما إلّا أنّه أوقعه مطلقا، و احتمال الاجتزاء به حتّى مع التقييد المزبور لتغيّر الوصف أيضا يدفعه منع تأثير النذر لزومه كي يتبدّل الوصف، لاشتراطه بالمشروعيّة قبل النذر و هي مفقودة في المقيّد ضرورة بناء على الحرمة» (2).

(و) قال هنا: (لكن ينبغي الإطلاق في النذر، و إن كان وقع منه في وقت الفريضة، أمّا لو قيّده في وقتها فإشكال، أقواه عدم الجواز بناء على الحرمة) و لكن قد ناقض نفسه، فحكم بصحّة النذر مطلقا في كتاب الصوم كما يأتي (3).

و الظاهر عدم الفرق بين الصورتين، لأنّ النذر إن أمكن انعقاده و تغييره للوصف


1- جواهر الكلام 7: 256.
2- جواهر الكلام 7: 256.
3- قال هناك: لا يجوز التطوّع بشي ء لمن عليه صوم واجب على الأصحّ، قضاء كان أو غيره، من كفّارة و نحوها، بل الظاهر و إن كان غير متمكّن من أداء الواجب لسفر و نحوه، أمّا لو نذر التطوّع على الإطلاق أو أيّاما مخصوصة لا يمكن وقوع الواجب قبلها جاز، بل لو نذر أيّاما مخصوصة لا يمكن وقوعه قبلها على الأصحّ.

ص: 476

فلا يضرّ التقييد، و إلّا فلا ينفع الإطلاق، لأنّ الطبيعة المنذورة حينئذ لها فردان: محلّل، و هو ما كان في غير وقت الفريضة، و محرّم، و هو ما كان فيه، فيجب الإتيان بالطبيعة في ضمن الأفراد السائغة خاصّة، إذ النذر لا يجعل الحرام حلالا، و ما ذكره من اشتراط المشروعيّة قبل النذر جار في كلتا الصورتين.

و ما يقال وجها للفرق من أنّ متعلّق النذر في صورة التقييد هو الفرد، و هو مشروط بسبق الرجحان المفقود في صورة التقييد، فلا ينعقد النذر أصلا، بخلاف صورة الإطلاق، إذ النذر فيها يتعلّق بالكلّي من غير لحاظ للأفراد، و هو راجح برجحان بعض أفراده، فينعقد النذر عليه، و بعد انعقاده يتساوى جميع الأفراد فيه، و تزول عن فرد المتطوّع فيه وصف التطوّع.

و لكنّه مغالطة يظهر فساده بالتأمّل في ما مرّ، لأنّه على تقدير عدم تغيّر العنوان في الفرد المحرّم بالنذر لا يكاد يشمل ذلك الفرد أصلا، فيتعيّن امتثال الأمر بالكلّي في الأفراد المحلّة، فالحال فيه كالحال في ما لو نذر تزويج ذوات الأرحام، فإنّ النذر لا يكاد يشمل المحارم منهن أصلا، و لا يحصل الامتثال بالفرد المحرّم.

و لبيان ذلك، و تحقيق أنّ هذا التقييد هل هو عقلي، أو شرعيّ؟ و تطبيق الحقّ منها على قواعد الصناعة محلّ آخر.

هذا، على أنّ لنا تأمّلا في صحّة نذر الكلّي الّذي تختلف أفراده في الحلّيّة و الحرمة إذا لم ينضمّ إليه لحاظ آخر، و ليس قول القائل: «إنّ الكلّي راجح برجحان بعض أفراده» أولى من أن يقال: «إنّه مرجوح بمرجوحيّة بعض أفراده» و تحقيق ذلك لا يناسب المقام.

و بالجملة، لا فرق في المقام بين كون متعلّق النذر أو الأحكام كلّيّا أو فردا، و المقام يشبه مسألة نذر الإحرام قبل الميقات، و لكنّ الأمر هنا أشدّ إشكالا، لأنّ العنوان المحرّم هناك هو ذات الإحرام قبل الميقات مع قطع النظر عن الطواري، فيمكن أن يتغيّر بعروض عنوان كونه منذورا عليه مع قطع النظر عن أمر الشّارع بالوفاء به، و صيرورته راجحا بمجرّد النذر، فيتعلّق به أمر الشارع بعده، بخلاف المقام، لأنّ المانع هنا وصف الاستحباب، و لا يرتفع بنفس كونه منذورا، بل يرتفع بإيجاب الشارع الوفاء به.

ص: 477

و بعبارة اخرى: إنّ تغيّر العنوان هناك بنفس النذر، و هو لا يتوقّف على الرجحان، بل يتحقّق حتّى مع المرجوحيّة، و عنوان النذر يحدث فيه رجحانا فيتعلّق به الأمر الشرعي، بخلاف المقام، لأنّ تغيّر العنوان و زوال المرجوحيّة لا يكون إلّا بإيجاب الشارع الوفاء المتوقّف على الرجحان، فيلزم المحال.

و لهذا ذكر الشيخ الأستاذ- دام ظلّه- في حاشية المقام أنّه لا يتخلّص بذلك من الإشكال و إن أطلق النذر. مع أنّه قد صحّح نذر الإحرام- بما ذكرناه- في مجلس الدرس.

نعم، الأمر في المقام أسهل منه هناك من جهة اخرى، و هي كون المرجوحيّة هناك- بناء على حرمته شرعا- و عدم الرجحان فيه- بناء على حرمة تشريعا- ذاتي، بخلاف المقام، إذ المفروض رجحان الصلاة ذاتا مطلقا، و كون المرجوحيّة ناشئة من انطباق عنوان الاستحباب عليه. و لكنّه لا يجدي في دفع الإشكال الّذي كلامنا فيه.

هذا، و لنا في تصحيح نذر الإحرام بما عرفت نظر، و بيان وجهه على الإجمال أنّ رجحان موضوع النذر شرط في تحقّق عنوان النذر لا أنّه شرط تعبّدي مأخوذ في موضع النذر الّذي أوجب الشارع الوفاء به، إذ معنى اللّام في قول القائل: «للّه عليّ كذا» معناها في قوله: «لزيد على قضاء دينه و بناء داره» و هو الزام النفس بإتيان ما هو محبوب عنده، و لا معنى لقول القائل: «لزيد على أن اشرب الماء أو أقضي دين من هو أجنبيّ عنه» إلّا أن يكون ممّا يعود بالآخرة إليه، كما في نذر العبادات مع تنزّه الباري- جلّت عظمته- عن وصول نفع منها إليه، بل يكون منافعها راجعة إلى العبد، و لكن لمّا كان انتفاع العباد و دركهم المصالح محبوبا عنده تعالى، مرضيّا لديه أوجب تصحيح معنى اللّام هنا كما أوجب تشريع الأحكام.

و ما أشبهه من هذا الجهة بقول الطفل لأبيه الّذي يعرف أنّه لشدّة حبّه له يجب اتّصافه بالكمالات: «لك عليّ أن أدخل الكتّاب و اتقن الكتابة و الحساب» و هذا سرّ شريف يحتاج إلى زيادة بيان، و لكنّها توجب الخروج عن مقتضى المقام.

و بهذا يظهر أنّ اشتراط الرجحان في النذر- كما دلّت عليه الأخبار- مطابق لصحيح الاعتبار، كعدم اعتباره في متعلّق اليمين، و بيان ذلك كبيان عدم منافاة ما ذكرناه مع مرجوحيّة أصل النذر لا يناسب المقام.

ص: 478

فعلى ما عرّفناك لا يعقل تحقّق معنى النذر إلّا برجحان المتعلّق، و أمر الشارع بالوفاء به متعلّق بجميع ما هو نذر بالحمل الشائع، لا أنّ النذر له قسمان، تعلّق أمر الوفاء بقسم خاصّ منه و هو الراجح، كما هو مبنى الكلام المتقدّم.

على أنّ مثل ذلك يمكن فرضه في نذر النافلة أيضا بأن يكون عنوان المنذور به باعثا لإيجاد مصلحة في النافلة تزاحم مفسدة التطوّع قبل الفريضة، و تزيد عليها، فيجعله راجحا قابلا لتعلّق أمر الوفاء به، فلا وجه لتفصيل الشيخ الأستاذ- دام ظلّه- بين المقامين، إلّا أن يكون نظره إلى وجود الدليل الكاشف عن إيجاد النذر لمصلحة في متعلّقه، دون المقام.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ هذه المسألة قد اشتهر الكلام فيها من بعد زمان الماتن، و قد تعرّض لها شيخنا الفقيه قدّس سرّه في المصباح، و لم يتعرّض لهذا الإشكال، و لكنّه جعل إمكان تغيّر الوصف بالنذر أمرا مفروغا عنه، و أطال الكلام في بيان شرطين:

أحدهما: ما عرفت، و هو أن لا يستفاد من النهي المنع عمّا كانت نافلة بالذات.

و ثانيهما: ما ستعرفه من اشتراط تمكّن الناذر من إيقاعها في الوقت الّذي نذره فارغا ذمّته عمّا يجب عليه من الفوائت (1).

و الأمر في الشرطين معا واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام فيها من الجهة الّتي تعرّض لهما، و إن كان فيهما كلاما من جهات اخر تعرفها قريبا- إن شاء اللّه تعالى- و كان المتوقّع من مثله التنبّه للإشكال أوّلا و حلّه إن أمكن ثانيا.

و قد تعرّض له الشيخ قدّس سرّه في الرسالة، و أطال الكلام فيه (2) و قد وافق الماتن في التفصيل المتقدّم، و لكن كلامه في تصحيح النذر في صورة التعميم و في وجه الفرق بينه و بين صورة التقييد لا يخلو عن إجمال و لم ننقله لطوله، فليراجع من شاء.

و لأهل العصر وجوه في حلّ هذا الإشكال، كدعوى كفاية الرجحان الذاتي في متعلّق النذر، و ظاهر لدى المتأمّل أنّه لا معنى له أصلا إن اقتصر فيه على هذا المقدار من البيان.


1- مصباح الفقيه 9: 347- 348.
2- كتاب الصلاة للشيخ الأعظم الأنصاري 1: 128- 125.

ص: 479

و كدعوى انصراف أدلّة اعتبار عدم المرجوحيّة في متعلّق النذر عن مثل هذه المرجوحيّة القابلة للزوال بالنذر.

و هذه مصادرة واضحة، إذ الإشكال في إمكان زوال هذه المرجوحيّة بالنذر، إلى غير ذلك ممّا هو فاسد قطعا، أو لا معنى له أصلا و إن أطال أصحابها في بيانها، و سعوا في تشييد بنيانها، و مع العلم بفسادها لا ثمرة مهمّة في نقلها.

و قد سنح لنا وجه آخر لعلّ فيه الحلّ لهذا الإشكال، و الشفاء لهذا الداء العضال، فلنذكره غير مدّعين لخلوّه عن الفساد، و لا متعهّدين للجواب عن جميع ما يرد عليه من الإيراد، و نقول:

إنّ مرجوحيّة الموضوع إن كانت ذاتيّة أو للعوارض الطارية عليه من غير ناحية الحكم فلا يعقل زوالها بالنذر- للبرهان المتقدّم- و إن كانت ناشئة من الحكم المتعلّق به فلا يعقل بقاؤها معه، و المقام من قبيل الثاني لما عرفت من ابتناء المسألة على ما قالوا من أنّ الظاهر من الأدلّة عدم مرجوحيّة ذات النافلة، بل المستفاد منها رجحانها مطلقا، و كون المانع من الصحّة وصف الاستحباب، و أنّ النهي فيها كالنهي في قولهم: «لا صدقة لمن عليه دين واجب» أو «لا صدقة و ذى رحم محتاج» لا من قبيل قولهم: «لا جماعة في النافلة» على أحد الوجهين بحيث يعلم أنّه لا مانع من صحّة الصلاة إلّا وصف الاستحباب مع اشتغال الذمّة بالواجب.

فالمقام يشبه باب التزاحم، بل هو من شئونه، فكان الأهمّ يمنع عن إتيان ما هو دونه في تأكّد الطلب قبله، و على هذا فالصلاة راجحة من حيث هي، و من حيث جميع خصوصيّاتها الفرديّة، و لا مانع منه إلّا حكم الشارع باستحبابه.

إذا ثبت هذا فنقول:

إنّ النذر لا يتعلّق بالنافلة مع فرض استحبابه الّذي كان سببا لمرجوحيّتهما، بل يتعلّق بموضوع الاستحباب، و هو النافلة الّتي لو لا النذر لكان مستحبّا، و لا يعقل تعلّقه بالنافلة مع وصف الاستحباب، لتضادّ الأحكام، و لو فرض قصد الناذر ذلك لكان النذر باطلا من

ص: 480

أصله، لاستحالته، و حينئذ فلا قصور من ناحية الموضوع، و الاستحباب الّذي كان ينشأ منه المرجوحيّة مرتفع بنفس النذر، إذ لا يعقل بقاؤه مع الوجوب، و لم يكن داخلا في موضوع النذر ليتوقّف الموضوع على الحكم، و لا يتوقّف الوجوب على زوال الاستحباب، لعدم توقّف وجود الضدّ على عدم ضدّه- كما تقرّر في محلّه- و إيجاب الشارع المستحبّات بالنذر يشبه النسخ، فلنفرضه للتوضيح نسخا و نقول:

إنّ الشارع لو لاحظ رجحان أمر و حكم عليه بالاستحباب، و كان قد أمر بتأخير المستحبّات عن الواجبات ثمّ لاحظ ذلك الرجحان بعينه فنسخ الاستحباب و حكم عليه بالوجوب، فهل ترى الاستحباب الّذي اتّصف به الموضوع سابقا مانعا عن تقديمه على بقيّة الواجبات؟ أو ترى أنّ المرجوحيّة الّتي كان منشؤها الاستحباب مانعا للشارع عن إيجابه قبل غيره؟ لعدم معقوليّة إيجاب الشارع للمرجوح.

و من هذا الباب ما لو فرض أنّ السلطان منع رعاياه عن المستحبّات، و هدّد فاعلها بالقتل، و أذن لهم في فعل الواجبات فقط، و لا إشكال حينئذ في حرمة جميع المستحبّات، لانطباق عنوان الضرر عليها، و لكن لمّا كان منشأ الضرر- أعنى المرجوحيّة- هو الاستحباب، و بالنذر يرتفع ذلك لا إشكال في صحّة النذر، و لا يظنّ بأحد الالتزام بعدم انعقاده، و ليس الوجه إلّا ما عرفت من أنّ الموضوع هو متعلّق الاستحباب لا المستحبّ، و لمّا كانت المرجوحيّة ناشئة من الاستحباب، و هو غير قابل للبقاء مع الوجوب لا يبقى مانع من صحّة النذر، و لهذا يصحّ لنا أن نقول: إنّ مورد النهى و النذر متغايران، و النذر لم يقع على موضوع منهيّ عنه أصلا، و إنّ المرجوح ليس بمنذور، و المنذور لم يكن مرجوحا أصلا، فليتأمّل.

و بالجملة، موضوع النافلة يعرضه حكمان: الوجوب مع النذر، و الاستحباب بدونه، و قد دلّ الدليل على اشتراطها بفراغ الذمّة عن الواجب في صورة استحبابها خاصّة، و الاختلاف في الشرائط باختلاف الحكم غير عزيز.

و هذا ما سمح به الخاطر في حلّ هذا الإشكال، و بعد تحريره تأمّلنا كلام الشيخ قدّس سرّه

ص: 481

فوجدناه قابلا للحمل عليه، فإن تمّ و سلّم من الفساد فسرورنا بحلّ الإشكال لا يزيد على سرورنا بفهم كلام الشيخ و بيان مراده بعد ما استصعبه جماعة من أفاضل العصر، حتّى أنّ بعض العلماء تجاوز الحدّ و زعم أنّه لا معنى له أصلا نعم، لا نعرف وجها لتخصيصه بصورة الإطلاق، مع أنّ هذا الوجه لو تمّ لدلّ على صحّته حتّى في صورة التقييد.

هذا، و قد عرفت توقّف إمكان حلّ الإشكال على أن يستفاد من النهي عن التطوّع ما عرفت، و لقائل أن يمنع إمكانه أوّلا بأنّ مرجوحيّة عنوان المستحبّ مطلقا في بعض الأوقات غير معقول إلّا أن يرجع إلى وجود مفسدة في موضوعه في وقت خاصّ أو لمكلّف كذلك، و أن يمنع كون ذلك مفادّ الأدلّة ثانيا.

و الجواب عن الأوّل لا يصعب على المتأمّل، و الثاني موكول إلى فهم الناظر بعد مراجعة الأدلّة.

هذا، و أمّا ما تقدّم نقله عن شيخنا الفقيه قدّس سرّه من اشتراط تمكن الناذر من ايقاعها في الوقت الّذي نذره فارغا ذمّته عمّا تجب عليه من الفوائت فالوجه فيه واضح من ممانعة فعليّة الأمر بها عن النافلة الّتي فرض مزاحمتها لها.

و لكن لا يخفى أنّ ذلك لا يمنع من صحّة النذر بعد فرض قابليّة الموضوع الّذي عرفت أنّها مفروض المقام، و قد عرفت أنّ المقام يشبه باب التزاحم، بل هو من شئونه، و قواعد الصناعة لا تأبى من صحّة نذر المهمّ حتّى مع مزاحمة الأهمّ، فيحصل الوفاء به في صورة ترك الأهمّ، و الحنث في صورة تركهما معا، بل لا يبعد وجوبه مطلقا لو فرض صيرورته بالنذر أهمّ من كلا المتزاحمين، و التخيير بينهما مع فرض التساوي، و لا يبعد في الصورتين إمكان نذر الّذي فرض أنّه الأهمّ مطلقا، فيعود فيه الكلام.

و بالجملة، لا مانع عن نذر كلّ عبادة في وقت كلّ عبادة إلّا أن يثبت عدم قابليّة الموضوع- كنذر الصوم في شهر رمضان- أو يمنع منه مانع آخر، و كذلك غير النذر، إلّا أن يدّعى لزوم الأمر الفعلي في النذر، و هو ممنوع.

و تحقيق المقام يحتاج إلى تأمّل تامّ، و تتبّع مظانّه من كلمات الأصحاب، و ما ذكرناه أنموذج كاف في ما قصدنا بيانه هنا، و اللّه العالم.

ص: 482

ثمّ إنّه لا فرق بين النذر في ما عرفت و بين سائر الأسباب الموجبة للنوافل، كالعهد و اليمين، و أمر السيّد و الوالد، لاشتراط الجميع بعدم الحرمة.

و لا يخفى أنّ الإشكال يختصّ بما هو تطوّع بالذات، فلا إشكال في الواجبات، و إن كان وجوبها بالعارض كالإجارة و نحوها، و في مثل الصلاة المعادة لمن اشتغلت ذمّته بالفوائت، و القضاء عن الميّت إذا لم يكن واجبا على القاضي وجهان لعلّ أقواهما الجواز.

و لا إشكال في جواز الرواتب اليوميّة في أوقات الفرائض أداء، و في جوازها قضاء، أو عدمها مطلقا، أو التفصيل بين المماثلة و غيرها- فيجوز قضاء نافلة الظهر الفائتة في وقت نافلة الظهر، دون نافلة الصبح مثلا- أو التفصيل بين الوقت المشترك بينهما و بين غيره وجوه.

المبحث الثالث: في الأحكام

(إذا حصل للمكلّف) بعد دخول الوقت (أحد الأعذار المانعة من) أصل (التكليف بالصلاة كالجنون و الحيض و الإغماء، دون المانعة من تنجّز التكليف كالنسيان و نحوه و قد مضى من الوقت مقدار فعل تمام) أقلّ أفراد (صلاة المختار له) من غير جهة ضيق الوقت، لا المضطرّ إن كان مختارا (بحسب حاله في ذلك الوقت من الحضر و السفر) و منه مواضع التخيير في وجه (و غيرهما) ممّا يختلف به مقدار زمان الصلاة (وجب عليه) إيقاع الصلاة في ذلك المقدار، و لم يجز له التأخير إن علم بطروّ العذر بعده، بل و لو ظنّ في وجه، و إن لم يعلم أو علم و لم يفعل فعليه (القضاء) إن استمرّ عدم العذر في جميع ذلك المقدار بلا خلاف و لا إشكال،.

و الوجه فيه واضح كالمراد من العبارة، و مع ذلك تكلّف بعض العلماء في تفسيرها، و صنع بها ما يوجب زقّة الناظر لحالها حيث جعل لفظ المختار صفة للصلاة، و زعم أنّ معنى العبارة الصلاة الّتي اختارها الشارع له، و حكم عليها بالغلط في موضعين: أحدهما: ترك إدخال اللام على الصلاة الموصوفة، و ثانيهما: ترك التاء في الصفة.

و اعتذر عمّا صنعه بعذرين غير موجّهين: أحدهما: عدم الدليل على التقييد بصلاة المختار

ص: 483

- و ستعرف ما فيه- و ثانيهما: أنّه مخالف لما في الجواهر. و لا يخفى ما فيه على من راجعه، و كان الأولى ملاحظة عبارته في باب الحيض من هذا الكتاب الّتي هي صريحة في ما فسّرناها به (1).

و ما أوقع هذا الشارح في ما وقع فيه إلّا لفظ «له» بعد لفظ «المختار» الّذي أوجب سماجة العبارة، و تعقيدها من غير احتياج إليها، و لو تركه كما فعله في باب القضاء من هذا الكتاب لكان أحسن.

و بالجملة، مختار الماتن أنّه يجب القضاء على من مضى له من أوّل الوقت مقدار يصحّ أن يؤمر فيه بالصلاة الّتي كانت واجبة عليه لو لا ضيق الوقت بأن يسع فعل تمام تلك الصلاة مع تحصيل مقدّماتها الغير الحاصلة.

(و إلّا لم يجب عليه) مطلقا (على الأصحّ من غير فرق) بين الأجزاء و الشرائط، و لا في الأجزاء (بين التمكّن من) الشطر (الأكثر) من الصلاة كالركعتين من المغرب (و عدمه) كما نقل عن المرتضى و غيره (2).

و مستنده رواية أبي الورد (3)، و هي غير نقيّة السند، و غير واضحة الدلالة، محتملة لوجوه كثيرة، و هي مع ذلك مختصّة بالحيض فلا تعمّ سائر الأعذار، و خلاف السيّد أيضا محتمل للاختصاص بالحيض أيضا كما قيل.

(و) لا في الشرائط (بين التمكّن من الطهارة خاصّة دون باقي الشرائط و عدمه) على الأصحّ أيضا، و في قباله قولان متقابلان:


1- قال في الفصل الثامن (أحكام الحائض): لو حاضت بعد أن مضى من الوقت مقدار أقلّ أفراد ما عليها من الصلاة من الإتمام و القصر و لو في موضع التخيير، و السرعة و البطء، و الصحّة و المرض و نحو ذلك، و مقدار ما هي مكلّفة به من الشرائط من وضوء أو غسل أو تيمّم و غير ذلك من باقي الشرائط و لم تكن قد حصلت وجب عليها القضاء.
2- مدارك الاحكام 3: 91 قال: و حكي عن ظاهر المرتضى و ابن بابويه و ابن الجنيد اعتبار خلوّ أوّل الوقت من العذر بمقدار أكثر الصلاة.
3- وسائل الشيعة 2: 360 الباب (48) من أبواب الحيض ح 3.

ص: 484

الأوّل: للفاضل في النهاية- على ما نقل- و هو كفاية مضىّ مقدار الصلاة دون الطهارة لإمكان تقديمها على الوقت إلّا للمستحاضة و المتيمّم (1).

و الماتن في كتابه نفى الريب عن ضعفه معلّلا بأنّ الطهارة لكلّ صلاة موقّتة بوقتها، و لا يعارضه إمكان كونه قد تطهّر لغيرها (2).

قلت: مثل هذا لا يكاد يخفى على مثل الفاضل قدّس سرّه، و الظاهر أنّ نظره إلى كفاية ذلك في صدق الفوت الّذي هو موضوع القضاء، و هو لا يتوقّف على وجوب الأداء، و إنّما يتوقّف على إمكانه، و هو حاصل بما ذكره، و هو قويّ جدّا كما ستعرف.

و على هذا فإيراد الماتن بمعزل عن كلامه، نعم لا خصوصيّة للطهارة في ذلك، بل الساتر و نحوه كذلك، فلعلّه ذكر الطهارة من باب المثال، و لا يحضرني كلامه.

و ظاهر كلام الشيخ قدّس سرّه نسبة ذلك إليه في جميع الشرائط، و على هذا فلا تقابل بين هذا القول و القول الثاني و هو اعتبار الطهارة خاصّة دون غيرها من الشرائط الّتي تسقط حال الضرورة، ذهب إليه الفاضل الأصفهاني في المناهج السويّة (3)، و لعلّه ظاهر من اقتصر على ذكر الطهارة بين الشروط كالفاضلين و غيرهما.

و الوجه فيه ما في الكتاب المذكور و في كتاب الطهارة للشيخ، و ملخّصه:

إنّ المفروض اختصاص تلك الشرائط بصورة التمكّن، و سقوطها للعذر الّذي من أفراده ضيق الوقت، و لهذا تجب الصلاة بدونها على من ارتفع عنه العذر آخر الوقت و لا يتمكّن من الساتر و نحوه، و كذلك من علم أوّل الوقت بطروّ المانع له بعد زمان لا يسع إلّا نفس الصلاة و الشرائط المطلقة، فإذا أخّرها و الحال هذه أثم و عليه القضاء، و لا فرق بين ما لو علم بذلك أو فاجاه المانع غفلة، بل مفاجاته كاشفة عن كونه مأمورا


1- نهاية الإحكام 1: 317.
2- جواهر الكلام 3: 210.
3- «المناهج السّوية في شرح الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» للفاضل الهندي المولى بهاء الدين محمّد بن تاج الدين حسن بن محمّد الأصفهاني خرج منه شرح كتاب الطهارة مزجا ... و كتاب الصلاة فصلا ... و الزكاة و الخمس و الصوم ختمه بالحج. الذريعة: 22/ 345.

ص: 485

في الواقع بالصلاة الخالية عنها، فيجب القضاء كما في سائر الموارد (1)، انتهى.

و هذا الوجه قويّ جدّا، و لهذا قال الشيخ في حاشية المقام: «إنّ الأحوط القضاء مع كونه متطهّرا جامعا للشرائط عند الزوال و طروّ العذر بعد مضيّ مقدار الفعل الواجب في حقّه، سواء كان صلاة المختار أو غيرها».

و قد خفي المراد من هذه الحاشية على جماعة حتّى أنّ بعض الأعلام زعم اتّحادها معنى مع عبارة المتن اولى، و لهذا تعجّب من تعبير الشيخ بالاحتياط مع كونه القدر المتيقّن من وجوب القضاء، و قد نشأ الإشكال من حملهم الشرائط المذكورة في كلامه على شرائط الصلاة، و هذا خطاء، بل مراده منها شرائط التكليف، و التقييد بكونه متطهّرا لما عرفت من خصوصيّة الطهارة بين الشرائط.

و في العبارة قصور كما لا يخفى، و كان الأولى أن يلحق بآخرها «أو مضىّ ذلك المقدار مع مقدار الطهارة الواجبة في حقّه إن لم يكن متطهّرا» كما أنّه لو بدّل قوله «عند الزوال» بقوله «أوّل الوقت» لكان أحسن، و الأمر فيه سهل.

ثمّ إنّ الشيخ قدّس سرّه اختار ما ذكره الماتن، و أورد على الوجه المذكور بوجهين:

أحدهما: أنّه لا نسلّم تنجّز التكليف و حدوثه بمجرّد القدرة على الفعل الاضطراري، إنّما المسلّم كونها كافية في بقاء التكليف.

و ثانيهما: أنّه لا يلزم من وجوب الفعل الخالي عن الشرائط الاختياريّة عليه إذا علم بطروّ المانع وجوب قضاء الصلاة عليه لو تركها، لأنّ الواجب مع فوت الفعل الاضطراري تدارك الفعل الاختياري الّذي فات من غير بدل، لا تدارك بدله الاضطراري الّذي أمر به فعلا، فإذا فرض استناد فوت الاختياري إلى الحيض مع كون المفروض عدم وجوب تدارك ما فات لأجل الحيض فلا مقتض آخر للقضاء (2)، انتهى.

و مراده ممّا ذكره في الوجه الأوّل واضح، و إن كان فيه من المناقشة ما لا يخفى على المتأمّل، و لهذا أمر بالتأمّل و لو تمّ هذا الوجه لزم أمران يصعب الالتزام بكلّ منهما:


1- كتاب الطهارة: 241.
2- كتاب الطهارة: 242.

ص: 486

الأوّل: عدم وجوب الأداء أيضا مع العلم بطروّ المانع بعده.

و ثانيهما: عدم وجوب الأداء لو فرض عدم التمكّن من تلك الشرائط في جميع الوقت.

و أمّا المراد من الوجه الثاني فلا يخلو عن خفاء، و لعلّ توضيحه أنّ هناك صلاتين:

اختياريّة، و هي لا تقضى، لاستناد فوتها إلى الحيض، و اضطراريّة، و هي لا تقضى مطلقا حتّى في سائر الموارد، مثلا من كانت فريضته صلاة اضطراريّة فلم يصلّها إلى أن خرج الوقت يجب عليه القضاء، و المقضيّة هي الاختياريّة الفائتة.

و الفرق بين المقام و هذه الصورة هو ما عرفت من استناد الفوت في المقام إلى الحيض الّذي دلّ الدليل على عدم وجوب قضاء ما فات بسببه، بخلاف تلك الصورة.

هذا، و فيه مجال للتأمّل، و من المستبعد جدّا وجوب الأداء و عدم وجوب القضاء، و قد أحسن الشيخ الأستاذ- دام ظلّه- حيث كتب على أوّل هذه الحاشية: «بل الأقوى».

ثمّ إنّ هذه الاحتياط يجري في ما لم يكن المكلّف متطهّرا، و لم يسع الوقت إلّا التيمّم و صلاة غير المختار، و قد نبّه الشيخ على ذلك في حاشيته على المسألة الآتية، و المقام أولى بذلك منه، لأنّه قد وردت في المسألة الآتية روايات يمكن أن يستفاد منها عدم وجوب القضاء إذا تمكّنت الحائض من الصلاة مع التيمّم آخر الوقت و لم تفعل، بخلاف المقام، و لهذا فصلّ بينهما في المناهج السويّة فقال:

«ينبغي أن لا يشترط إلّا اتّساع الوقت للصلاة و التيمم، إلّا أنّ النص عارض ذلك بالنسبة إلى آخر الوقت، و هي رواية عبيد بن زرارة، و رواية الحلبي الآتيتين، و أمّا أوّل الوقت فلم يرد فيه ما يدلّ على ذلك، بل عموم الأخبار الآمرة بقضاء ما أدرك وقتها يقتضي القضاء و لو لم تدرك مقدار الطهارة المائيّة»، انتهى.

و لعلّ الشيخ اكتفى بما ذكره في الحاشية الآتية لمكان هذه الأولويّة، فتأمّل.

ثمّ إنّ كلامه قدّس سرّه في كتاب الطهارة و كلام صاحب المناهج مقصوران على بيان حال الشروط، و لا خصوصيّة لها، فيجري الكلام في الأجزاء الّتي تسقط للعذر كالسورة و نحوها، و إطلاق عبارة الحاشية تشملها أيضا.

هذا، و البحث عن الروايات الواردة في خصوص الحيض يطلب من محلّه من هذا

ص: 487

الشرح و ما بقي من الكلام في هذه المسألة يأتي- إن شاء اللّه- في باب قضاء الصلاة عند تعرّض الماتن لها، لأنّ هذه المسألة أنسب بذلك الباب من باب المواقيت، و الّذي كان يناسب هذا الباب بيان حال الأداء، و قد تركه الماتن و كرّر حال القضاء في مواضع ثلاثة من هذا الكتاب، و التكلّم على حاشية الشيخ قدّس سرّه ألجأنا إلى التعرّض لذلك، و إلّا فالمناسب ما عرفت.

هذا، و الحال في ارتفاع العذر في أثناء الوقت كالحال في ارتفاعه في أوّله.

(و لو ارتفع العذر) آخر الوقت (و قد أدرك مقدار ركعة كذلك) أى بحسب حاله تامّة الأجزاء و الشرائط (وجب) فعل الصلاة- لأنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كلّه- على المشهور، بل نقل عليه الاجماع.

و المستند فيه ما روي عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» (1).

و موثّق عمّار: «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة و قد جازت صلاته، و إن طلعت الشمس قبل أن يصلّى ركعة فليقطع الصلاة و لا يصلّ حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» (2).

و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من أنّ «من أدرك ركعة [من الصلاة] فقد أدرك الصلاة».

قلت: الرواية الأخيرة ليست من طريق أصحابنا- كما اعترف به الفاضل (3) و غيره- نعم تكرّر نقلها في كتب العامّة، و قد رواها مسلم و البخاري بعدّة طرق جميعها عن أبي هريرة عنه صلّى اللّه عليه و آله (4).

و دلالتها على المطلوب غير ظاهرة، إذ من المحتمل قريبا أن يكون المراد درك الجماعة بدرك ركعة مع الإمام، و في بعض طرقها التصريح بذلك مثل ما رواه مسلم بأسناده عن


1- وسائل الشيعة 4: 217 الباب (30) من أبواب المواقيت ح 2.
2- وسائل الشيعة 4: 217 الباب (30) من أبواب المواقيت ح 3.
3- منتهى المطلب 4: 108.
4- صحيح مسلم 3: 104 و صحيح البخاري 1: 240.

ص: 488

أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» (1).

و ما نقل عن الشيخ من أنّه- بعد نقل هذه الرواية في بعض كتبه- قال: «و قد روي مثلها عن أئمّتنا عليه السّلام» (2) فالظاهر، بل المعلوم أنّه يريد بذلك الروايتين السابقتين، و هما مختصّتان بصلاة الصبح، فإثبات الحكم في جميع الصلوات كما ترى.

و الحال في هذه المسألة كالحال في سائر المسائل المشهورة الّتي لا يتمّ الدليل عليها إلّا بالشهرة و الجبر بها.

بل الحكم في صلاة الغداة لا يخلو أيضا عن تأمّل، إذ الرواية الاولى و إن كانت دلالتها لا بأس بها لكن سندها ضعيف جدّا، و الثانية و إن كان رواها سعد بن عبد اللّه مسلسلا بثقات الفطحيّة و لكنّ لا تدلّ إلّا على جواز الصلاة و صحّتها فقط، من غير تعرّض لكونها في الوقت أو في غيره، و الظاهر من ذيلها كونها مسوقة لبيان حكم الصلاة من حيث وقوع بعضها في الوقت المكروه، و التفصيل بين الركعة و ما دونها في القطع و عدمه لأجل ذلك، فهي أجنبيّة عن المقام، بل لا تدلّ على جواز الصلاة إذا علم بوقوع ما زاد على الركعة بعد طلوع الشمس، فضلا عن وجوبها الّذي هو المدّعى.

ثمّ إنّ ما تضمّنته هذه الروايات على ما فهموا منها يمكن أن يكون بتصرّف الشارع في الوقت، و جعله أوسع من الوقت الأصلي بمقدار يسع الباقي، و يمكن أن يكون باكتفائه بوقوع مقدار ركعة في الوقت عن وقوع الجميع فيه.

و سمت من السيّد العلّامة الإمام محمّد الباقر حجّة الإسلام (3) تقريبا حسنا للوجه الثاني،


1- صحيح مسلم 3: 104.
2- قال في الخلاف: لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. و كذلك روي عن أئمتنا. الخلاف 1: 272- 271.
3- هو السيّد محمّد باقر المعروف بالحجّة ابن أبي القاسم بن الآغا حسن بن السيّد المجاهد الطباطبائي الحائري عالم فقيه و متكلّم بارع و أديب كامل. ولد في النجف الأشرف 8 شعبان 1273 و أخذ العلم عن الفطاحل و الحجج كوالده السيّد أبي القاسم و الفاضل الأردكاني و الميرزا حبيب اللّه الرشتي و غيرهم و انتهت إليه الرئاسة في كربلاء كأعلام أسرته فكان هناك مرجعا للقضاء و التدريس و الفتيا و غيرها و كان دائم المذاكرة، دقيق النظر، خصيب الفكر، مشتغلا بالعلم دائما، مكبّا على التدريس و التصنيف و التأليف. له ... «الشهاب الثاقب» أو «السهم الثاقب» في ردّ ابن الآلوسي، مطبوع متداول و أراجيز و منظومات كثيرة منها «مصباح الظلام في اصول الدين و علم الكلام» و هي منظومة بديعة حوت بيان اصول الدين و المذهب على طريقة الإماميّة بالبراهين الساطعة و الأدلّة القاطعة و أشار فيها إلى بطلان سائر المذاهب و فسادها و ختمها بالنصائح و الأخلاق. طبعت في مطبعة العرفان بصيدا 1357 ... توفّى في كربلاء في الأحد 11 رجب 1331. نقباء البشر 1: 194- 193.

ص: 489

و هو أنّ المقام أحد أفراد قاعدة الميسور و لكن لمّا كان المقدار الميسور الّذي يكتفى به عن الكلّ مختلفا باختلاف الأشياء، و ما يعرف المكلّفون جهات صلاحه يمكنهم معرفة الميسور منه دون ما ليس كذلك، و لمّا كانت الصلاة من قبيل الثاني بيّن الشارع بهذه الأخبار مقدار الميسور منها، و أنّ الركعة الواحدة الواقعة في الوقت تقوم بشطر صالح من مصالح الوقت، انتهى.

(و) من الظاهر أنّه على الوجه الأوّل (يكون مؤدّيا) لجميع الصلاة (لا قاضيا و لا ملفّقا)، و على الثاني يمكن القول بكلّ من الأداء و التلفيق، بل القول بأنّ الباقي ليس بأداء و لا بقضاء، و التقريب في الأوّلين لا يخفى على المتأمّل، و في الثالث أنّ الأداء و القضاء من قبيل تقابل العدم و الملكة، فلا يتحقق إلّا في الموقّتات، و بعد رفع الشرطيّة في باقى الركعات لا يكون أداء و لا قضاء.

و أمّا القول بكونه قضاء فلا يمكن تخريجه على أحد الوجهين المتقدّمين، بل لا وجه له إلّا عدم العمل بهذه الأخبار، كما هو مقتضى دليله المنقول عنه، و هو أنّ خروج البعض يستلزم خروج الكلّ، فدعوى الإجماع على هذا الحكم حتّى من السيّد لا يتمّ أبدا.

و دعوى الماتن في كتابه القطع بعدم جريان جميع أحكام القضاء عليه عدا النيّة عنده (1) إن تمّت فلا ينافي كونه قضاء، إذ من الممكن إيجاب القضاء فورا، و لزوم تقديمه على سائر الفوائت، و نحو ذلك.

و من المحتمل القريب جدّا أن يكون الوجه في كلام السيّد عدم اعتداده بالأخبار العامّة


1- جواهر الكلام 7: 258.

ص: 490

العاميّة، و كذلك الخبر الأوّل، لضعفه، و فهمه من موثق عمّار المعنى الّذي سبقت إليه الإشارة، مع قطع النظر عمّا ذكرناه أخيرا من عدم دلالته أيضا على وجوب إيقاع الصلاة فيه، بل غاية ما دلّ عليه أنّه لو دخل في الصلاة و لو جاهلا بضيق الوقت ثمّ صادف طلوع الشمس في الأثناء يلزمه القطع قبل إتمام الركعة، بخلاف ما بعده.

ثمّ إنّ المتيقّن من هذه الأخبار كونها في مقام الاكتفاء بالركعة الواحدة في مقام الامتثال من المكلّف بالصلاة، لا كونها في مقام جعل التكليف لمن لم يكن مكلّفا به، فيشكل إثبات وجوب الصلاة بها على الغلام الّذي يبلغ قبل آخر الوقت بمقدار ركعة واحدة، و الحائض الّتي تطهّر كذلك، إذ الأمر الاولى بالصلاة لا يشملهما قطعا، لقبح التكليف بفعل لا يسعه الوقت.

و هذه الأخبار لا ظهور لها إلّا في الاكتفاء بالركعة الواحدة عن المكلّف بالصلاة في الوقت، و لا يظهر منها جعل حكم ابتدائيّ، بل هي ناظرة إلى الوقت الأصليّ، و بيان حكم من أدرك ركعة من وقته الّذي وجب عليه إيقاع الفعل فيه، لا من أدرك شيئا من وقت تكليف غيره.

و جعل الحكم على نحو يشمل الأمرين معا و إن كان ممكنا لكن إثباته بهذه الأخبار لا يخلو عن تأمّل.

و لأحد أعلام العصر (1)- أدام اللّه ظلّه و بقائه، و رزقنا التشرّف بلقائه- حاشية في مبحث صلاة الآيات على قول الماتن: «و يدرك وقت الفرض بإدراك ركعة» لعلّ الوجه فيها ما ذكرناه، و هي قوله: «إن كان ذلك بعد استقرار الوجوب بإدراك تمام الصلاة في الوقت مع تحقّق سائر شرائط الوجوب».

و إن كان الوجه فيه ما ذكرناه فكان من اللازم بيانه هنا و في مبحث الحيض، و الّتي رأينا من النسخ المزيّنة بغوالي لئالي حواشيه خالية عن ذلك في المقامين، و الفرق بين المقام و صلاة الآيات لا يحضرني الآن وجه له، و لعلّنا نعيد الكلام عليها في محلّه إن شاء اللّه تعالى.


1- الظاهر أنّه العلّامة الفقيه الميرزا محمّد تقى الشيرازي رحمه اللّه.

ص: 491

بقي في المقام شي ء، و هو أنّ الظاهر منهم المصرّح في كلام بعضهم عدم جواز تأخير الصلاة اختيارا إلى بقاء مقدار الركعة، و الوجه فيه لا يخلو عن خفاء، و لعلّهم استفادوا ذلك من التعبير بالادراك و نحو ذلك، فلا بدّ من التأمّل و المراجعة.

هذا تمام الكلام في وجوب أداء الصلاة إن أدرك ركعة، و يجب القضاء بعدم الأداء فيه (و إلّا) [أي إن لا] يمكن الأداء لعدم سعة الوقت لا أصلا و لا تنزيلا (لم يجب) القضاء (على الأقوى).

و قد نفى عن ذلك الريب في كتابه من غير أن يبيّن له وجها إلّا مفهوم «من أدرك» (1) الّذي هو بعيد عن عدم القضاء بمراحل.

و قد ذكر في مبحث الحيض أنّ الأحوط لها قضاء الصبح إذا طهرت قبل طلوع الشمس مطلقا (2).

و مال المحقّق في المعتبر إلى وجوب الصلاة على الحائض بمجرّد تمكّنها من الطهارة و الشروع فيها، لظواهر عدّة من الأخبار المذكورة مع الكلام عليها في مبحث الحيض.

و مع قطع النظر عن جميع ذلك يشكل عدم القضاء بما ستعرف في بابه من أنّ موضوعه الفوت الّذي يصدق مع عدم التمكّن من الفعل أصلا، فضلا عن التمكّن من بعضه، و لا يتخلّص من هذا الإشكال إلّا أن يتمّ ما تقدّم نقله عن الشيخ قدّس سرّه من أنّ الفوت في المقام و أمثاله مستند إلى الأعذار الّتي دلّ الدليل على عدم القضاء إذا كان الفوت مستندا إليها.

و قد ورد في الحائض الّتي تطهر آخر الوقت ما يستفاد منه عدم وجوب القضاء عليها إن لم يسع الوقت للطهارة و الصلاة (3) و فيه كلام مذكور في محلّه، و على تقدير تماميّته فالتعدّي من الحيض الّذي هو مورد النص إلى غيره لا يخلو عن إشكال، و تحقيق المقام محلّه مبحث القضاء و اللّه أعلم.


1- جواهر الكلام 3: 215.
2- جواهر الكلام 3: 216.
3- وسائل الشيعة 2: 361 الباب الباب (49) من أبواب الحيض ح 1.

ص: 492

(من غير فرق بين الفرائض) الصبح و غيره- كما عن النهاية- (1) (و لا بين الطهارة و غيرها من الشرائط) كما تقدّم في المسألة السابقة، سوى أنّ ما تقدّم عن الفاضل من عدم الاعتداد بمقدار الطهارة لا يجري هنا، لعدم تمكّن سبقها هنا كما لا يخفى.

و للشيخ قدّس سرّه حاشية هي قوله: «لو أدرك الطهارة دون سائر الشرائط بل الطهارة الترابية فلا ينبغي ترك الاحتياط». و قد تقدّم الوجه فيها و أنّ المسألة السابقة أولى بالاحتياط في الطهارة الترابية.

(و المراد بالركعة في كلّ مقام علّق الحكم عليها القيام المشتمل على القراءة و الركوع و السجود كمّلا، فتنتهي حينئذ برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصحّ) و الكلام على هذه المسألة و بيان الأقوال فيها يأتي- إن شاء اللّه- في مبحث أحكام الخلل.

و للشيخ قدّس سرّه حاشية في المقام، و هي قوله: «الاكتفاء هنا باتمام الذكر في السجدة الأخيرة لا يخلو عن قوّة».

و فيها نكتة لطيفة، و هي أنّه قدّس سرّه جعل الاكتفاء بما ذكره هو الأقوى في هذه المسألة خاصّة دون سائر الموارد، و لهذا ذكر في مسألة إحراز الاوليين ما يرجع إلى الاحتياط بالجمع بين هذا القول و غيره.

و الوجه في الفرق أنّ الحكم في المقام معلّق على التمكّن من مقدار الركعة، و هو حاصل بالتمكّن من أقلّ أفراده الّذي يحصل باتمام الذكر و إن قلنا بأنّ الركعة باقية ما لم يتحقّق رفع الرأس عنها، و الحكم هناك معلّق على تماميّتها، و لم يظهر عنده أنّ تماميّة الركعة هل تكون بتمام الذكر أو بغيره.

فمثال المقام ما لو قيل: «يجب المشي مثلا لمن تمكّن منه» و لا إشكال في وجوبه بالتمكّن من أقلّ أفراده.

و مثال غيره ما لو قيل: «يحرم الكلام عند المشي» و لا إشكال في بقاء الحرمة ما بقي الفرد و لم يتمّ بقطع المشي، طال الفرد أو قصر.


1- قال في النهاية: و يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس على كلّ حال: النهاية و نكتها 1: 239.

ص: 493

و بهذا يظهر ما في كلام الماتن من تعميمه ما ذكره إلى كلّ مورد علّق الحكم فيه على تمام الركعة.

و لا يجوز الصلاة قبل الوقت مطلقا عند أصحابنا أجمع، و عند جمهور العامّة (و) لا الدخول فيها مع الشكّ فيه، بل (يعتبر العلم لغير ذوي الأعذار) الّذين لا يمكنهم العلم (بالوقت) بغير التأخير (في الدخول بالصلاة) لا يعلم فيه مخالف- كما في المدارك- (1) و ربّما استظهر من الشيخين في المقنعة و النهاية الخلاف (2)، و كلامهما غير صريح، بل و لا ظاهر في ذلك.

نعم، ذهب إلى كفاية الظنّ لهم صاحب الحدائق (3) و استدلّ على ذلك بعد رواية ابن رياح الآتية بعدّة أخبار واردة في الأذان، أكثرها بمعزل عن حجّيّة الأذان مطلقا، بل هي واردة لبيان امور اخر غير ناظرة إلى حجّيّته، و إن لم يحصل منه العلم كما لا يخفى على من راجعها، و أحسنها رواية القسري، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخاف أن اصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس قال: «إنّما ذلك على المؤذّنين» (4).

و هي على تقدير ظهورها مختصّة بالجمعة.

و على تقدير تسليم دلالة الجميع لا يثبت بها إلّا حجّيّة الأذان خاصّة، فيكون حاله حال سائر الإمارات الشرعيّة كالبيّنة و نحوها، فكيف جاز له التعدّي إلى مطلق الظنّ و لو حصل بسبب آخر؟

على أنّها معارضة بما هو أصرح منها كخبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام: الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر و لا يدري أطلع الفجر أم لا؟ غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع فقال:

«لا يجزيه حتّى يعلم أنّه طلع» (5). إلى غير ذلك.

(و الأقوى الاكتفاء بالبيّنة) كسائر الموارد (بل و خبر العدل) الواحد، بل الثقة و إن لم


1- مدارك الاحكام 3: 97.
2- الحدائق الناظرة 6: 295.
3- راجع: الحدائق الناظرة 6: 296.
4- وسائل الشيعة 5: 379 ح 3.
5- وسائل الشيعة 4: 280 الباب (58) من أبواب المواقيت ح 4.

ص: 494

يكن عدلا كما كان يقوله بعض مشايخنا (لكن الأحوط خلافهما).

أمّا الأخير فالاحتياط فيه حسن، بل الأقوى عدم الاكتفاء به كما في حاشية الشيخ قدّس سرّه و محلّ التفصيل في ذلك كتاب الطهارة.

و أمّا البيّنة فلا أدري ما الّذي دعاه إلى الاحتياط فيها بعد استقرار رأيه على حجّيّتها في سائر الموضوعات، و عدم اقتصاره على موارد النصّ فيها، و لا أعرف خصوصيّة في الوقت توجب الفرق بينه و بين غيره، إلّا أن يقال: إنّه ليس من الامور المحسوسة، فلا تكون الشهادة به حسّيّة، و فيه ما لا يخفى.

و للسيّد الخال الأستاذ (1)- دام ظلّه- حاشية على حاشية الشيخ و هي قوله: «و الأحوط في العدلين». و فيها- مضافا إلى ما عرفت- أنّ الاحتياط فيها مذكور في المتن، و تكرار ما في المتن خلاف عادتهم في الحواشي.

هذا، و في العناوين نسب عدم حجّيّة البيّنة في الوقت إلى شاذّ من الأصحاب (2)، و لكن لم يبيّن المخالف، و لا ذكر وجها لكلامه، و لعلّه فهم من الأخبار الناهية عن الصلاة قبل العلم بالوقت و الآمر بها بعد العلم أنّ العلم مأخوذ فيها على جهة الموضوعيّة، فليراجع.

(و لا يكفي الأذان و إن كان من عدل عارف) لما عرفت من حال الأخبار الّتي استدلّ بها على حجّيّته، و معارضتها بما هو أقوى منها و أصرح.

و لا أدري ما الّذي أعجب السيّد الأستاذ- دام ظلّه- منها حتّى كتب في الحاشية: «إنّ الاكتفاء بأذان العدل العارف لا يخلو عن قوّة» على أنّ تلك الأخبار خالية عن القيدين الّذين ذكرهما، إلّا أن يستفاد الأوّل من قوله عليه السّلام: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنّهم أشدّ [شي ء] مواظبة على الوقت» (3) و نحوه، و يراد بالثاني الثقة في مذهبه.

ثمّ إنّ لازم من قال بحجّيّة الأذان القول بكفاية إخبار من يكتفى بأذانه، إذ الأذان إنّما


1- هو العلّامة الفقيه آية اللّه السيّد اسماعيل الصدر رحمه اللّه.
2- العناوين 2: 650.
3- وسائل الشيعة 5: 378 الباب [3] من أبواب الأذان و الإقامة ح 1.

ص: 495

يعتبر لكشفه عن اعتقاد المؤذّن بدخول الوقت، و إخباره بذلك أقوى في الدلالة قطعا، و من المستعبد جدّا أن لا يعتمد على إخباره و لو تكرّر منه البيان، و حلف عليه بالغموس من الإيمان، و يعتمد عليه بمجرّد تلفّظه بالأذان.

و على هذا يمكن الفرق بين المقام و سائر الموارد بالقول باعتبار خبر العدل الواحد فيه دون غيرها، و هذا هو الوجه في ما يظهر من السيّد الأستاذ من اعتباره هنا، لعدم إمضائه الحاشية المتقدّمة للشيخ قدّس سرّه دون سائر الموارد، كثبوت الطهارة و النجاسة به.

و من هنا يتوجّه مؤاخذة على الماتن حيث قوّى اعتبار إخبار العدل، و أطلق القول بعدم اعتبار الأذان و لو كان عادلا، مع أنّ لفظ الإخبار لا خصوصيّة له قطعا، و المعتبر اللفظ الكاشف عن اعتقاده، و الأذان كذلك.

و يتوجّه مثله على شيخنا الفقيه قدّس سرّه حيث إنّه يقول بحجّيّة قول العدل في مطلق الموضوعات، و نبّه على ذلك في حاشية هنا، و أمضى ما في المتن من عدم اعتبار الأذان طلقا، فليتأمّل.

و قد صرّح في المصباح بحجّيّة الأذان إن كان من الثقة (1)، فكان عليه بيان ذلك في الحاشية.

ثمّ إنّه بناء على حجّيّة الأذان بأيّ وجه كان لا بدّ أن يقيّد بما علم كونه أذان إعلام، أمّا الإخبار فاختصاص مواردها بذلك ظاهر، و أمّا حجّيّة إخبار الثقة فظاهر أنّ مع عدم إحراز ذلك لا يعلم موضوع الإخبار، بل ينبغي على الثاني أن يقيّد بما إذا كان إخباره مستندا إلى الحسّ و ما يقرب منه، فلا اعتبار به حال الغيم و نحوه ممّا يعلم أنّ إخباره ليس مستندا إليه، إلّا أن يقال باعتباره من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، فليتأمّل.

(و لا غيره من الأمارات. نعم، يكفي الظنّ من أينما حصل لذي العذر بعمى أو حبس أو نحوهما) من الأعذار الّتي تختصّ ببعض دون بعض (أو في الغيم و نحوه) من الأعذار الّتي تعمّ أهل البلد الواحد مثلا.


1- مصباح الفقيه 9: 370.

ص: 496

و ما ذكره هو المشهور بين الأصحاب، لرواية سماعة قال: سألته عن الصلاة باللّيل و النهار إذا لم يرى الشمس و القمر و لا النجوم؟ قال: «اجتهد رأيك و تعمّد القبلة [جهدك]» (1).

قالوا: و هذا يشمل الاجتهاد في الوقت و القبلة معا.

و رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ قال:

«قد تمّ صومه و لا يقضيه» (2).

قالوا: فإذا جاز التعويل على الظنّ في الإفطار جاز التعويل عليه في الصلاة، لعدم الفرق.

و طعن في المدارك في سندهما (3).

قلت: و دلالتهما أولى بالطعن، كما لا يخفى على المتأمّل.

و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإذا رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومك، و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا» (4).

و في المدارك المناقشة في دلالتها باحتمال أن يراد بمضيّ الصوم فساده (5).

قلت: الاستدلال بهذه الرواية عجيب، إذ ليس فيها ذكر للظنّ أصلا، و لكنّ الإشكال عليه بما ذكر أعجب، إذ لا ريب أنّ هذه العبارة و أمثالها من الكنايات المتعارفة عن الصحّة، كما في سائر الموارد.

و أحسن منه دلالة صحيحته الآخر عنه عليه السّلام: ثمّ إنّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد


1- وسائل الشيعة 4: 308 الباب (6) من أبواب القبلة ح 2.
2- وسائل الشيعة 10: 123 الباب (51) من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك ح 4.
3- مدارك الاحكام 3: 99.
4- وسائل الشيعة 4: 178 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 17.
5- مدارك الاحكام 3: 99.

ص: 497

غابت فأفطر، ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال: «ليس عليه قضاء» (1).

و استدلّ على ذلك أيضا بما دلّ على الاعتماد على صياح الديك، بدعوى أنّه يحصل منه الظنّ، و قيّده بعضهم بما إذا عرف ذلك من عادته (2)، أو لم يعرف منه خلافه.

و برواية طويلة مشتملة على صلاة الكاظم عليه السّلام بإخبار الغلام في الحبس (3) و نحو ذلك ممّا لا يحصل به الاطمئنان التامّ، و لذا قال الماتن:

(مع أنّ الأفضل و الأحوط التأخير حتّى يعلم) ما لم يؤدّ إلى خوف فوات الوقت.

ثمّ إنّ أكثر النصوص كما سمعت مختصّة بما إذا كانت علّة في السماء، و ليس فيها ما يدلّ على الجواز إذا كان العذر من قبيل الحبس و نحوه، إلّا الرواية الأخيرة، و هي سندا و دلالة في الغاية القصوى من الضعف، فالاحتياط في الثاني أشدّ، بل عدم الجواز فيه لا يخلو عن قوّة.

نعم، لا بأس بإلحاق الموانع العامّة غير السماويّة بهما، كالدخان الّذي يعمّ جميع البلد، و نحوه كما في شرح البغية.

(و لو) قطع بدخول الوقت، أو ظنّ به- في مورد يعتبر الظنّ- فصلّى، ثمّ (انكشف له الخطاء حتّى بان له سبق الصلاة تماما على الوقت استأنف)، و إن بان له تأخّره تماما عنه صحّ و يكون قضاء (4) و لو نوى الأداء، بناء على عدم منافات ذلك للصحّة، و يبطل بناء على منافاته لها، و قد مرّ بيان ذلك سابقا.

(و إن كان قد انكشف له الخطأ و قد دخل عليه الوقت الّذي تصحّ فيه الصلاة المتلبّس بها و هو في أثنائها و لو) كان في حال (التسليم) بناء على كونه جزأ (لم يعد على الأقوى).


1- وسائل الشيعة 10: 123 الباب (51) من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك ح 2.
2- جواهر الكلام 7: 269.
3- وسائل الشيعة 4: 281 الباب (59) من أبواب المواقيت ح 2.
4- تأمّل، منه.

ص: 498

و الموصول الّذي في كلامه لا ثمرة فيه إلّا توضيح واضح، و هو أن يكون الوقت الّذي دخل في أثناء الصلاة يكون وقت تلك الصلاة لا صلاة اخرى. نعم، أورثت تشويش العبارة كما ترى.

و ما ذكر هو المشهور بين الأصحاب خلافا للسيّد المرتضى، و ابن الجنيد، و الفاضل في المختلف في أوّل كلامه (1)، و تبعهم غير واحد من المتأخّرين.

و استدلّ الماتن على قول المشهور بقاعدة الإجزاء المستفادة من الأمر بالعمل بالظنّ، خرج منها الصورة الاولى بالإجماع (2).

و فيه ما لا يخفى على أنّ الإجزاء لو قيل به أمر عقلي فكيف يقبل التخصيص كذا؟

فليتأمّل.

و أعجب من ذلك استدلاله بأصالة البراءة لو فرض ظهور الحال بعد الفراغ (3)، مع أنّ المقام من أظهر موارد قاعدة الاشتغال، و مثل هذا لا ينبغي أن يخفى على مثله.

و ينبغي أن يقال صونا لكلامه: إنّ التمسّك بالأصل مبنيّ على الوجه الأوّل، فكأنّه يرى أن الأمر بالصلاة قد حصل امتثاله بامتثال الأمر الظاهري، و الشكّ إنّما هو في تجدّد أمر آخر، فالشبهة تكليفيّة، و هذا و إن كان فاسدا و لكنّه ليس في وضوح الفساد كالأوّل.

و بالجملة، لم نجد للمشهور ما يمكن الاستناد إليه إلّا خبر إسماعيل بن رباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت [و لم يدخل الوقت] و قد دخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (4).

و الحكم في المسألة كما قال في المعتبر يدور مدارها (5)، و دلالتها ظاهرة، و لكن تردّد


1- مختلف الشيعة 2: 68.
2- جواهر الكلام 7: 276.
3- جواهر الكلام 7: 276.
4- وسائل الشيعة 4: 206 الباب (25) من أبواب المواقيت ح 1.
5- المعتبر: 43 و فيه: ما ذكره في المبسوط أوجه بتقدير تسليم الرواية و ما ذكره المرتضى ارجح بتقدير اطراحها.

ص: 499

الفاضل في المختلف في العمل بها لتردّده في حال إسماعيل (1).

قلت: لكن رواها الشيخان كلّ بطريق صحيح عن ابن أبي عمير (2) و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و أنّه لا يروي إلّا عن ثقة كما في العدّة (3)، مضافا إلى أنّ إسماعيل هذا مذكور في رجال الشيخ في اصحاب الصادق عليه السّلام (4)، و كلّ من فيه منهم فهو من كتاب ابن عقدة، و جميع من ذكره منهم ثقاة، كما بيّن المقدّمتين الأخيرتين شيخنا العلّامة المحدّث في خاتمة مستدرك الوسائل بما لا مزيد عليه (5) فليراجع من شاء.

فالسند في غاية القوّة، مضافا إلى وجودها في الكتب الثلاثة، و عمل الأصحاب بها، و اعتناء ثقاة الرواية بروايتها، فلا بأس بالعمل بها، إن شاء اللّه.

(و) لا بدّ من العلم بدخول الوقت في أثناء الصلاة، ف (الشكّ في الدخول، بل و الظنّ به) لم يقم دليل على حجّيّته (كالعلم بالعدم في وجوب الاستيناف) لعدم حصول العلم بالامتثال، و لكن يشكل ذلك في ما لو حدث الشك بعد الفراغ، إذ لا مانع من إجراء قاعدة الفراغ، فليتأمّل.

و على ما ذهب إليه من حديث الإجزاء فالأمر أوضح.

(و متعمّد التقديم و لو جهل بالحكم) كما إذا لم يعلم كون الصلاة موقّتة، فتعمّد إيقاعها قبل الوقت (يستأنف) الصلاة قاصرا كان أو مقصّرا (على كلّ حال) وقع شي ء منها في الوقت أم لا؟

و لو علم توقيت الصلاة و لكن أخطأ في الوقت كما لو قطع بأنّ وقت الفجر الصبح الأوّل فهل يجري فيه التفصيل السابق- فتصحّ لو وقع شي ء منها في الوقت أم لا؟- وجهان من شمول الرواية المتقدّمة، و انصرافها عن مثل هذه الصورة.


1- مختلف الشيعة 2: 69.
2- وسائل الشيعة 4: 206 الباب (25) من أبواب المواقيت ح 1.
3- العدّة في اصول الفقه 1: 154.
4- رجال الطوسي: 167.
5- مستدرك الوسائل، الخاتمة 1: 61، الفائدة الثامنة.

ص: 500

(و كذلك الناسي و الظانّ بدخول الوقت مع عدم اعتبار ظنّه) و علمه بعدم اعتباره يستأنف مطلقا (أمّا لو كان قاطعا فكالمعذور بظنّه في التفصيل السابق).

و ذلك لأنّ لفظ «نرى» في الرواية السابقة إمّا يراد منه خصوص القطع، أو الراجح الّذي هو أعمّ منه و من الظنّ، و الحكم (1) على الأوّلين واضح، و كذا على الثالث، على أنّه أضعف الثلاثة، إذ من المعلوم كونه بيانا لأخفى فردي الرجحان فيشمل القطع بالأولويّة، و من المستبعد جدّا بطلان صلاة من حصل له القطع من إمارة كالأذان، و صحّة صلاة من حصل له الظنّ من تلك الإمارة بعينها.

و كذلك ما لو فرض حصول الظنّ لهما من إمارة واحدة، و عثر أحدهما على أمارات اخرى أوجب انضمامها إلى الاولى القطع، و الفرق بين الموارد تحكّم.

هذا، و لكن لو كان الدليل منحصرا في الإجزاء الّذي ذكره لكان مقتضاه عدم الصحّة في الفرض، لكونه من باب تخيّل الأمر.

و قد تنبّه لذلك في كتابه و استشكل في الحكم لذلك، و جعل عدم الصحّة مقتضى القاعدة، ثمّ فصّل بين المقام الّذي يمكن تحصيل اليقين فيه بالمشاهدة و نحوها- فاعتمد على قطعه الّذي يجوّز غيره الخطاء- و بين غيره (2)، و ذكر في ذلك كلاما لا ينطبق على القواعد المقرّرة في هذا الأعصار، و يوهن الخطب احتماله قويّا كفاية القطع مطلقا في آخر كلامه (3) كما في هذا الكتاب.

(و لو دخل في الصلاة غافلا عن المراعاة) أي ناسيا لمراعاة الوقت، كمن لم يخطر الوقت له بالبال حال الصلاة (و لم يتفطّن إلى الفراغ، و قد صادف تمام فعله الوقت صحّت صلاته على الأقوى).

و الوجه فيه ظاهر بعد ظهور كون الوقت و غيره توصّليّا يكفي وجوده كيف ما اتّفق


1- تأمّل، منه.
2- جواهر الكلام 7: 277.
3- جواهر الكلام 7: 278.

ص: 501

كسائر الشرائط من الساتر و غيره، إذا لم يقم دليل على اعتبار أمر زائد على وجوده من شرط الالتفات إليه و نحوه.

و لكنّ المنقول عن الذكرى البطلان، نظرا إلى عدم تحقّق الدخول الشرعيّ في الصلاة (1) و لذا قال الماتن: (و الأحوط الإعادة) و لكنّه احتياط ضعيف جدّا، لضعف الدليل المذكور، بل للقول بصحّتها لو وقع بعضها في الوقت وجه ليس بالبعيد، كما نقل عن أبي الصلاح (2) و ابن البرّاج (3) إلحاقا له بصورة الظنّ بدخول الوقت، و لكنّ الاقتصار على النصّ يقتضي البطلان.

(و كذلك الجاهل بالحكم) في الحكم بصحّة صلاته مع احتياط الإعادة.

و قوله: (إذا كان بحيث تقع منه نيّة القربة) إن أراد به الجزم في النيّة فلا يتصوّر إلّا في الجهل المنضمّ إلى الغفلة عن الحكم أو الموضوع، و إن أراد به قصدها و لو احتمالا، و فعلها رجاء فذلك ممكن في الجاهل مطلقا، فهذا القيد كأنّه مستدرك، فليلاحظ.

و المنسوب إلى المشهور بطلان صلاة الجاهل مطلقا، و لكنّ الظاهر من كلماتهم أنّ ذلك ليس لخصوصيّة في الوقت، بل ذلك لحكمهم ببطلان عبادة من لا يعرف أحكامها، فإطالة لكلام في ذلك هنا- كما صنعه جماعة- ممّا لا ينبغي.

و الأقوى ما ذهب إليه المحقّق الأردبيلي (4) و تبعه جماعة (5) من صحّة عبادة الجاهل مطلقا، كما ذكره الماتن.

(و لو تفطّن الغافل المزبور في الأثناء) و تبيّن مصادفة أوّلها الوقت صحّت صلاته، و لو تبيّن له سبق الصلاة على الوقت و كان الالتفات بعد دخول الوقت بطلت، بناء على عدم إلحاقه بمعتقد الوقت، و على القول بإلحاقه به فلصحّة الصلاة وجه قويّ.

و لو كان الالتفات قبل دخول الوقت و لكنّه علم بأنّه يدخل الوقت و هو في الصلاة


1- ذكرى الشيعة 2: 394.
2- الكافي في الفقه: 138.
3- المهذّب 1: 72.
4- مجمع الفائدة و البرهان 2: 54.
5- مدارك الأحكام 3: 102.

ص: 502

فوجهان- بناء على إلحاقه بمعتقد الوقت- أقواهما البطلان، و أمّا بناء على عدم الإلحاق به فالبطلان واضح.

(و) إن (لم يتبيّن له الوقت استأنف) أمّا بناء على عدم إلحاقه بمعتقد الوقت- كما هو الأقوى- فواضح، و أمّا بناء عليه فلما تقدّم في معتقد الوقت إذا التفت بعد الصلاة، ففي الأثناء بطريق أولى، لعدم جريان قاعدة الإجزاء، و احتمال اختصاص الخبر بما لو كان التفطّن بعد الفراغ (و) لذا كان (الأحوط له إتمام ما في يده) لاحتمال حرمة قطعها (ثمّ الإعادة).

و لكن هذا الاحتياط ضعيف جدّا، و مع ذلك كتب عليه بعض المحشّين: «إنّه الأقوى» على سماجة في التعبير بالأقوى في مورد الاحتياط بالجمع، و المناسب للمقام الأمر بعدم ترك الاحتياط و نحوه.

هذا، و قد كان من حقّ هذه الفروع أن ترتّب ترتيبا حسنا يسهل على الناظر ضبطها، و لكنّ الماتن ذكرها كما ترى، و التزامنا بالشرح أوجب متابعته، و لا يصعب على المتأمّل إن أراد ذلك و استخراج أحكام ما لم نذكره من الفروع ممّا ذكرناه.

(و يجب الترتيب بين الظهر و العصر) فلا يقدّم العصر على الظهر، و إن كان في الوقت المشترك (و) بين (المغرب و العشاء) أيضا.

و المراد أنّه يشترط في صحّة الاخريين تقدّم الاوليين عليهما، لا أنّه يشترط في صحّة الاوليين تأخّر الاخريين عنهما، و قد سبق عن بعض مشايخنا توهّم ذلك، و هو بالمعنى الّذي ذكرناه شرط فيهما بالإجماع، بل الضرورة.

(فمن تركه عمدا و لو جهلا بالحكم أعاد ما قدّمه) أمّا صورة العمد فواضحة، و كذلك صورة الجهل إذا لم يكن معذورا بجهله بناء على إجراء أحكام العامد عليه.

و أمّا المعذور ففي وجوب الإعادة عليه إشكال بل منع، و ذلك لعدم كونه من الخمس الّذي تعاد به الصلاة، على أنّ إجراء جميع أحكام العامد على الجاهل المقصّر لا يخلو عن منع، و تفصيل الكلام يطلب من محلّه.

ص: 503

(أمّا الساهي) أي الناسي- كما في الخبر- (فلا يعيد) لعموم «لا تعاد» و لصحيح زرارة:

«و إن كنت صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب» (1).

و في صحيح صفوان (2) و قد سأله عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر: «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب ثمّ صلّاها» (3).

ثمّ إنّ القائلون بالاختصاص قيّدوا الحكم بما (إذا كان قد وقع في الوقت المشترك) و إن كانت النصوص مطلقة، و لكنّهم اعتذروا عن ذلك بأنّ نسيان الاولى في أوّل الوقت لمّا كان مستبعد جدّا أشكل حمل النصّ عليه.

و قد استدلّ القائلون بالاشتراك بإطلاق هذه الروايات، و الحقّ أنّ التقييد المذكور في الروايات على القول الأوّل تكلّف، و الاستدلال بالإطلاق على القول الثاني ضعيف جدّا.

أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلأنّ النصوص غير ناظرة إلى غير جهة الترتيب، و بيان صحّة الصلاة من تلك الجهة بعد فرض صحّة الصلاة من سائر الجهات، و ليس فيها تعرّض لوقت الاخريين أصلا، و لو أمكن التمسّك بالإطلاق لدلّت على صحّتها و لو وقعا قبل الوقت، و فساده واضح.

و بالجملة، إطلاق هذه النصوص لا تضرّ القائل بالاختصاص، و لا تفيد القائل بالاشتراك، و في الأخبار المستفيضة الدالّة على الاشتراك غنى عنه، كما مرّ نقلها و بيانها.

ثمّ إنّ هذه النصوص مختصّة بصورة النسيان فلا تشتمل غيرها من الأعذار، و ظاهر جماعة الحكم بسقوط الترتيب بغير ذلك، مثل ما ذكروه في من ظنّ ضيق الوقت إلّا عن العصر، فصلّاها ثمّ بان له سعة الوقت، فإنّهم حكموا بصحّة العصر و نقل الماتن في مسألة الاختصاص عن بعضهم عدم الإشكال في صحّة العصر فلعلّهم فهموا من هذه الأخبار


1- وسائل الشيعة 4: 291 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 1.
2- كذا في كتب الفقه و في سنده في الكتابين سهل بن زياد، يراجع، منه.
3- وسائل الشيعة 4: 289 الباب (62) من أبواب المواقيت ح 7.

ص: 504

مطلق العذر في تقديم الثانية على الأوّل، أو تمسّكوا في ذلك بحديث «لا تعاد» بناء على عدم اختصاصه أيضا بصورة النسيان، كما يأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ هذه النصوص معارضة بظاهرها مع الروايات الدالّة على وجوب العدول بعد الفراغ، إذ هي ظاهرة في أنّ ما وقع يكون ظهرا و الواجب هذه العصر بخلاف هذه، و ستعرف قريبا منّا ما يمكن رفع التعارض به.

(و لو ذكر في الأثناء) أنّه لم يصلّ السابقة (عدل بنيّته) إليها، بالنصّ و الإجماع و إن ورد ما يخالفه في خصوص العدول إلى المغرب عن العشاء، معلّلا للفرق بينهما و الظهرين بأنّ العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة (1).

و قد تكلّف كاشف اللثام في تأويله بما لا يخفى على من راجعه (2)، و لكنّ الترجيح للأوّل من وجوه.

(و إن كان ما وقع منه في وقت الاختصاص في وجه) و هو ما ذكره في كتابه من إطلاق الأدلّة، و لأنّها بالنيّة انكشف كونها ظهرا في وقت اختصاصه، لا أنّها عصر صارت من حين العدول ظهرا حتّى يشكل بأنّ الركعات الاولى وقعت باطلة في الواقع بوقوعها في غير وقتها، فالعدول بها إلى الظهر غير مجد (3).

(إلّا أنّ الأحوط إن لم يكن الأقوى الإعادة بعد الإتمام) لما ذكره بعد كلامه المتقدّم من احتمال ذلك استنادا إلى إطلاق الأدلّة المزبورة الّذي يكون الاستبعاد معه اجتهادا في مقابلة النصّ (4)، إلى آخر كلامه الّذي لا يخلو عن خلل و إجمال.

و تحقيق المقام هو ما أشار إليه في أثناء كلامه السابق من دوران الحكم مدار معنى العدول و ما تؤول إليه الصلاة بعده، فإن كانت اللّاحقة تنقلب ظهرا مثلا من أوّل الأمر، أو بالعدول ينكشف أنّ الواقع هو الظهر و إن نواها عصرا فالمتعيّن صحّة الصلاة، و إلّا فالفساد،


1- وسائل الشيعة 4: 293 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 5.
2- راجع: كشف اللثام 3: 85.
3- جواهر الكلام 7: 317.
4- جواهر الكلام 7: 317.

ص: 505

لعدم وقوع الماضى منها صحيحا، و مع عدم إمكان استفادة أحد الأمرين من الدليل يرجع إلى الأصل، و هو يقتضي الفساد، لكون المقام ظاهرا من باب الشكّ في الامتثال.

و لا داعي لنا إلى تحقيق ذلك بعد وضوح الاشتراك عندنا، و على الماتن و من وافقه تحقيق ذلك، فإنّه نافع لهم في المقام و غيره، كما لو صلّى العصر قبل الوقت فدخل عليه وقت اختصاص الظهر قبل الفراغ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ الظهر فعدل إليها، و قد ذكر الماتن في كتابه أنّه أشدّ إشكالا من المسألة السابقة (1) و ذكر في ذلك كلاما على نحو كلامه السابق من الخلل و الإجمال، فليراجع كلامه من شاء.

(نعم، يصحّ له العدول) قبل الفراغ مطلقا حتّى قبل التسليم لو قيل بأنّه جزء و لو مستحبّا- كما قيل- و لكن (إذا لم يتجاوز محلّه) أي إذا لم يكن العدول (بأن يكون قد ركع في رابعة العشاء مثلا و المنسيّ المغرب).

و عند بعضهم يتحقّق تجاوز المحل بزيادة الواجب مطلقا، و يأتي تحقيق ذلك في مبحث القضاء إن شاء اللّه.

و لكن في صحيح زرارة: «و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة» (2).

و في خبر آخر: «و إن كان صلّى العتمة وحدها فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك» (3).

و العدول أمر تعبّدي- كما ذكره الماتن في كتابه- و إمكان العدول إنّما وقع في عباراتهم و لا أثر له في النصوص كما ذكره هناك أيضا (4) فليتأمّل.

(و لا عدول بعد الفراغ في متساوى العدد فضلا عن غيره) على المشهور، و لكن في


1- جواهر الكلام 7: 317.
2- وسائل الشيعة 4: 291 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 1.
3- وسائل الشيعة 4: 292 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 2.
4- جواهر الكلام 13: 108.

ص: 506

صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «فإن نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر فإنّما هي أربع مكان أربع» (1).

و الرواية صريحة صحيحة، و تأويل الشيخ لها على القرب من الفراغ (2)، و الفاضل الأصفهاني على بعد الفراغ من النيّة (3) في غاية الضعف.

و في خبر الحلبي: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر؟ قال:

«فليجعل صلاته الّتي صلّى الاولى ثمّ يستأنف العصر» (4).

و تأويله بالدخول في العصر أو حمله على أن يكون المصلّي ابتدأ بالظهر ثمّ نسي في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها أنّه نوى الظهر، ثمّ ذكر أنّه كان ابتدأ بالظهر فليجعلها الظهر، فإنّها على ما ابتدأ به (5) في غاية الضعف أيضا.

و لا داعي إلى هذه التكلّفات بعد شبهة الإجماع سوى ما ذكروه من أنّ الصلاة على ما نويت لا تنقلب إلى غيرها بالنيّة بعد إكمالها، و لو لم تكن النصوص و الإجماع على انقلابها في الأثناء لم نقل به (6)، انتهى.

و فيه ما لا يخفى، إذ لا فرق في إمكان الانقلاب و عدمه بين بعد الفراغ و الأثناء، فإمّا يجوزان معا، أو يستحيلان كذلك، و إن كان العدول مستحيلا عقلا فلا يفيد النصّ و الإجماع، إذ هما لا يجعلان المحال ممكنا، و إن كان ممكنا و لكنّه يحتاج إلى دليل.

فهذان الخبران لا قصور فيهما دلالة و سندا، و الإجماع غير معلوم المخالف موجود في المسألة، و لكنّهم قالوا: إنّه نادر لا يقدح خلافه. و هو كما ترى، و لهذا كتب السيّد الأستاذ- دام ظلّه- في حاشية المقام: «إنّ الأقوى جوازه في متساوي العدد».


1- وسائل الشيعة 4: 291 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 1.
2- الخلاف 1: 386.
3- كشف اللئام 3: 86.
4- وسائل الشيعة 4: 292 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 4.
5- جواهر الكلام 7: 318.
6- جواهر الكلام 7: 318.

ص: 507

و الّذي يتعيّن القول به بحسب قواعد الصناعة لو لا مخافة مخالفة الأصحاب أنّ من نسي السابقة- كالظهر مثلا- و ذكر بعد الفراغ من اللّاحقة مخيّر بين أن يعدل بنيّته، فيجعل ما صلّاه بقصد العصر ظهرا ثمّ يصلّي أربعا بقصد العصر بمقتضى هذه الأخبار، و بين أن يصلّي الظهر بعد العصر بمقتضى ما تقدّم من سقوط الترتيب.

و هذا و إن كنّا لم نجد مصرّحا به و لكنّه لازم الحاشية المتقدّمة للسيّد الأستاذ، مع موافقته القوم على سقوط الترتيب، و لعلّه لذلك عبّر الفاضل في المنتهى بجواز العدول (1).

و هذا الوجه في كلامه أولى ممّا ذكره الماتن و غيره من أنّ المراد الوجوب، لأنّ العدول متى جاز وجب (2)، بل يمكن أن يقال بمثل ذلك حتّى لو ذكر في الأثناء.

أمّا جواز العدول فلما تقدّم، و أمّا سقوط الترتيب فلما رواه شيخنا في مستدرك الوسائل عن كتاب النقض على من أظهر الخلاف على اهل البيت للحسين بن عبيد اللّه الواسطي: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة اخرى فاتته أتمّ الّتي هو فيها ثمّ يقضي ما فاتته» (3).

و لكنّ القطع بالحكم بها على أنّها رواية مرسلة مشكل، على أنّ الظاهر اختصاص موردها بتذكّر ما فات وقته من الصلوات، فلا يشمل المقام.

و أمّا قوله: (و كذلك الحكم في ما يجب فيه الترتيب من الفوائت، أمّا العدول من الحاضرة إلى الفائتة فغير واجب، نعم هو جائز بل مستحبّ) فالكلام في جميع ما ذكره فيه يأتي في باب قضاء الصلوات إن شاء اللّه.

و كذلك الكلام على حاشية الشيخ قدّس سرّه على قوله: «فغير واجب» و هي «في نفي الوجوب تأمّل فلا ينبغي ترك الاحتياط».

و لكن لا يخفى أنّ كلامه قدّس سرّه و إن كان مطلقا و لكنّ المراد خصوص العدول إلى الفائتة


1- منتهى المطلب 7: 110.
2- جواهر الكلام 27: 316- 315.
3- مستدرك الوسائل 3: 163- 164 ح 5.

ص: 508

الواحدة، بل فوائت يوم ذكرها، لما ذكره في حاشية الآتية في المبحث المذكور.

(و الأفضل له صلاة كلّ فريضة في أوّل وقت فضيلتها) بل لا خلاف و لا إشكال، بل لا يبعد القول بكراهة التأخير عن وقت الفضيلة، و قد ورد في النصوص المتواترة من الحثّ على ذلك حتّى قال جماعة بالوجوب.

و أمّا أفضليّة أوّل وقت الفضل عن آخره، فالدليل عليه ظواهر عدّة من الأخبار، مضافا إلى عموم المسارعة إلى الخير، و صحيح الاعتبار.

(إلّا عصري الجمعة و عرفة، فيجعلهما بعد الظهر) لما سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- في كتاب الحج (و عشائي من أفاض من عرفات، فيؤخّرهما إلى المزدلفة و لو إلى ربع الليل) بإجماع أهل العلم كما عن المنتهى (1).

(بل و لو إلى ثلثه) لصحيح ابن مسلم: «لا تصلّ المغرب حتّى تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل» (2).

(و من خشي الحرّ يؤخّر الظهر إلى المثل ليبرد بها).

اعلم أنّه قد روي من طرقنا و طرق الجمهور الإبراد بالظهر، فروى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان المؤذّن يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله [في الحرّ] في صلاة الظهر فيقول [له] رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أبرد أبرد» (3).

و في أكثر روايات العامّة: «أبردوا بالصلاة» (4).

و فسّره الصدوق و بعض العامّة بالإسراع و التعجيل، و لا ينحصر الوجه في إرادة ذلك منه بدعوى كونه مأخوذا من البريد كما هو المنقول عنه قدّس سرّه (5)، و قد نقل ثقاة أهل اللّغة أنّ


1- منتهى المطلب كتاب الحج 2: 723.
2- وسائل الشيعة 14: 12 الباب [5] من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1.
3- وسائل الشيعة 4: 142 الباب (8) من أبواب المواقيت ح 5.
4- كنز العمال 7: 378- 377.
5- قال الصدوق: يعني عجّل عجّل، و اخذ ذلك من التبريد. الفقيه 1: 223 ح 672.

ص: 509

العرب ينزلون للتغوير في شدّة الحرّ و يقيلون، فإذا زالت الشمس ثاروا إلى ركابهم، و نادى مناديهم: ألا قد أبردتم فاركبوا.

فقول الماتن: «إنّه يشهد بخلافه العرف و اللّغة و قرائن الأحوال و الأقوال» (1) ليس بمتّجه، نعم القرائن دالّة على خلافه كما ذكره.

و في روايات العامّة ما هو صريح في خلاف ذلك، ففيما رواه مسلم و البخاري بإسنادهما عن أبي ذر: «أبرد أبرد» أو قال: «انتظر انتظر»، و فيه: «حتّى رأينا في ء التلول» (2)، و غير ذلك.

و الظاهر من الماتن و غيره أنّه مأخوذ من البرد أي ضدّ الحرّ، و فيه أنّه لا يقال:

«أبردته» إلّا في لغة رديّة- كما صرّح به الجوهري- (3) على أنّ تبريد الصلاة و لو تكلّف في تفسيره عبارة باردة جدّا، على أنّ في غير واحد من طرقها «أبردوا بالصلاة» فلا يناسب ما قالوه إلّا بتكلّف دعوى زيادة الباء.

و الظاهر عندي أنّه من قولهم: «أبرد الرجل» إذا دخل آخر النهار، و البردان كالأبردين هما الغداة و العشيّ، و منه ما رواه الصدوق: «من صلّى البردين دخل الجنة» (4) أي الصبح و العصر، فيكون كقولهم: أصبح و أظهر.

فمعنى الروايات الأمر بتأخيرها إلى وقت العصر، و تحديد الماتن ذلك بالمثل (5) مستفاد من بعض الروايات المشتملة على أمر زرارة بذلك، و هي غير صريحة في كون ذلك تفسيرا للإبراد، بل بعض القرائن تدلّ على تخصيص زرارة بذلك لبعض المصالح، و لهذا ما كان أجد من أصحابنا يفعل ذلك غيره و غير ابن بكير، و لعلّ بعد ارتفاع تلك المصلحة أمره بأن يصلّي في مواقيت أصحابه، فليلاحظ ذلك كلّه إن شاء اللّه.


1- جواهر الكلام 7: 313.
2- صحيح البخاري 1: 225 و صحيح المسلم 3: 119.
3- صحاح اللغة 1: 445.
4- وسائل الشيعة 4: 238/ 13 و فيه: يعني بعد الغداة و بعد العصر.
5- جواهر الكلام 7: 314.

ص: 510

و يؤيّد ما استفاده الماتن ما رواه العامّة من تأخيره صلّى اللّه عليه و آله الصلاة حتّى ساوى الظلّ التلول (1).

ثمّ إنّ جماعة من الأصحاب قيّدوا ذلك بكون الصلاة في جماعة و في المسجد، و في شدّة الحرّ في البلاد الحارّة (2)، و قيّده جماعة من العامّة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد، و لا يمشون في كن.

و في استفادة جميع ذلك من الروايات محلّ نظر، و إن كان بعضه لا بأس به إن استفيد من النصوص أنّ الحكمة في الحكم التسهيل على المكلّفين، و لكنّ التعليل الوارد في روايات العامّة بأنّ [شدّة] الحرّ من فيح جهنّم (3) يستفاد منه غير ذلك، فحينئذ لا وجه لهذه القيود ما عدا شدّة الحرّ.

ثمّ إنّه لا خلاف عندنا في عدم كون الأمر للوجوب، و هذا مذهب أكثر العامّة بل من اصحابنا من توقّف في أصل الحكم.

(و من لم يكن له إقبال) القلب (يؤخّر الفرض إلى حصوله) لأنّه روح الصلاة، بل جميع العبادات، و هو من أهمّ جهات الفضل.

و قوله: (لكن لا ينبغي أن يتّخذ ذلك عادة) لعلّ المراد منه أنّه لو عرف من نفسه أنّ عدم الإقبال في وقت الفضيلة مستندا إلى العادة و أنّه لو صلّى عدّة أيّام بلا إقبال حصل له ذلك في وقت الفضل دائما أو غالبا، لزوال العادة الموجبة لعدمه، و هذا له وجه.

و إن كان المراد غير ذلك فهو في غير محلّه، إذ لا إشكال في ترجيح إقبال القلب على غيره و لو استلزم ترك جميع جهات الفضل في جميع العمر، بل لا ينبغي أن يشكّ العارف بأسرار الشرع أنّ ركعة واحدة في وقت مكروه و مكان مكروه و نحو ذلك إن كانت مع حضور القلب خير من ألف ركعة بدونها و لو استجمعت سائر جهات الفضل.


1- صحيح البخاري 1: 257 كتاب الأذان.
2- جواهر الكلام 7: 314.
3- صحيح البخاري 1: 225- 226 و صحيح مسلم 3: 119- 118.

ص: 511

(و من كان منتظرا للجماعة يؤخّرها إلى حصولها) إن لم يتمكّن من جماعة اخرى تساويها في جهات الفضل (إذا لم يقتض ذلك الإفراط في التأخير بحيث يكون مضيّعا للصلاة).

و الوجه فيه تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الوقت، و تقديم كراهة التضييع على استحباب الجماعة.

(و الصائم الّذي تتوق نفسه إلى الإفطار يؤخّرها إلى ما بعده) إن كان بحيث يمنع من إقبال القلب على الصلاة، فهو حينئذ داخل في ما تقدّم من تأخير الصلاة إلى حصول الإقبال، و لا خصوصيّة للصائم، بل مثله من كانت له حاجة تشغل قلبه و نحوها.

و إن كان المراد مطلق التوقان فلا أعرف دليلا عليه، بل ظواهر بعض الأخبار تدلّ على خلافه، بل تدلّ على التفصيل الّذي ذكرناه، و كان على الماتن أن يقيّده بما إذا لم يقتض التضييع كما صنعه في ما قبله.

(و كذا من كان له أحد ينتظره للإفطار) لغير واحد من النصوص.

(و المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر و المغرب) إلى آخر وقت فضلهما (إذا أرادت جمعهما مع العصر و العشاء بغسل واحد) كما ذكر مفصّلا في مبحث الاستحاضة، و قال الماتن هنا:

«بل ربّما قيل بوجوب ذلك، لظاهر الأمر به في النصوص المحمول على إرادة الرخصة، و إلّا فلا ريب في جواز غسلها في أوّل الوقت للظهر، ثمّ غسل آخر للعصر إذا أرادت فعلها في وقتها الفضيلي، بل منه و ممّا ذكرناه هناك أيضا من عدم جواز إيقاعهما بغسل واحد مع التفريق يشكل الاستحباب المزبور حينئذ و إن ذكره غير واحد من الأصحاب، فلاحظ و تأمّل» (1).

قلت: لا خفاء في مراد من ذكر ذلك من الأصحاب، لأنّ المستحاضة تمكنها الصلاة بغسلين مع التفريق- كما ذكره- و بغسل واحد، و هو إمّا أن يكون بتأخير الظهر- كما ذكروه


1- جواهر الكلام 7: 313- 312.

ص: 512

- و إمّا بتقديم العصر، فالصور المتصوّرة لصلاتها حينئذ ثلاثة، و الأصحاب ذكروا أنّ الأفضل لها الصورة الثانية، و الدليل على ذلك هي الأخبار الّتي اعترف بأنّ بعضهم حملها على الوجوب، و بعد تعذّر الحمل عليه- لما اعترف به أيضا من معلوميّة صحّة صلاتها بغسلين- كان أقرب محاملها الاستحباب.

و مراد الماتن لا يخلو عن خفاء، فكلامه بالتأمّل فيه لعلّ مراده ما احتمله بعض أفاضل العصر من أنّ الأوامر الواردة في ذلك في مورد توهّم وجوب الغسل لكل صلاة، فلا تفيد أزيد من الرخصة، و هو بعيد من سوق كلامه، أو يريد أنّ مع تمكّنها من فعل كلّ صلاة في أوّل وقتها لا يكون التأخير أفضل أقسام صلاتها.

و فيه- مع أنّه يمكن أن يكون المراد أنّه أفضل صورتي الجمع لوقوع كلّ فرض في وقت فضلها و إن لم يكن في أوّله، بخلاف الصورة الاخرى- أنّ النصّ مخصّص لعموم أفضليّة أوّل الوقت، و لا استبعاد بعد ملاحظة كثرة تغيّر الأحكام بتغيّر الطوارئ، و إمكان أن يكون ما يلزمه من العسر الّذي هو مناف لسهولة الشريعة رافعا لحكم الاستحباب، كما في غير واحد من الموارد.

على أنّ ظاهر عناوينهم و إن كان يقتضي كون التأخير أفضل من التقديم، و لكن ملاحظة عدّة ما ذكروه من الموارد توجب القطع بأنّ المراد عدم تأكّد الاستحباب، و عدم كراهة التأخير، و هذا هو الظاهر حتّى من الماتن (و) لذا ذكر أنّ (المربّية للصبيّ تؤخّر الظهرين إلى آخر الوقت لتجمعهما مع العشاءين بغسل واحد للثوب) مع اتّحاد حالها في الجهات المذكورة مع المستحاضة، فلا وجه لتخصيصها المستحاضة بالإشكال، فليلاحظ.

(و يؤخّر ذوي الأعذار و لو) كان العذر عدم التمكّن من معرفة أوّل الوقت (لغيم و نحوه) خروجا من شبهة الخلاف، و كون العلم بوقوع الصلاة في الوقت خيرا من الظنّ بوقوعها في أوّل الوقت.

كلّ ذلك (مع رجاء زوال العذر) و لو (في آخر الوقت، و مدافع الأخبثين) يؤخّر أيضا، لأنّه بمنزلة من في ثيابه.

ص: 513

و كذلك كلّ من له عارض يمنعه من حضور القلب، و لعلّه المراد من قوله: (بل كلّ ممنوع بنحو ذلك) بقرينة كونه مأخوذا من بيت الدرّة، و هو قوله:

و ينبغي التأخير للمدافع للأخبثين بل لكلّ مانع

(و المتنفّل) بالنافلة المتقدّمة على الفرض (يؤخّر الفرض للنافلة) بل يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار كون أفضل وقت الفريضة بعد مضيّ مقدار النافلة و إن لم يصلّها، فليلاحظ.

(و المسافر المستوفر يؤخّر) إلى حصول الاطمينان له، و كذلك المسافر الّذي دخل عليه الوقت و هو في السفر، فإنّ الأفضل له أن يؤخّر الصلاة إلى أن يدخل فيتمّ إن لم يخف خروج الوقت كما في صحيح محمّد بن مسلم (1).

(و من كان عليه قضاء) لواجب (يؤخّر إلى حصول الضيق) و في هذا التعبير ما لا يخفى و الأحسن ما عبّر به في الحدائق و غيره، و هو أنّ المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة يستحبّ له تأخير الأداء إلى حصول الضيق (2).

(و لا يجب التأخير في شي ء من ذلك على الأصحّ) خلافا لمن أوجبه في الأخير للقول بالمضايقة، و لمن أوجبه في ذوي الأعذار، كما في حاشية الشيخ قدّس سرّه: من أنّ وجوب التأخير على ذوي الأعذار مع رجاء زوال العذر لا يخلو عن قوّة. و محلّ الكلام في ذلك مبحث التيمّم.

و عليها حاشية للسيّد قدّس سرّه و هي: تخصيص التأخير بغير الغيم و نحوه، و قد تقدّم وجهها.

و اعلم أنّ جميع الموارد المذكورة ليس فيها ما يكون الفضل في تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة أو عن أوّله بحيث يكون مخصّصا لأفضليّتها- كما هو المدّعى في المقام- بل هي بين ما نقل كراهة التأخير فيه- كما سمعت في المستحاضة و مربيّة الطفل- و بين ما يرفع اليد عن


1- وسائل الشيعة 8: 515 الباب (21) من أبواب صلاة المسافر ح 8.
2- الحدائق الناظرة 6: 327 و فيه: إلى آخر الوقت.

ص: 514

فضيلة الوقت لمزاحمته مع ما هو أهمّ منه.

و ذلك الأهمّ قد يكون راجحا آخر خارجا عن الصلاة كالتأخير لقضاء حوائج المؤمنين، و الإصلاح بينهم و نحو ذلك، و قد يكون الأهمّ جهة اخرى من جهات الفضل و هي أهمّ من فضيلة الوقت، و ذلك كالتأخير إلى حصول الإقبال و نحوه، و مثل ذلك ممّا يصعب حصرها، لاختلاف الأهمّيّة بحسب الأفعال و حالات المكلّفين.

و المرجع في ذلك غالبا إلى المكلّف، فعليه أن يلاحظ جميع الجهات المتزاحمة و يعمل بالأرجح منها، نعم، بعض جهات الأهمّيّة ممّا لا سبيل للمكلّف إلى معرفتها إلّا ببيان الشارع، و لهذا ورد النصّ فيه كتأخير العشاءين للمفيض من عرفات، و تعجيل عصري الجمعة و عرفة.

و بالجملة، ليس في جميع هذه الموارد ما يكون فيه الفضل في غير وقت الفضيلة من حيث الوقتيّة، و بعبارة اخرى: الوقت الأصلي للفضل غير مخصّص بهذه الموارد، بل المخصّص هو الوقت الفعلي في أكثرها.

نعم، أفضليّة أوّل الوقت مخصّص بمثل أوّل العشاء، إذ الأفضل تأخيرها عن سقوط الشفق، و العصر فإنّ الأفضل تأخيرها إلى المثل أو أربعة أقدام.

و لقد أحسن شارح البغية تحرير المقام، و أجاد ما شاء في التقسيم و بيان أحكام الأقسام، فليرجع من شاء إلى كتابه.

(و يكره الشروع في النوافل المبتدئة عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و عند قيامها) للنصوص الكثيرة و في بعضها التعليل بأنّ الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال: إذا ذرّت، و إذا كبدت، و إذا غربت (1)، و ورد التعليل في خصوص الأوّل و الثاني بأنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان، و تغرب بين قرني شيطان (2).


1- وسائل الشيعة 4: 242 الباب (39) من أبواب المواقيت ح 8.
2- وسائل الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت ح 1.

ص: 515

(و بعد صلاة الصبح، و بعد صلاة العصر) للنصوص، منها: خبر معاوية بن عمّار:

«لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب، و لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس» (1).

و مبدأ الكراهة في الأوّل طلوع أوّل جزء من القرص، و آخره استكمال القرص الطلوع- كما هو مقتضى المرسل المرويّ في المجازات النبويّة- (2) أو ارتفاعها- كما في خبر العلل- (3) أو ذهاب الحمرة- كما في المقنعة (4) و بعض كتب الفروع- أو انبساطها، كما في رواية التلعكبري المنقولة في البحار (5)- و لعلّه راجع إلى ما في المرسل و كذا ما في بعض الكتب من التعبير بقوّة سلطان الشمس- (6) و مقتضى الكلام المنقول عن السيّد أنّ حدّ ذلك الزوال (7) و حينئذ تتّصل الكراهتان بل يجتمعان عند تكبّد الشمس، و يمكن حمل الاختلاف على اختلاف مراتب الكراهة.

و مبدأ الثاني غروب أوّل جزء من الشمس- كما هو مقتضي المرسل- أو ميلها إلى الغروب، أو اصفرارها، أو هما متّحدان، و لعلّه المراد بتضيّفها كما في رواية عامية (8).

و آخرها استكمال الغروب، أو ذهاب الشفق الشرقيّ- كما قيل- و هو مبنيّ على القول بتحديد الغروب به.

و لا حدّ معيّن لمبدإ الثالث، فالمرجع فيه الصدق العرفي لكون الشمس وسط السماء و نحو ذلك، و لعلّ حدّه الركود الوارد في عدّة من الأخبار.

و يحتمل ضعيفا أن يكون أوّله وصول الشمس إلى دائرة الزوال و آخره زوالها كما في النصّ.


1- وسائل الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت ح 2.
2- مستدرك الوسائل 3: 146 ح 2.
3- وسائل الشيعة 4: 237 الباب (38) من أبواب المواقيت ح 9.
4- المقنعة: 212 و فيه: و من حضر بعض المشاهد عند طلوع الشمس و غروبها فليزر و يؤخّر صلاة الزيارة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها و صفرتها عند غروبها.
5- بحار الأنوار 91: 237.
6- جواهر الكلام 7: 285.
7- جواهر الكلام 7: 287.
8- جواهر الكلام 7: 285.

ص: 516

و أمّا الأخيران فأوّلهما ما ذكره الماتن، و آخر الأوّل طلوع الشمس، و آخر الأخير فعل صلاة المغرب كما في الخبر: «لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب و لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس (1).

فعلى هذا تتّصل الكراهتان في الغداة لمن فرغ من صلاتها قبل طلوع الشمس، و تنتفي الرابعة لمن لم يصلّ الفجر أصلا، أو صادف فراغه طلوعها، و تجتمع الكراهتان لمن صلّى العصر و فرغ منها قبل الغروب، فتشتدّ الكراهة لاجتماع السببين، ثمّ بالغروب تنتفي الثانية و تبقي الخامسة إلى أن يصلّى المغرب، فالأخيران يختلفان مقدارا بحسب اختلاف أفعال المكلّفين، بل قد ينتفيان كذلك- كما عرفت- بخلاف الثلاثة الاول.

و لا وجه لإرجاع الأخيرين إلى الثلاثة الاول بعد الاختلاف في التحديد و السبب، بل اختلافهما بحسب النوع، لأنّ في الثلاثة الاول الكراهة ناشئة من الزمان، بخلاف الأخيرين، لما عرفت من المقدّمات السابقة.

بقي الكلام على امور:

أوّلها: يستدلّ على الماتن ما استدركه على متن كتابه (2) من عدم استثناء يوم الجمعة من الثالث مع كونه من المجمع عليه في الجملة.

و لا يمكن أن يعتذر عنه بمثل ما اعتذر عن ماتنه (3) من أنّ تفصيل الكلام في الجمعة مؤخّر في محلّه (4)، إذ الماتن لم يتعرّض لأحكام الجمعة في هذا الكتاب أصلا. نعم لعلّه قد اكتفى بما ذكره في هذا المبحث عند التعرّض لمواقيت النوافل.

ثمّ ظاهر الأكثر استثناء مطلق النوافل، و بعضهم خصّه بنوافل الجمعة، و بعضهم بخصوص الركعتين منها.


1- وسائل الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت ح 2.
2- و هو شرائع الاسلام للمحقق الحلّى الّذي كتاب جواهر الكلام للماتن و هو الشيخ محمد حسن النجفى شرح له.
3- و هو المحقق الحلّى صاحب الشرائع.
4- جواهر الكلام 7: 291.

ص: 517

و لا وجه للأخيرين بعد إطلاق صحيح ابن سنان: «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة» (1)، و لا ينحصر الدليل في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة، قبل الأذان أو بعده؟ قال: «قبل الأذان» (2).

فما في جامع المقاصد من أنّ الّذي يقتضيه النظر أنّ النصّ إن اقتضى حصر الجواز في ركعتين اقتصر عليهما، و إلّا فلا (3)، انتهى.

لا يخفى ما فيه بعد إطلاق الصحيح المتقدّم، إلّا أن يمنع الإطلاق بعدم كونه في مقام البيان و فيه بعد.

و يمكن أن يكون المقام من قبيل التخصّص، لا التخصيص، بأن يقال: إنّ وقت الكراهة ركود الشمس- كما تقدّم- و لا ركود يوم الجمعة، كما في عدّة من الأخبار.

هذا، و في المقام غفلة واضحة للماتن في كتابه (4) و هي عدّه من الأخبار الدالّة على استثناء يوم الجمعة ما ورد في صلاة جعفر من أنّ «أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثمّ في أيّ الأيّام شئت، و أيّ وقت صلّيتها من ليل أو نهار فهو جائز» (5).

إذ صدر النهار أوّله، و الكلام في وسط النهار و إن كان الاستدلال بآخر الرواية فهو فاسد، إذ حاله حال سائر الإطلاقات الواردة في غيرها من أقسام الصلوات الّتي يجب تقييدها بما دلّ على كراهة هذا الوقت.

ثانيها: أنّ المشهور- كما عرفت- كراهة الصلاة في جميع هذه الاوقات.

و في المقام قولان آخران:

أحدهما: [حرمة] التنفّل بعد طلوع الشمس إلى الزوال إلّا يوم الجمعة، و نقل عنه (6)


1- وسائل الشيعة 7: 317 الباب (8) من أبواب صلاة الجمعة و آدابها ح 6.
2- وسائل الشيعة 7: 322 الباب (11) من أبواب صلاة الجمعة و آدابها ح 2.
3- جامع المقاصد 2: 35.
4- جواهر الكلام 7: 290.
5- وسائل الشيعة 8: 56 الباب [4] من أبواب صلاة جعفر ح 1.
6- المراد منه السيّد المرتضى، و في العبارة سقط.

ص: 518

الحرمة في جميع الثلاثة الاول (1) و هو في غاية الضعف.

و القول الآخر: عدم الكراهة في الثلاثة الاول. نقل عن الصدوق، و مال إليه بعض المتأخّرين (2) نظرا إلى حمل روايات الكراهة على التقيّة، و فيه ما مرّ مرارا من ضعف هذا الحمل، و اشتراطه بأمور مفقودة في المقام.

و استدلّ عليه (3) بالتوقيع المرويّ عن العمري: «و أمّا ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها فلئن كان كما يقول الناس: إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان شي ء مثل الصلاة، فصلّها و ارغم أنف الشيطان» (4).

و لكنّها كما ترى لا تعارض الروايات المستفيضة الّتي عمل بها جمهور الأصحاب، على أنّ خلاف الصدوق و من وافقه كالتوقيع مختصّ بالثلاثة الاول، بل الاوليين.

فما في حاشية السيّد الأستاذ- دام ظلّه- من أنّ «في الحكم بالكراهة في المواضع المذكورة إشكال، بل الأقوى عدمها» لا أعرف للتعميم المذكور وجها إلّا أن يكون استفاد التقيّة من جميع الأخبار الواردة في جميع الخمس، أو أنّ المراد عدم الكراهة المصطلحة، و فيه بعد.

و قد وقع في المقام خطأ واضح لجماعة أوّلهم في ما أعلم كاشف اللّثام حيث قالوا: «إنّ المفيد بالغ في إنكار هذه الأخبار على العامّة في كتابه المسمّى بكتاب افعل و لا تفعل» (5)، و الكتاب المذكور ليس للمفيد، بل هو لأبي جعفر محمّد بن عليّ ابن النعمان المعروف بمؤمن الطاق، و السبب في هذا الخطأ اشتراك اسمهما و جدّهما، و اللّه العاصم.


1- جواهر الكلام 7: 287.
2- جواهر الكلام 7: 288.
3- جواهر الكلام 7: 288.
4- وسائل الشيعة 4: 236 الباب (38) من أبواب المواقيت ح 8 و فيه: فما أرغم أنف الشيطان بشي ء أفضل من الصلاة.
5- كشف اللثام 3: 91- 90 و لكن ليس فيه ذكر للكتاب المزبور، و سبقه إلى ذلك النسبة السيّد محمّد صاحب المدارك في كتابه. مدارك الأحكام 3: 109.

ص: 519

ثالثها: لا بأس بقضاء الفرائض فيها، لعدّة من النصوص، فبها تقيّد إطلاق أدلّة المنع.

و ما يقال من أنّ تلك الأخبار لا تدلّ إلّا على الجواز، فلا تنافي الكراهة فجوابه أنّ تلك الأخبار- كما لا يخفى على من راجعها- ناظرة إلى أخبار الكراهة، فهي حاكمة عليها، و لكن في الأخبار ما يدلّ على الكراهة أيضا كالرواية السابقة في إخبار العدول، و المتقدّمة في قاعدة الإدراك، و الأرجح طرحها لمعارضتها بما هو أقوى منها من وجوه، فتأمّل.

و كذلك قضاء النوافل أيضا للتصريح به في غير واحد من النصوص، و فيه: «إنّه من سرّ آل محمّد المخزون» (1).

و عن النهاية كراهة النوافل أداء و قضاء عند الطلوع و الغروب (2)، فليتأمّل.

و المشهور اختصاص الحكم بالمبتدأة (دون ذوات الأسباب كالزيارة و الطواف و الحاجة و نحوها) ممّا يحدث الأمر بها بحدوث أمر اختياري- كالزيارة- أو غير اختياري- كالحاجة- فصلاة جعفر ليس منها، كما احتمله الماتن مستندا إلى عبارة مجملة لبعضهم، و هي: أنّه ما اختصّ بوضع من الشارع لا ما يفعله المكلّف من النافلة (3).

هذا، و الحكم بالجواز في غير ما دلّ عليه النصّ بالخصوص لا يخلو عن إشكال.

و استدلّ الماتن في كتابه على عموم الحكم فيها بوجوه أقواها إطلاق ما دلّ على شرعيّة ذوات الأسباب، و اعترف بأنّ التعارض بينه و بين دليل الكراهة من وجه، و لكنّه رجّح الأوّل بأمور ضعيفة كالأصل و ما دلّ على رجحان أصل الصلاة، و نحو ذلك (4).

(و) يختصّ الحكم بالابتداء في الصلاة (دون إتمام المبتدأة لو كان متلبّسا بها و دخل وقت الكراهة) و لكن قد مرّ في قاعدة الإدراك خبر عمّار في التفصيل بين الركعة و ما دونها، و صريحه الحكم بالقطع إن أدرك أقلّ من ركعة، و يحتمل التفصيل بين الفراغ من


1- وسائل الشيعة 4: 244 الباب (39) من أبواب المواقيت ح 14.
2- النهاية و نكتها 1: 282.
3- جواهر الكلام 7: 291- 290.
4- جواهر الكلام 7: 293.

ص: 520

جميع السجدات اللازمة في تلك الصلاة و بين غيره، فيتمّ في الأوّل، و يقطع في الثاني، لما يظهر من بعض أخبار الباب من أنّ العلّة في كراهة الصلاة اشتمالها على الركوع و السجود (1)

و قد ورد التعليل في عدم كراهة صلاة الأموات بذلك (2) و في رواية عمّار: النهي عن سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها (3). و يمكن أن يستفاد من مجموع ذلك كراهة السجود عند الطلوع و الغروب مطلقا، و اللّه أعلم (4).


1- وسائل الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت ح 4.
2- وسائل الشيعة 3: 108 الباب (20) من أبواب صلاة الجنازة ح 2.
3- وسائل الشيعة 8: 251 الباب (32) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2.
4- انتهى ما في النسخة الوحيدة للكتاب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.